المهزلة الأميركية
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
لن يكون بوسع الادارة الأميركية في الموضوع الفلسطيني، ان تجعل من "وارسو" العاصمة البولندية، كمثل العاصمة النرويجية "أوسلو" - بغض النظر عن أي تقييم لما أنتجت أوسلو - لأن الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية، لن يكون هناك.
لن يكون بوسع هذه الادارة ذلك، وهي تريد من اجتماع "وارسو" الذي تريده مع من تقول إنهم حلفاؤها وأصدقاؤها (..!!!) إقامة أحلاف جديدة، من أجل حروب وهمية، وإنتاج تسوية للقضية الفلسطينية، باعتماد صفقة ترامب الصهيونية أساسا لهذه التسوية، التي هي ليست إلا مخطط "هولوكوست" لهذه القضية الأعدل في هذا العصر.
لا أحد سيكون هناك في "وارسو" له الصفة أو الحق كي يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، ونثق ان الأشقاء الذين سيشاركون في هذا الاجتماع لن يفعلوا ذلك، وهم أدرى بصلابة موقف الشرعية الفلسطينية في كل ما يتعلق بالقرار الوطني المستقل، كما أنهم أدرى أن الحلّ العادل للقضية الفلسطينية سيظل أبدًا هو الحل الذي يفضي إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، وبالحل العادل لقضية اللاجئين، وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية. غير ذلك فإن الحل الناقص لن يحقق أي استقرار ولا أي أمن في المنطقة العربية، ولن يجلب لها السلام والازدهار، وهذا يعني ان الدفاع عن الحل العادل في أي محفل كان، هو دفاع عن مصالح الأمن القومي العربي، ودفاع عن مستقبل هذه الأمة، لا دفاع عن فلسطين وقضيتها العادلة فحسب.
ولعلها ليست مصادفة أن تكون "وارسو" مكانا لاجتماع الصفقة الفاسدة للإدارة الأميركية، هذا هو المكر العادل للتاريخ، كي يذكر البشرية بأن محارق الإبادة العنصرية التي ارتكبتها ألمانيا النازية في بولندا يمكن ان تتكرر اليوم بفعل هذه السياسة الأميركية، التي تريد ان تجعل من "وارسو" كما جعلتها النازية، مكانا لمحرقة إبادة ضد شعب بسيط ومظلوم ومعذب، ضد شعبنا الفلسطيني، والتي تريد إدارة ترامب تأجيج نيرانها بحطب صفقتها الصهيونية، من اجل ان تأكل هذه المحرقة حقوق شعبنا كلها وتحيلها الى رماد مع كامل تطلعاته العادلة والمشروعة ..!!! لكن "وارسو" اليوم ليست "وارسو" الأمس، بغض النظر عمّن يقودها اليوم، ونتحدث عن التاريخ الذي" لا يعيد نفسه إلا كمهزلة" هي الآن مهزلة المحاولة الأميركية ..!! وفلسطين الإرادة الحرة، والقرار الوطني المستقل، فلسطين الحق والعدل، بقيادتها الشرعية الشجاعة والحكيمة، وبشعبها الصامد المقاوم الباسل، ليست هي فلسطين النكبة والضياع والتبعية، ولهذا لن تخرج الادارة الأميركية من اجتماع وارسو بغير الخيبة والفشل، بل لن تعود حتى بخفي حنين - وعلى إدارة ترامب أن تقرأ قصة هذا المثل العربي البليغ - لأن فلسطين لن تكون في "وارسو".