الشيكات المعادة ظاهرة مقلقة لكنها في تناقص
جعفر صدقة
في أحدث احصاءاتها، تشير بيانات سلطة النقد إلى أن قيمة الشيكات المرتجعة، بما فيها المعادة لعدم كفاية الرصيد، شهدت تراجعا في العام 2018 عنها في العام 2017، من 1.154 مليون دولار الى 1.125 مليون دولار.
ومن إجمالي الشيكات المرتجعة، فإن 85% منها، بواقع شيكات معادة لعدم كفاية الرصيد، فيما تعاد النسبة الباقية (15%) لأسباب أخرى، كعدم مطابقة التوقيع، أو الخطأ والشطب في تعبئة ورقة الشيك، وغيرها من الأسباب الفنية.
في العام 2018 قدمت للتقاص شيكات بقية 12.7 مليار دولار، فيما بلغت قيمة الشيكات المرتجعة بقيمة 1.125 مليون دولار، منها 966 مليون دولار أعيدت لعدم كفاية الرصيد، بينما في العام 2017 قدمت شيكات للتقاص بقيمة 15 مليار دولار، أعيد منها شيكات بقيمة 1.154 مليار دولار، منها شيكات أعيدت لعدم كفاية الرصيد بقيمة 974 مليون دولار.
وقال مدير دائرة انضباط السوق في سلطة النقد علي فرعون "إن ظاهرة الشيكات المعادة في تناقص، لكنها ما زالت مقلقة، وتستدعي اجراءات للحد منها".
في العام 2010، بدأت سلطة النقد تطبيق نظام الكتروني لتقاص الشيكات، يشمل سلما متصاعدا للإجراءات بحق الحسابات التي تعود شيكات مسحوبة عليها لعدم كفاية الرصيد، الكترونيا وبدون تدخل من البنوك، ومنذ ذلك التاريخ وقيمة الشيكات المعادة في تصاعد، مع استثناءات في بعض السنوات، وكانت أقلها في العام 2014 (390 مليون دولار، وبلغت الذروة في العام 2017 (974 مليون دولار)، لكن هذه الأرقام لا تعكس حجم هذه الظاهرة والقيمة الفعلية للشيكات المعادة بحسب فرعون.
وقال: "قبل تطبيق نظام التقاص الالكتروني، كان الإفصاح عنها رهنا برغبة البنوك، والأرقام المجمعة لدى سلطة النقد كانت تستند الى إفصاحات البنوك، في النظام الجديد، فإن الشيك المعاد يسجل تلقائيا وبطريقة الكترونية، دون أي تدخل من البنوك، لهذا باتت الارقام تعكس حجم الظاهرة وقيمتها الفعلية بشكل دقيق، وهذا يفسر ارتفاع قيمة الشيكات المرتجعة لأي من الاسباب، بما في ذلك عدم كفاية الرصيد.
قطاعيا، فإن المنشآت الصغيرة هي المصدر الأكبر للشيكات المعادة، بنسبة 40% وبواقع حوالي 400 مليون دولار من إجمالي القيمة، ترتفع النسبة الى حوالي 60% بإضافة الشركات الكبيرة والمتوسطة، فيما تشكل الشيكات المعادة من الأفراد، وفي معظمهم من موظفي القطاع العام، بنسبة 23% من قيمة الشيكات المعادة، بواقع 319 مليون دولار.
"الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة أهم اسباب ظاهرة الشيكات المعادة، حيث تعتمد معظم القطاعات الاقتصادية على الشيكات في تسيير أعمالها، وكذلك موظفي القطاعين العام والخاص لتلبية احتياجاتهم المعيشية، وحالة الإفراط في الاستدانة لهؤلاء الموظفين، ما يدفعهم للاعتماد بشكل كبير على الشيكات لتغطية نفقاتهم"، قال فرعون.
وأضاف: "للحد من ارتفاع نسبة الشيكات المعادة من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة بادرنا الى منحها نظام الاستعلام الائتماني عن الافراد مجانا. هدفنا هو حماية الشركات والمواطنين معا، ما أدى في المحصلة الى تراجع في قيمة الشيكات المعادة، نتوقع ان يستمر هذا التراجع خلال السنوات المقبلة".
في السنوات الأخيرة شهدت القدرة الشرائية للمواطنين تآكلا كبيرا، مع الارتفاع التراكمي في جدول غلاء المعيشة، والفجوة بين معدل الدخل من جهة ومتوسط الانفاق من جهة اخرى، وهي حالة دفعت الكثير من الاسر للبحث عن آليات لسد احتياجاتها، وبضمنها الشيكات، ليتحول الشيك الى أداة ائتمان وليس مجرد أداة للدفع كما هو متعارف عليه، ومحدد بالقانون وبتعليمات وانظمة سلطة النقد.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، فإن متوسط استهلاك الاسرة الفلسطينية بلغ 935 دينارا اردنيا (حوالي 1315 دولار) في العام 2017، 31% منه ينفق على الطعام بواقع 400 دولار، و18.5% على المواصلات بواقع 245 دولار، في حين لا تتجاوز حصتا التعليم والصحة من متوسط انفاق الأسرة 4% و3.5% على التوالي، بواقع 53 دولارا و46 دولارا على التوالي، وهي ارقام تظهر اتساع دائرة الفقر وعمق الهشاشة بين الأسر الفلسطينية، ما شكل أحد الاسباب المهمة لظاهرة الشيكات المعادة.
في السنوات الاخيرة، برزت ظاهرة، وإن كانت محدودة، تمثلت بتجار الشيكات من المرابين، حيث يشتري المرابي دفاتر شيكات من أصحابها ويبدأ بتداولها دون ان يكون لها رصيد، "وهي ظاهرة مكافحتها ليست من صلاحية سلطة النقد، وانما من صلاحيات النيابة العامة"، قال فرعون.
وأضاف: هذه قضايا حقوقية من عمل القضاء ولا صلاحيات لنا فيها، بادرنا الى ابلاغ النائب العام عن أسماء مرابين لاتخاذ المقتضى القانوني بحقهم، لكن ملاحقتهم ليس من صلاحياتنا".
من الاجراءات التي اتخذتها سلطة النقد للحد من ظاهرة الشيكات المعادة، التشدد في التعامل مع طلبات تسوية تصنيف العملاء على نظام الشيكات، ووضع تصنيفات لمدد طويلة، ووقف العمل بإقرارات العملاء الخطية لأغراض إجراء تسوية رضائية واستبدالها بتصريح مشفوع بالقسم صادر عن الجهات القانونية المتخصصة، واطلاق نظام الاستعلام الائتماني الموحد للشركات.
وان كانت هذه الاجراءات أدّت الى انخفاض في قيمة الشيكات المرتجعة، الا ان تقليلها بشكل حاسم بحاجة الى المزيد من الاجراءات.
وقال فرعون "هناك مجموعة من الاجراءات ما زالت قيد الدراسة، كتعزيز الاجراءات القانونية، وتعزيز أدوات التصنيف على نظام الشيكات، وتحديد سقوف للشيكات الشخصية، نرى انها كفيلة بالحد من هذه الظاهرة.
واستدرك قائلا: أي قرار أو اجراء يجب ان يكون في اطار منظومة كاملة للأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد. نحن كجهة فنية قدمنا جملة من المقترحات، لكن مجلس الادارة، صاحب القرار، آثر تأجيل بعضها نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المجتمع الفلسطيني، فالمجلس يرى ويناقش الأمور من منظور شمولي".
مع ضيق الحال، فإن سلطة النقد تواجه انتقادات بين الحين والآخر بزعم سكوتها عن مغالاة البنوك، سواء لجهة الفوائد او لجهة اقتطاع أقساط القروض دون مراعاة للمتغيرات في ظروفهم المعيشية، والإرباك الناتج عن تأخر وزارة المالية في دفع مستحقات القطاع الخاص، وهي انتقادات رفضها فرعون.
وقال "انظمتنا هي أدوات للحد من المخاطر في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي، وفي حال حدوث تغيرات قاهرة فان البنوك تستجيب لتعليمات سلطة النقد بمراعاتها، فعلى سبيل المثال، بادرت البنوك الى اعادة جدولة قروض الموظفين الذين أُحيلوا على التقاعد، ليتناسب القسط مع التراجع في دخولهم، كما اعطينا البنوك صلاحية منح قروض شخصية تتجاوز مدتها الحد الأقصى الذي حددته سلطة النقد وهو سبع سنوات، ليتناسب مع الدخل الشهري".