مسيرة صحفي/ة.. مع سعيد أبو معلا
يامن نوباني
"كانت فكرة أن أدرس الإعلام فكرة ملهمة لي وحدي، أبي رفض الأمر قطعيا ولكنني سجلت ما أحب، غضب فترتها كثيرا لكونه لم ير أي مستقبل لي، ومن ثم استسلم للأمر." هذا ما قاله محاضر الاعلام في الجامعة العربية الأميركية، ومدير إذاعة "الجامعة" فيها، سعيد أبو معلا في حديث خاص لـ"وفا" عن بداية مشواره الصحفي، والمراحل التي خاضها.
لأبو معلا (40 عاما)، المولود في قرية مسلية جنوب شرق جنين، مجموعة كبيرة من الأبحاث الإعلامية المنشورة، و4 كتب منشورة أبرزها كتاب عن سينما المرأة في فلسطين، وكتاب عن سيرة الموت عند الشباب الفلسطيني، ونال جائزة مؤسسة عبد المحسن القطان عام 2004 في حقل القصة القصيرة عن مجموعة قصصية "ههههه.. عبور". وكتاب صادر عن مركز تطوير الإعلام حول الإعلام العمومي في فلسطين بالاشتراك مع عمر نزال.
كيف بدأت حياتك الصحفية، وما هي المراحل التي مرت بها، حتى اليوم؟
لا أعلم تحديدا أين كانت بداياتي في الإعلام، لكني أتذكر جريدة "بايتة" أي بعد يوم من صدورها كان يجلبها أبي من مكان عمله عندما كنت في السادسة من عمري. ومجلات دينية تحمل اسم "هدى الإسلام" وكان يشدني فيها صور المساجد، وبعض الزخرفات.
وأتذكر إذاعة القدس التي كانت ترفع شعارا "صوت الحق والإنسان" التي كانت تبث من دمشق بحسب معلوماتي في تلك الفترة (الانتفاضة الأولى)، كنت أكتب الأخبار التي اسمعها، وأسجل الأحداث بطريقة غير منظمة، وأكتب الأغاني الوطنية كي أحفظها، دوما كان عندي مشكلة في الحفظ.
كل ذلك لم يكن الأساس في تحول موقفي نحو الإعلام، أعتقد ان حلمي الأول والأخير كان أن أصبح جنديا، كنت أقولها في الصف الابتدائي وكان الطلبة يضحكون مني، وعندما كبرت حفظت كلمة جندي بالانجليزية وأصبحت أقولها بالانجليزية متفاخرا وبقى الطلبة يضحكون مني، ربما لكوني ضعيف البنية.. لكنه كان حلمي الحقيقي، كنت أرى أن السلاح طريق التغيير الحقيقي ومن دون ذلك لا أمل في شيء.
التحول ربما حدث بعد أن كبرت قليلا وأصبحت أذهب لمزرعة والدي في قرية مجاورة "الزبابدة"، هناك كان علي ممارسة أعمال الفلاحة الصعبة علي أنا، ومن ضمن المهام الأولى التي أوكلت إلي فرد الجرائد القديمة داخل "بكسات/ صناديق" الكوسا كي لا تتجرح الحبات الخضراء الحساسة، الجرائد القديمة كانت نافذة مهمة لي على العالم، كل موضوع يعجبني كنت أقوم "بنزع" الصفحة التي يقع فيها وأضعها في جيب بنطالي الخلفي، يوميا كنت أعود للبيت بأكثر من صفحة ولا سيما وأن الأعداد القديمة متنوعة وليست من تاريخ واحد فقط، وفي المساء أبدأ بالقراءة والتصفح.
أعتقد أنني مدين لصناديق الكوسا والجرائد القديمة في جزء من انفتاحي على عالم الصحافة.. حتى أنه أصبح عندي أرشيفا صغيرا.
جانب أخر يمكن أن أتذكره ويتمثل في أن الإذاعة كان مهربي في قريتي الصغيرة والفقيرة في ظل أحداث الانتفاضة الأولى حيث كانت الخيارات معدومة، كانت فعلا نافذتي للخروج وبناء صداقات، وأذكر أنني راسلت برامج "نوادي المراسلة والأصدقاء" على أثير مجموعة من الإذاعات العربية، وذُكر اسمي مرارا على أنني شاب يهوى المراسلة والكتابة وتسلق الجبال. (لا أدري لم تسلق الجبال، ربما لانعدام أي خيارات غيرها في قرية جبلية).
نجحت في الثانوية العامة بمعدل جيد جدا، وكانت فكرة أن أدرس الإعلام فكرة ملهمة لي وحدي، أبي رفض الأمر قطعيا ولكنني سجلت ما أحب، غضب فترتها كثيرا لكونه لم ير أي مستقبل لي، ومن ثم استسلم للأمر.
درست الإعلام عن حب، لم تكن الدراسة صعبة إطلاقا، التحول الأبرز كان خلال امتحان قبول دخول تخصص الإعلام (عندما كان هناك امتحان، لقد ألغي من جل الجامعات) عندما سألني الدكتور عاطف سلامة: أي صحفي تريد أن أكون؟ وأخبرني أن للصحافة مجالات أخرى مثل السينما والفنون والثقافة، وفعلا حاولت طوال فترة الدراسة أن أكرس اهتماما ثقافيا في كل الواجبات التي تتطلبها المساقات، وهو أمر أفادني كثيرا وصقل شخصيتي وتحديدا عندما ذهبت لدراسة الماجستير في القاهرة، حيث الخيارات المتناهية في المجال الثقافي.
ما هي المواضيع التي تحب الكتابة بها؟ ولماذا؟
أحب الكتابة في النقد السينمائي وفي النقد التلفزيوني، حيث أكتب في الحياة اللندنية في النقد التلفزيوني منذ أكثر من 3 أعوام، وهو حقل مهم ويستحق التفاتة مميزة. في مجال السينما أقوم سنويا بالذهاب إلى مهرجان دبي السينمائي الدولي، وأكتب عن الأفلام التي أحبها ولا أحبها، وفيها أجد متعتي الحقيقية.
في مسألة الكتابة حدث تحول عندي، كنت أريد أن أكون صحفيا محترفا في كتابة الأخبار، لكن خلال الانتفاضة الثانية وجدت أن الخبر "لا يشفي غليلي" في التعبير عن الأحداث ونقل الوقائع ولا سيما توحش الرد الإسرائيلي على الهبة الجماهيرية، فكتبت القصة الصحفية، ومن ثم ذهبت لكتابة التحقيقات الصحفية ومن ثم لكتابة القصة القصيرة التي كانت بداياتها في الجامعة.
التحول الأبرز بعد أن عملت معيدا في جامعة النجاح (لكوني الأول على الدفعة) استحسنت التدريس والتأثير في عقول الطلبة، فقررت دراسة الماجستير، واليوم أنا على أعتاب دراسة الدكتوراه في الجمهورية التونسية، تدريس الصحافة أمر ممتع وفيه تحد حقيقي أواجهه اليوم ولا سيما وأنني أدير إذاعة جامعية.
موضوع –أو أكثر- فشلت أو أبدعت في كتابته، أو تتمنى كتابته؟
فشلت في الاستمرار في العمل في مجال التحقيقات الصحفية، أنجزت تحقيقا مع مؤسسة أريج، عملت منتجا لمجموعة من التحقيقات المتلفزة لصالح مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت، أنجزت تحقيقات متلفزة لصالح قناة الجزيرة حول اغتيال أبو جهاد، وأبو علي حسن سلامة، واغتيال وصفي التل، أتمنى فعليا أن أستمر وأكتب تحقيقا واحدا كل سنة على الأقل، أجد متنفسا إزاء هذه الرغبة والشغف مع طلابي في مساق الصحافة الاستقصائية حيث أعمل معهم على موضوعات صحفية مستحقة، وفعلا يقدمون سنويا أعمالا مهمة تؤثث طريقهم وتعيد الاعتبار لقدراتهم.
ماذا قدمت لك الصحافة؟ وماذا قدمت لها؟
سؤال محير، قدمت للصحافة ما كتبته، وما أكتبه الآن حتى على صفحتي على شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أعتقد أنني أمتلك فهما مختلفا عن مجموعة كبيرة من زملائي الصحفيين لدور الصحفي ولدور المهنة في الحياة، ألحظ طلابي في المؤتمرات والندوات يهتمون لما أقول عن مهنة الصحافة ليس من باب التنظير بل من باب أن أعيد للمهنة اعتبارها.
بصراحة فهم دور مهنة الصحافة مشوه جدا في سياق التجربة الفلسطينية، لدينا فهمان وربما أكثر، المفاهيم حول هذه المهنة "مضروبة" وغير محسومة، ربما هناك علاقة بين التجربة السياسية الفلسطينية وعدم تعريفها بوضوح (دولة/ حركة تحرر وطني) وبين عدم تعريف معنى الصحافة حتى اللحظة ولمن عليها أن تتبع. أنا أقول لا يجب أن تتبع أحدا.
أما ما قدمته الصحافة لي فهو سعيد أبو معلا، أنا شخصيا نتاج مهنتي التي أحبها وأراهن عليها رغم كم الاحباطات، الصحافة قدمت لي فهما مركبا لكل شيء، تعدد الأصوات، تنوع القوالب، تحولات المهنة، فهمي لعلاقة المجتمع مع الصحفي ودوره في تغير هذا المجتمع. وهذا كفيل أن أستمر في النظر لها على أنها صاحبة فضل علي مدى الحياة.
قدمت لي المهنة أيضا المتعة، أحب ما أقوم به لكونه مرتبط بمجالات متنوعة وكلها تقع ضمن الصحافة، (كتابة ونقد وتلفزه وأبحاث وتدريس. الخ، وتنوع البشر الذين نعمل معهم ونكتب عنهم.. هذا نادر في مهن أخرى.. نحسد عليه في الحقيقة.
هل تنصح أحداً بامتهان الصحافة؟ اذا نعم أو لا فلماذا؟
تحولات مهنة الصحافة كثيرة وصادمة وربما خطيرة، لكني أنصح أن يمتهنها كل من يحبها، عندها لن نلعن مؤسسات الصحافة ولا أقسام الإعلام على ارتفاع نسبة بطالة خريجي أقسام الإعلام، من يحب هذه المهنة ويؤمن بها يمكن أن تعطيه كل شيء مثل: (قدرة على التأثير/ محبة الناس/ النجومية..الخ) مشكلتي أن أكثر من 50% ممن يدرسون الصحافة لا يحبونها ولا يعون ماذا يعني أن تصبح صحفيا؟ ولا يعنيهم كيف يصبحون صحفيين، حيث نبدو كمدرسين مثل من ينحت في الصخر.. ومع ذلك هو نحت محبب لي.
_