"الآيس كريم" المُرّ
زكريا المدهون
قد يعتقد الناظر إليها للوهلة الأولى أنها قطعة لذيذة من "البوظة"... لكن عند الاقتراب منها رويداً رويداً يتفاجأ بأنها مجسمات لسبعة شهداء من الأطفال قضوا بمجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة خلال عدوانها صيف 2014.
استغلت الفنانة التشكيلة الشابة دعاء قشطة من مدينة رفح موهبتها في "فن النحت الحديث"، بتحويل منحوتات شمعية إلى تحف فنية أعادت الى الأذهان مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال في مدينتها قبل خمس سنوات.
الفنانة العشرينية أظهرت موهبتها في معرض أقامته بمدينة غزة حمل اسم "آيس كريم العودة"، بسبب وضع جثامين الشهداء في ثلاجات "الأيس كريم" لكثرة عدد الضحايا وغالبيتهم من الأطفال والنساء.
وارتكبت قوات الاحتلال خلال عدوانها الأخير على قطاع غزة مجزرة بشعة في رفح، راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى، إضافة الى قصف "مستشفى أبو يوسف النجار" الوحيد في المدينة.
قشطة تقول لـ"وفا":" بقيت هذه الصورة حاضرة في ذهني لخمسة أعوام متتالية، وحولتها الى منحوتات شمعية، تحمل صور الأطفال الشهداء، مجسدة أحلامهم التي لم تتعدّ سوى قطع حلوى من الآيس كريم ذات الألوان الزاهية، فصنعت المجسمات الشمعية، وعرضتها داخل صناديق زجاجية جسدت ثلاجات الموتى."
وأوضحت أنها بدأت بممارسة الفن التشكيلي منذ 2015، حيث خاضت خلال السنوات الأربع الماضية رحلتها الفنية مع الفن التأثيري والواقعي الكلاسيكي والمفاهيمي، ليكون "معرض آيس كريم العودة"، هو بوابتها للإبداع في فن النحت المعاصر بشكله الحديث.
وأضافت وهي تمسك بقطعة فنية، "كل الأشكال منحوتة من الشمع أسفلها قطعة بسكويت وأعلاها قطعة ثلجية تجسد صور الأطفال الشهداء موشحين بالأكفان."
شاهدت قشطة (28 عاماً) بأم عينيها المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال خلال عدوان استمر واحد وخمسين يوماً، ما دفعها وحفزها على تجسيد تلك المأساة بكل تفاصيلها.
أرادت دعاء كما تقول إحياء تلك الذكرى المأساوية بطريقة فنية جديدة ومبتكرة، فاستخدمت فن النحت المعاصر، لتجسيد الواقع بمشهد سيريالي صادم، وإرسال رسالة فنية بامتياز إلى العالم الخارجي، تترجم جرائم الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة، وتؤكد أن مأساة أهالي القطاع وأطفالهم لم تنته بعد."
تعمّدت الفنانة الشابة استخدام الألوان الزاهية في صناعة المجسمات الشمعية، لدلالتها على الطفولة البريئة وأحلامها الوردية، منوهة إلى أنها استخدمت عامل مشترك بين الجريمة التي جسدتها، والمجسمات التي صنعتها، والذي ظهر من الصناديق الزجاجية التي أشارت إلى ثلاجات "الأسكيمو" التي قضى فيها أطفال نحبهم.
وهدفت من إقامة المعرض ايصال رسالة مفادها بأن المكان الطبيعي لهؤلاء الأطفال، هو بين ذويهم ووسط عائلاتهم، وليس في ثلاجة باردة مُخصصةٍ لحفظ "الآيس كريم".
وتابعت قشطة، "قطع المثلجات المعروضة ذات شكل جذاب ولكنها ليست لذيذة، بل تعيد ذاكرة كل من يراها لأحداث أليمة."
وختمت أن سبب استخدامها مادة الشمع في تشكيل مجسمات الأطفال السبعة، لوجود وجه شبه بين تلك المادة وصفات الأطفال، كمخرج نهائي للمنحوتات كونه يتشابه مع الأطفال في الرّقة والضعف والهشاشة.