رحلة إلى عمورية
يامن نوباني
تبدأ قرية "عمورية" 26كم جنوب مدينة نابلس، بطبيعتها الخضراء، وعشرات أنواع الأشجار والنباتات البرية، فوق جبل عالٍ مطل بوضوح على الساحل الفلسطيني المحتل، تحيطها سلسلة جبال مرتفعة، تُرى من بيوتها القليلة والمتفرقة، مدن نابلس ورام الله وسلفيت والعشرات من قراهن.
يعتقد أن كلمة (عمورية) تحريف لاسم (عمرية) السريانية، بمعنى سكان الأديرة (الرهبان). تبلغ مساحة أراضيها حوالي 3112 دونما، وترتفع عن سطح البحر 675م، تحيط بها أراضي قرى عبوين وخربة قيس وعارورة وسلفيت واللبن الشرقية.
يبلغ عدد سكان عمورية، (371) نسمة بحسب (جهاز الاحصاء المركزي 2017) ويوجد فيها 47 منزلا مأهولا، في العام 2007 كان عدد السكان 299 نسمة، وبحسب الاحصاء المركزي فإن عدد السكان يرتفع في القرية منذ 2007 إلى 2017 بين 7-8 شخص كل عام.
سيارة (رينو ستيشن) مركونة منذ أكثر من عشرين عاما، في مساحة فارغة بين بيتين، وقد تآكلت من الصدأ، وتحولت إلى اللون الفسفوري، ربما كانت بالأصفر أو الأخضر، نبتت فيها الحشائش الخضراء، بعدما تسربت الأتربة بفعل الزمن إلى هيكلها الحديدي، وسلاسل حجرية متقنة حول العديد من البيوت، تحيط حدائقها، أسطح المنازل وقد امتلأت بحبال الغسيل، شبابيك مزروعة بالورود وأحواض النعناع، مشاهد تلفت النظر إلى وداعة القرية وهدوئها الريفي وبساطتها في الحياة.
تشتهر عمورية بطبيعتها الخضراء الجذابة، وينتشر فيها أشجار ونباتات: بلوط "السنديان" .. سريس.. بُطُم فلسطيني.. والسلمون. والزهر نُوّير وبسباس وخردل .. وفي نباتات القبار والخس البري وعصا الراعي والشومر وعشبة الكلخ، ومن الشجيرات السلمون والقنديل.
ما بين عمورية واللبن الشرقية، يقع جبل طاروجة، أعلى قمة في المنطقة، والذي يقصده الزوار ومحبي الطبيعة من الأماكن المحيطة وحتى تلك البعيدة، حيث الجلسة والمشي في أحضان الريف الطبيعي والهادئ، والتقاط الصور مع الأشجار الغريبة والكبيرة والمعمرة التي تميز الموقع، رغم أنه يعاني من عدم وجود طريق معبدة تصل إليه، ومن تكسير أغصان الأشجار وإهمال الأرض وإلقاء النفايات على كافة أطرافه ما يسبب تلوثا بصريا للمتنزهين.
في عمورية، دكان واحد صغير، في وسط القرية، زبائنه الأهالي ومن يمرون صدفة بالمكان، أو خلال نزهة، وأكثر اعتماده على طلبة المدرسة القريبة الذين لا يوجد لديهم مقصف مدرسي.
المواطن أمين حكواتي، قال ل"وفا": كانت عمورية في الزمن القديم تُسمى بحسب ما سمعت مدينة "السمنة"، وعلى الأغلب أنها كانت بلد كبيرة، فيها العديد من المواقع الأثرية القديمة جدا، وبعض البيوت التي تعود للعهد العثماني، وأيضا هناك المسجد القديم والذي يعود للعهد العمري وأمامه شجرة توت معمرة يصل عمرها إلى 400-500 سنة. وفيها العديد من العيون والينابيع، أهمها عين البلد مصدر مياه الشرب للبلدة حتى قبل عشر سنوات ، والعين الغربية ، ويعتبر جبل الباطن وتلة الرأس من أشهر جبالها.
تُقدر مصادر غير رسمية من القرية بأن أعداد المغتربين من "عمورية" في الخارج، بحوالي 1000 نسمة، هاجروا في البداية إلى دول الخليج وبخاصة الكويت ثم انتقل غالبيتهم إلى الأردن.
يقول الكاتب والباحث خالد ابو علي في مقالة بعنوان: "حكاية قرية منسية في أعالي الجبال اسمها عمورية": إلى جانب أهمية موقعها الاستراتيجي، تضم القرية اثارا تاريخية تعود إلى العصر البيزنطي وهي عبارة عن قبور منحوتة بشكل هندسي جميل، كما توجد في القرية شجرة توت ضخمة يعود عمرها الى مئات السنين بحسب أهالي عمورية وتتوسط ساحة المسجد الوحيد في القرية حيث اعتاد الرجال من عائلات " حكواتي وربيع ونصار وعبد الله وغنيم " الى عقد مجالسهم واجتماعاتهم واستقبال ضيوفهم تحتها.
موشي دايان يسرق آثار عمورية
وبحسب محمد جرادات من وزارة السياحة والآثار، فإن جبل طاروجة شمال شرق عمورية 2كم، ارتفاعه 800م، يشكل أعلى نقطة وإطلاله، ويقع فيها مقام الشيخ زايد وقبره، كما يوجد في عمورة آثار تعود للعصر الحديدي الثاني الالف العاشرة قبل الميلاد والفترة الهلنستية واليونانية والصليبية والايوبية والرومانية والمملوكية، والعثماني المبكر 1850.
ويبين جرادات، أن سلطات الاحتلال وبالأخص ما كان يسمى في ذلك الوقت ب "مجموعات موشي دايان"، وعلى راسها منقب الآثار الإسرائيلي "يافين"، قامت في العام 1970 بعملية تنقيب ونبش في المقابر في القرية و1970 اجريت في المقابر اعمال تنقيب من قبل سلطات الاحتلال وهي اعمال تنقيب غير قانونية، بهدف استخراج لقى اثرية وكنوز ومواد فخارية وعملات.
وبحسب أهالي القرية، فإنهم شاهدوا موشي دايان، يخرج من طائرة عسكرية، ويستخرج تابوتين من تلك المغارة التي يطلق عليها "مغارة الذهب" و"مغارة الملوك"، والتي تحوي قبورا تعود للفترة الرومانية والمملوكية، ويعتقد أن تلك التوابيت موجودة اليوم في متحف روكفلر في القدس.
الزائر اليوم إلى تلك المقابر والآثار يجد مخلفات الطعام والزجاجات الفراغة وحتى روث الحيوانات، وبالكاد يستطيع الاقتراب لالتقاط صورة أو التأمل في المكان، وهو بأمس الحاجة من قبل الجهات المختصة للحماية.
قبل عشرات السنوات كانت تُعرف عمورية بأنها قرية زراعية بالدرجة الأولى، ويعتمد عدد كبير من أهلها على الزراعة، وخاصة الزيتون، كما كانت تعتاش العديد من الأسر على قطاف الميرمية والزعتر البري. ومع مرور الوقت، وتطور الحياة بشكل عام، بدأت عمورية تفقد تلك الميزة، واتجه الكثيرون فيها إلى الصناعات المختلفة والتجارة، كما قلت فيها زراعة القمح والشعير والبقوليات..
يعمل جزء من أهالي القرية في وظائف حكومية وفي القطاع الخاص، وآخرون في قطاع البناء ومهن متعددة.
الطلبة يسيرون يوميا 14 كيلو متر
تعاني عمورية من عدم وجود مدرسة ثانوية، فالمدرسة الوحيدة والمختلطة في القرية (1985) تبدأ من الصف الأول وحتى الصف التاسع، مما يضطر طلبتها بعد ذلك إلى الانتقال لمدارس اللبن الشرقية، وهو ما يعني السير لمسافة 7كيلوميتر على الأقل ذهابا، ومثلها في الإياب، لمن لا يملكون وسيلة نقل.
رغم أن "عمورية" تتوسط ثلاث محافظات، نابلس من الشمال ورام الله من الجنوب وسلفيت من الغرب.. إلا أنها تشتكي من عدم وجود خط مواصلات (بيرمت) يربطها بتلك المحافظات، كما أنها ترتبط مع اللبن الشرقية في المجلس القروي منذ العام 2010.
وتعاني القرية من إهمال وضعف البنية التحتية، رغم أنها في الأشهر الأخيرة قامت بتعبيد بعض الشوارع الفرعية الصغيرة جدا، ويصلها شارع معبد ومريح من اللبن الشرقية وهو بطول 5 كيلو متر، وشارع معبد من سلفيت بطول 7كيلو ميتر، وشارع ترابي بطول 5كيلو ميتر من قرية خربة قيس في الغرب.