في ذكرى المجزرة.. الجرح ما زال ينزف
- أمل حرب وجويد التميمي
بعد مرور 25 عاما على مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف، لا ينفك الاحتلال الإسرائيلي عن مواصلة عدوانه وبوحشية بحق الحرم والبلدة القديمة بمدينة الخليل، في مساع حثيثة لتغيير طابعها لصالح مشاريعه الـتآمرية، وفرض واقع جديد لتهويدها، غير آبه بأي قرارات دولية، بل ينتهكها باستمرار، خاصة بعد قرار بنيامين نتنياهو بعدم تجديد ولاية التواجد الدولي المؤقت في الخليل "TIPH".
المجزرة التي وقعت عام 1994 في الخامس عشر من رمضان أثناء صلاة الجمعة على يد المتطرف "باروخ غولد شتاين"- والتي استشهد فيها داخل الحرم 29 مصليا، الى جانب 31 شهيدا سقطوا خارجه، وأصيب أكثر من 200 مواطن بجروح مختلفة- كانت مبررا للاحتلال لتقسيم الحرم بقوة السلاح إلى قسمين، إذ بات الوصول إليه عبر الحواجز العسكرية والبوابات الالكترونية في غاية الصعوبة، عدا عن المساعي المستمرة لتغيير معالم البلدة القديمة، بإغلاق أغلب شوارعها، وأسواقها، وتضييق الخناق على المواطنين، لصالح المشاريع التهويدة.
منسق لجنة الدفاع عن الخليل هشام الشرباتي قال لـ"وفا"، بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي منع التجوال على المدينة 40 يوما، وأقام جدارا في منطقة السهلة عند سوق الخضار المركزي، وقسم الشارع إلى جزئيين يمينُه للمستوطنين، ويساره للفلسطينيين، ومنع أصحاب المحلات التجارية من فتحها.
كما ترتب على إغلاق شارع الشهداء إغلاق مرافق حيوية لسكان محافظة الخليل قاطبة، مثل: محطة الباصات المركزية، وكذلك سوق الخضار المركزي في المحافظة، ومواقف المركبات العمومية.
وأشار الشرباتي إلى إغلاق العديد من شوارع البلدة القديمة منذ مجزرة الحرم، مثل: شارع وادي النصارى، والسهلة، وشارع الحرم الإبراهيمي، و"الكرنتينا"، وسوق الذهب، والبالة، وحارة السلايمة، وجابر، ومدخل حارة أبو سنينية، وكذلك مدخل القناطر.
كما أغلقت سلطات الاحتلال العديد من المداخل والطرقات بشكل محكم، ونصب الحواجز في أماكن أخرى، جزء منها يحمل تقنيات تفتيش دقيقة، مثل: حاجز أبو الريش، حيث يوجد عليه بوابة دوارة تسمح لشخص واحد بعبور الحاجز، يليها بالداخل غرفة جاهزة مقسومة إلى جزئيين بواسطة ألواح زجاجية، جزء للجيش يراقب فيه المارة من الجزء الآخر، الذي يتطلب عبورهم من خلال جهاز الكتروني لكشف المعادن، بما يترتب على ذلك من إهدار للوقت والتضييق على المواطنين وإذلالهم وإعاقة حركتهم.
من جانبه، أشار الباحث الميداني في لجنة اعمار الخليل حسن السلامين لمراسلنا، إلى أن الاحتلال ما زال يحاول تغيير أسماء الشوارع بأسماء عبرية، في محاولة لفرض الطابع اليهودي، والسيطرة عليها تماما، من تلك الشوارع شارع الشهداء، الذي يحاول تسويقه سياحيا واعلاميا، وفرضه على الخرائط باسم "شارع الملك داوود"، وشارع عثمان بن عفان، الذي يبدأ من مستوطنة "كريات اربع" حتى ديوان ال الرجبي القديم، ويطلق عليه شارع "سيت سيرون" أي محمور صهيون، كما يطلقون على سوق الحسبة اسم "عيمك" أي المنطقة المنخفضة.
وأضاف السلامين: كما شق الاحتلال شارعا للمستوطنين هدم خلاله عدة مبانٍ تاريخية تراثية في حارة السلايمة، وحارة دعنا، وحارة جابر، اطلق عليه اسم "طريق المصلين" وهو شارع خصص للمستوطنين فقط لتمكينهم من الوصول الى الحرم الابراهيمي.
واشار الى ان قوات الاحتلال شددت من إجراءاتها العسكرية على البلدة القديمة، من خلال الحواجز العسكرية متعددة الاشكال والانماط خاصة المؤدية الى الحرم الابراهيمي، بالإضافة إلى اعتداءات المستوطنين اليومية بحق هذا الصرح الديني والتاريخي الهام، وبحق المواطنين، والمصلين، والزائرين القادمين إليه، من خلال منع رفع الأذان، فقد شهد الشهر الماضي حوالي 47 مرة، بالإضافة الى اعتداءات أخرى بحق الحرم الإبراهيمي الشريف وساحاته.
وأضاف: يتعرض المصلون والزائرون من السيدات والرجال والشيوخ للتفتيش المهين، والإعتقال وعرقلة مرورهم، والاعتداء على حدائق الحرم الإبراهيمي بقطع الأشجار، ونصب الخيام، لأجل إقامة الاحتفالات المختلفة، واقتحامات متكررة يقوم بها مستوطنون وشخصيات سياسية يهودية للحرم الإبراهيمي الشريف ، وإقامة الاحتفالات الصاخبة داخل الحرم الإبراهيمي، وفي المتنزه، وفي ساحاته، وحدائقه، واغلاق الحرم المتكرر في وجه المصلين المسلمين، واستباحته بالكامل من قبل المستوطنين، خاصة فيما يسمى الأعياد اليهودية، وتثبيت حجارة منقوش عليها كلمات توراتية، وتثبيتها على مداخل بعض الحجرات في اليوسفية .
تاريخ حافل بالهيمنة والغطرسة الاسرائيلية داخل الحرم الابراهيمي، وأرقام ودلالات تكشف عن فداحة المحنة التي مُنيَ بها المسجد على مدار 52 عاما ارتفعت وتيرتها في الأعوام الأخيرة.
ورصدت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ولجنة اعمار الخليل أبرز هذه الاعتداءات الإسرائيلية في عام 2018 وحتى يومنا هذا الذي يصادف الذكرى الـ25 للمجزرة، على النحو التالي:
بتاريخ 17/1/2018، أغلقت مصارف المياه بالأوساخ بفعل الاحتلال ومستوطنيه، ما تسبب بعدم تصريف المياه في القسم المغتصب من الحرم.
وبتاريخ 6/2/2018 طالب الاحتلال مد مياه الى الساحة الجنوبية وترميم احواض الأشجار، وفي 13/2/2018 دخلت سلطات الاحتلال الى منطقتي الجاولية، والاسحاقية، واستبدلت السماعات المركبة بعد المجزرة.
وفي 15/2/2018 وثق فيديو اقامة احتفال عرس للمستوطنين داخل الحرم في منطقة الصحن، كما أقيم بتاريخ 15/2/2018 احتفال آخر وعرس للمستوطنين داخل الحرم في منطقة الصحن.
وفي9/3/2018 نصبت خيام في ساحات الحرم الخارجية من قبل الاحتلال ومستوطنيه، وبتاريخ 12/3/2018 صب الاحتلال باطونا للمعسكر المجاور للحرم الابراهيمي لعمل غرف داخله.
وفي 12/3/2018 وضع مستوطنون بالتعاون مع جنود الاحتلال احبال زينه على سطح الحرم.
وفي 2 و 3/4/2018 اغلق الحرم الإبراهيمي من قبل سلطات الاحتلال بحجة الاعياد اليهودية.
كما وضع الاحتلال ومستوطنوه الاعلام الاسرائيلية على سطح الحرم وجدرانه بتاريخ 15/4/2018.
ونصبوا بتاريخ 18/4/2018 احبال زينه على سطحه وأطلقوا المفرقعات النارية واقاموا حفلات صاخبه، كما اقام المستوطنين احتفال وعرس داخل الحرم في منطقة الصحن رافقته اصوات صاخبة لساعات متأخرة من الليل بتاريخ 8/5/2018.
وفي 21/6/2018 بث مستوطنون شريطا ترويجيا عن ادخال التوراة الى الحرم، وأعلن وزير "الامن الداخلي" في حكومة الاحتلال جلعاد اردان افتتاح مركز شرطة قرب الحرم في البلدة القديمة بالخليل.
وفي 21/6/2018 وضعت ثلاث منصات من قبل الاحتلال ومستوطنيه في الساحات الخارجية لترويج ما يسمى بعيد التوراة.
وفي 25/6/2018 جرى الاعتداء من قبلهم على حديقة الحرم الابراهيمي، وفي 3/7/2018 شرع المستوطنون بعمل حفريات في اليوسفية التحتا ونقلوا الطمم الى خارجها.
كما خلعوا بتاريخ 3/7/2018 شباك الحماية داخل اليوسفية وقصوا الشبك، واغلقوا النافذة بقطع حديدية، وفي 4/7/2018 أغلق المستوطنون شباك الحماية داخل اليوسفية باللحام وازالوا الكراسي الموجودة.
وفي 9/7/2018 نصب المستوطنون خيمة كبيرة في حديقة الحرم الجنوبية، الصقوا بنفس اليوم ما يطلقون عليه اسم "الكلمات العشرة" مصنوعه من الحجارة على ابواب اليوسفية المطلة على الصحن والباب المطل على غرفة العنبر، وفي 12/7/2018 اعتدى الاحتلال ومستوطنوه على حديقة الحرم الابراهيمي.
وبتاريخ 2/8/2018 وضع سلم حديدي على سطح الكور الاول من الجهة الغربية لمنطقة الاسحاقية، وبتاريخ 5/8/2018 وضعت اعلام اسرائيلية على جدران الحرم الابراهيمي وفي الساحات الخارجية، وفي 6/8/2018 بقي الحرم مفتوحا لساعات متأخرة من الليل امام المستوطنين.
وفي 9/8/2018 اغلق الحرم من قبل سلطات الاحتلال بحجة الاعياد اليهودية، وفي 14/8/2018 طرد الاحتلال موظفي لجنة الاعمار اثناء عملهم في حديقة الحرم.
وفي 16/8/2018 حاول المستوطنون الدخول الى منطقة الاسحاقية في الحرم، وبتاريخ 1/9/2018 نصبوا عريشه من الحديد وعرشوها بالبوص في الساحات الخارجية لإقامة طقوس تلمودية، وفي 2/9/2018 صبت سلطات الاحتلال باطونا بجانب الحاجز الاحتلالي "البوابة" المحاذي للتكية الابراهيمية، وفي 2/9/2018 تم الاعتداء على مؤذن الحرم عدلي البكري اثناء خروجه من غرفة الاذان من قبل المستوطنين.
وفي 10/9/2018 اغلق الاحتلال الحرم الإبراهيمي بحجة الاعياد اليهودية، وفي 11/9/2018 يوم راس السنة الهجرية اغلق الاحتلال القسم المغتصب من الحرم بحجة الاعياد اليهودية وابقوا القسم المخصص للمسلمين مفتوحا، وفي 16 و19 و 25 و26/9/2018 اغلق الحرم الإبراهيمي من قبل سلطات الاحتلال بحجة الاعياد اليهودية، وفي 2/10/2018 كسر الاحتلال ومستوطنوه زجاج شبابيك الاسحاقية على سطح الحرم وعددها عشرون لوحا زجاجيا.
وفي 4/10/2018 نزع وخلع الاحتلال ومستوطنوه الجبة الحجرية في الحديقة الخارجية للحرم الابراهيمي، وفي 8/10/2018ركب المستوطنون لمبات انارة لكهرباء الثريات في اليوسفية، وفي 29/10/2018 وضع الاحتلال ومستوطنوه شيكا على ساحة البستان الذي تعود ملكيته لوقف تميم بن أوس الداري، وهي لورثة الشيخ رجب والحاج سعيد بيوض التميمي، وهي مؤجرة منذ عقود لدائرة معارف بلدية الخليل، ويقع بمحاذاة المدرسة الابراهيمية غرب الحرم وأغلقوه بالكامل، ووضعوا كرفانات حديديه كبيرة داخله، كما نصبوا بتاريخ 31/10/2018 خياما حديدية مع شوادر في ساحة البستان المذكور.
وفي 2 و3/11/2018 اغلق الاحتلال الحرم الإبراهيمي بحجة الاعياد اليهودية، وفي 20/11/2018 وضع مستوطنون حجر رخام على باب الحضرة الابراهيمية المباشر على الاسحاقية، وفي 22/11/2018 نشر خبر في (الصحف الاسرائيلية) عن نية الاحتلال تركيب مصعد كهربائي في الحرم.
وبتاريخ 2/12/2018 نصب مستوطنون شمعدانا على سطح الحرم الابراهيمي الشريف، وفي 17/12/2018 اعترضت قوات الاحتلال ومستوطنوها على اجتماع المجلس البلدي في الحرم وهددوا باقتحامه واخراج المجلس بالقوة، وفي 26/12/2018 وثق وجود آثار لأحذية الجنود على سجاد الحرم في منطقة المحراب بمصلى الاسحاقية.
اما الاعتداءات الاسرائيلية على الحرم منذ مطلع العام الجاري، وحتى تاريخ اعداد وكالة "وفا" هذا التقرير فكان أبرزها:
قص الاحتلال ومستوطنوه شجرة زيتون رومي في ساحة الحرم الابراهيمي الشريف بتاريخ 13/1/2019، وفي 26/1/2019 أخروا المؤذن وقت العشاء اكثر من 5 دقائق، وتناول المستوطنون المأكولات في منطقة العنبر وبصقوا على المؤذن.
وبتاريخ 3/2/2019 كشفت اثار خطوات جنود الاحتلال على السجاد في منطقة الاسحاقية، وبتاريخ 3/2/2019 قام جنود الاحتلال بفتح الباب الشرقي للحرم الساعة الثالثة وخمسون دقيقة قبل الفجر لأكثر من ساعة.
وأشار مدير مديرية اوقاف الخليل جمال أبو عرام لــ"وفا" إلى ان قوات الاحتلال تحاول فرض إجراءات جديدة وممارسات غير مسبوقة في الحرم الإبراهيمي الشريف، وعدة أحياء في البلدة القديمة من المدينة، خاصة بعد منعها بعثة التواجد الدولي المؤقت في مدينة الخليل" TIPH" من العمل في الخليل وعدم التمديد لمراقبيها.
وأوضح أن تحركات المستوطنين وجيش الاحتلال في محيط الحرم والبلدة القديمة، تحركات منظمة ومتسارعة.. من دخول للبيوت، ورفع الأعلام الإسرائيلية على أسطحها، واقتحامات للحرم، وهذا يؤكد سعي حكومة الاحتلال الإسرائيلي من خلال تبادلها الأدوار بينها وبين مستوطنيها منذ احتلالها مدينة الخليل، كغيرها من مدن الضفة الغربية في العام 1967، لتهويد الحرم الإبراهيمي بالكامل، متدرجة في إجراءات سيطرتها على الخليل وحرمها الذي قسمته وخصصت عقب المجزرة أماكن خاصة للمسلمين فيه وأخرى لليهود، حيث سيطر الاحتلال على الجزء الأكبر من الحرم وباحاته الداخلية وساحاته الخارجية (حوالي 60% من مساحته)، وخصصه لدخول اليهود دون سواهم.
وأشار أبو عرام، الى ان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" أدرجت بلدة الخليل القديمة، بناء على تصويت جرى في شهر تموز 2017 على لائحة التراث العالمي وبذلك أصبحت البلدة القديمة والحرم الابراهيمي رابع ممتلك ثقافي فلسطيني على لائحة التراث العالمي بعد القدس (البلدة العتيقة وأسوارها)، وبيت لحم (مكان ولادة السيد المسيح: كنيسة المهد ومسار الحجاج)، وبتير (فلسطين أرض العنب والزيتون: المشهد الثقافي لجنوب القدس)، وشدد على ان هذا الحدث التاريخي، يؤكد على هوية الخليل والحرم الابراهيمي الفلسطينية وأنها تنتمي بتراثها وتاريخها الى الشعب الفلسطيني.
من جانبه، استنكر مدير الحرم ورئيس سدنته الشيخ حفظي أبو سنينة، الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ضد الحرم واقتحامه من قبل الاحتلال ومستوطنيه.
وأكد لــ"وفــا" أن اعتداءاتهم واقتحاماتهم للحرم الإبراهيمي برفقة جنود الاحتلال يندرج في إطار محاولاتهم المتواصلة والحثيثة لتهويد الحرم الشريف والبلدة القديمة في الخليل، واعتبر تواجدهم مرفوضا ويمس مشاعر المسلمين قائلا "الحرم الإبراهيمي مسجد إسلامي خالص بكامل مساحاته وجميع أجزائه الداخلية والخارجية ولا علاقة لليهود فيه، وان جميع إجراءاتهم المتخذة بحقه باطلة وغير شرعية".
وحسب لجنة اعمار الخليل، منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفع الأذان من على مآذن الحرم الإبراهيمي الشريف (623) مرة خلال العام 2018، بمعدل (52) وقتاً تقريباً لكل شهر من أشهر السنة.
وأشارت اللجنة، الى أن الحرم الإبراهيمي الشريف الذي يقع في قلب البلدة القديمة من مدينة الخليل من أقدم المساجد في فلسطين، وهو في المرتبة الثانية من حيث القدسية، والأهمية الدينية، والتاريخية بعد المسجد الأقصى المبارك.
ونوهت إلى أن سلطات الاحتلال أقدمت على تقسيمه بشكل تعسفي وغير قانوني في أعقاب المجزرة البشعة التي ارتكبها أحد قادة المستوطنين بحق المصلين الفلسطينيين العزل، والتي أسفرت عن وقوع العشرات ما بين شهيد وجريح، بغية الاستيلاء عليه وتحويله إلى كنيس يهودي.