المرأة في الأغوار.. صمود وبقاء
الحارث الحصني
تقلب أسماء دراغمة، وهي من سكان الفارسية بالأغوار الشمالية، أرغفة الطابون بحركة تشبه إلى حد ما حركات السيرك، تفاديا لحدوث تشوهات بتلك الأرغفة.
يحدث هذا الأمر يوميا عند الرابعة والنصف فجرا، ويكون هذا فاتحة عدة أعمال تحملها دراغمة على عاتقها، جنبا إلى جنب مع زوجها، وباقي أبنائها المتواجدين في خيام لهم في تلك المنطقة.
كانت دراغمة، وهي تشبه كثيرا باقي نساء المنطقة، صباح اليوم، تنتقل من أرضٍ إلى أخرى مزروعة بمحاصيل مروية بعد أن تنهي عملها فيها.
تقول لــمراسل "وفا":" أعمل كل شيء مع زوجي، أعد الخبز، وأساعده في المزرعة، وأعد الطعام.. كل شيء يخطر ببالك".
هذه الأفعال التي تقوم بها المرأة ، تعطي لزوجها صلاح جميل معنى تعدى، بأنها أحداث روتينية في حياة زوجته، يقول : هي واحدة من الأمور التي تبقيني في هذه المنطقة التي يستهدفها الاحتلال والمستوطنون.
ذاته صلاح الذي دأب على العمل في الزراعة المروية منذ عشرين عاما تقريبا، وصف الزوجة في الأسرة كالعمود الذي يحمل سقف الخيمة التي يسكن فيها.
بالنسبة لأبنائه فإنهم يوافقون أباهم الرأي ذاته، وقال احدهم "إن أمهم هي أكثر من يحفزهم بأن يستمروا في البقاء هنا" والمقصود هي الفارسية.
تقول دراغمة، وهي أم لثلاثة أولاد وثلاث بنات، إنها ترى نفسها اليد الأخرى لزوجها، وعائلتها.
ويسكن في الفارسية بشكل كلي 118 فردا، حسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن، والمنشآت الذي أُجري في العام 2017، ويرتفع هذا العدد ويقل من حين لآخر، بترحال العائلات من منطقة لأخرى.
بالنسبة لنمر حروب، من سكان خربة "ابزيق" شمال شرق طوباس، فإنه ينظر لزوجته هبة أحمد بأنها أساس البيت.
يقول: "لو تتبعت الأعمال اليومية في المنزل لوجدت أنها تقوم بالأعمال الأساسية فيه... أنا لا أستطيع أن أكمل بقائي في هذه المنطقة التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة لوحدي".
وأخذ يعطي بعض الأمثلة على ذلك من حلب الماشية، والاعتناء بالأطفال الصغار، وإعداد الجبنة، والطعام.
قبل أن ينتشر حروب بأغنامه صباحا، إلى الجبال المحيطة بمكان سكنه في المنطقة، فإنه وزوجته يستغرقان ساعة ونصف تقريبا وهما يحلبان الماشية.
تقول هبة لــ"وفا": "بعد أن ننهي حلب الماشية، يغيب زوجي عن البيت في الفترة الصباحية لمدة تصل إلى 5 ساعات، وهنا يكون علي حِمل بأن أتمم تصنيع الجبنة"... "تأخذ الجبنة من وقتي تقريبا 3 ساعات(..) إنها مسؤولية كبيرة". تقول الزوجة.
عندما يعود نمر من المراعي فترة الظهيرة، فإن زوجته تكون بانتظاره عند مدخل حظيرة الماشية، تقول الزوجة إنها تساعده على عزل الماشية التي لها خراف، عن دونها، والتي تريد الحلب.
بعد العزل يذهب نمر للصلاة، وفي هذه المدة تكون زوجته قد أعدت له طبقا من الطعام ليتناوله قبل أن يباشرا بحلب الأغنام التي تكون قد عادت من المراعي.
مساء يتكرر الأمر كذلك، لكن دون أن يحلبان الماشية.
عينها هبة ترى أن هذه الأفعال الروتينية تعطي الدعم لبقاء زوجه في منطقة يستهدفها الاحتلال بشكل متكرر.
يقول نمر: "أنا لا أستطيع أن أقوم بهذه الأفعال لوحدي، وهي لا تستطيع، تماما كما اليد الواحدة لا تستطيع أن تصفق".
في ذلك اليوم في عام 2014 الذي هدم الاحتلال فيه لنمر 3 خيام سكنية، مع مرافقها، بحجة انه لا يمتلك ترخيصا، كانت هبة تلملم الأغراض المنزلية التي أخرجها الاحتلال قبل الهدم.
تقول الزوجة: "قمت بكل شيء أستطيع القيام به".
في أحداث مشابهة لهدم الخيام، طرد الاحتلال خلال السنوات الماضية عائلة حروب أكثر من مرة؛ بحجة وجود تدريبات عسكرية في المنطقة.
قالت هبة (29) عاما: "كنت استيقظ من منتصف الليل لأرضع الخراف الصغيرة، وأعد الخبر، والطعام، وأهتم بالأولاد... كنت مسؤولة عن كل شيء.
قال نمر: " نحنا يدان اثنتان.. واحدة لوحدها لا تفعل شيئا في الحياة".