الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة    "استغلال الأطفال"... ظاهرة دخيلة على القيم الوطنية وجريمة يحاسب عليها القانون    "التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان    الاحتلال يشرع بهدم بركسات ومنشآت غرب سلفيت    الاحتلال يعتقل شابا ويحتجز ويحقق مع عشرات آخرين في بيت لحم    10 شهداء في استهداف شقة سكنية وسط غزة والاحتلال يواصل تصعيده على المستشفيات    استشهاد مواطن وإصابة ثلاثة آخرين خلال اقتحام الاحتلال مخيم بلاطة    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد بالأغلبية قرارين لدعم "الأونروا" ووقف إطلاق النار في غزة    الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب  

الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب

الآن

ثلاثة كسور في الظهر

رشا حرز الله

في الثالث من نيسان/ ابريل عام 2002، تجمعت عائلة فريتخ التي تقطن بالبلدة القديمة في مدينة نابلس، داخل منزلها تترقب توالي دخول دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي اجتاحت المدينة، في عملية أطلق عليها المواطنون "نيسان الأسود"، بينما أسماها الاحتلال بـ"السور الواقي".

في هذا الوقت كانت رائدة برفقة عمتيها زها ورشا في غرفة مجاورة، يترقبن ما سيحدث، مر الوقت ثقيلا، وما هي إلا ساعات قليلة حتى باتت شوارع نابلس موبوءة بالدبابات والآليات العسكرية، التي أغلقت مداخل البلدة القديمة كافة.

أنصتت رائدة فريتخ التي كانت حينها في الخامسة والعشرين من العمر، لصوت الدبابات التي راحت تقترب شيئا فشيئا من منزلها الواقع على أطراف حي الياسمينة، ليدوي بعدها بدقائق انفجار كبير ناجم عن قصف عنيف بالقذائف، حيث هوى المنزل على رأس ساكنيه.

بعض من أفراد العائلة استطاعوا الفرار إلى منزل الجيران المجاور، والبعض الآخر أصيبوا بجروح متفاوتة، بينما طمرت رائدة وعمتيها تحت الأنقاض.

مرت تسع ساعات، لم يتوقف خلالها قصف البلدة، ليتسلل بعدها أحد الشبان إلى المنزل لتفقد المصابين ومحاولة إنقاذهم، فسمع صوت أنين خافت راح يتعقب مصدره، كانت رائدة تأن من الألم.

"ما أذكره أنه عندما حاول أحدهم إنقاذي، كان جزء من جسدي فوق الأرض، والآخر تحت الأنقاض، سحبني بسرعة خوفا من قدوم الجنود، وفي ذلك الوقت لم تكن سيارات الإسعاف تستطيع الوصول إلينا، بعدها دخلت في غيبوبة، وعندما صحوت وجدت نفسي في غرفة العناية المشددة بمستشفى رفيديا الحكومي" تقول رائدة.

بصعوبة ومشقة بالغتين استطاع الناس إيصال رائدة للطواقم الطبية، التي بدورها عملت على إخراجها من البلدة المحاصرة، وبعد 15 يوما من الحادثة، عثر على عمتيها زها ورشا شهيدتين.

ستة وعشرون يوما مكثتها رائدة في المستشفى، دون أن تدري ما حل بعائلتها، ونظرا لخطورة وضعها الصحي حيث أصيبت بكسر في عمودها الفقري وإصابة في الحبل الشوكي، استدعى نقلها عبر طائرة مروحية أردنية من مدينة رام الله إلى العاصمة الأردنية عمان، لاستكمال العلاج برفقة عدد آخر من الجرحى.

تقول رائدة إنها مكثت في الأردن تسعة أشهر، أجرت خلالها عدد من العمليات الجراحية، بالإضافة إلى العلاج التأهيلي، وفي أحد الأيام أحضر لها الأطباء كرسيا متحركا، وعندما استعلمت عن السبب أبلغوها أنها لن تكون قادرة على المشي مجددا "قال لي الطبيب لقد أصبت بالشلل".

تصف رائدة تلك اللحظات بكثير من الألم مشيرة إلى أنها أصيب بالصدمة ودخلت في نوبة بكاء جنونية عندما علمت ذلك رافضة استخدامه، وعاشت في وضع نفسي صعب، كونها كانت تعول كثيرا على العملية الجراحية الأخيرة، وما زاد الطين بلة أيضا إخبارها أن عمتيها قد استشهدتا خلال القصف، فهما اللتان ربتاها هي وأشقاءها بعد وفاة والديهم.

قبل الإصابة كانت رائدة تتحضر لتأدية الامتحانات الجامعية، حيث كانت طالبة في سنتها الأولى بجامعة النجاح الوطنية تخصص علم نفس تربوي، وما حدث جعلها تفكر بما سيكون عليه شكل حياتها الجديدة، وكيف ستقوم بالمهام اليومية وهي على كرسي متحرك، "كدت أجن وأنا أفكر بهذا الأمر، لم أكن قادرة على تقبل ذلك".

عادت رائدة من عمان عقب انتهاء علاجها، وفور وصولها إلى منزلها راحت ذاكرتها تستعيد اللحظات الأخيرة التي عاشتها مع عمتيها، فكانت الصدمة والحزن شديدين على ما آل إليه حالها.

حاولت عائلة رائدة مدّها بالدعم المعنوي اللازم لمواصلة حياتها واستكمال علاجها، حيث انتقلت إلى مدينة رام الله وتحديدا على مركز خليل أبو ريا للتأهيل، وبقيت فيه لستة أشهر، حدث خلالها ما لم يكن بالحسبان.

في الخامس عشر من نيسان/ ابريل عام 2003، حاصرت قوة كبيرة من جيش الاحتلال إحدى البنايات السكنية التي كان يتحصن بداخلها شقيقها مازن فريتخ الذي كان أحد قادة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، حيث دار اشتباك بينه وبين جنود الاحتلال أدى إلى استشهاده.

"كان استشهاده صاعقة كبيرة، تجدد معها حزني، فقدان الأهل والعائلة صعب ومؤلم، شعرت بشرخ عظيم بقلبي، شعرت أن عمودي الفقري كسر ثلاث مرات، مرة عند الإصابة، والثانية باستشهاد عمتيّ، والثالثة باستشهاد مازن"، تضيف رائدة.

كل ما لاقته رائدة من ألم، كان دافعا لها لتقرر بين ليلة وضحاها النهوض مجددا، والخروج من حالة الحزن والعزلة التي كانت تعيشها، فخطت بكرسيها المتحرك أولى خطواتها باتجاه الجامعة لاستكمال تعليمها وبدعم وتشجيع من المحيطين بها من العائلة والأصدقاء، حصلت على شهادة البكالوريوس في علم النفس التربوي.

"عندما خرجت للمرة الأولى من المنزل على الكرسي، كنت أتلفت يمينا ويسارا وأتساءل هل يراني أحد؟ كنت حزينة ومتعبة جدا من هذا الوضع، ومع الأيام اعتدت على ذلك، واكتسبت قوة وصلابة وواصلت حياتي عازمة على تحقيق كل ما أصبو إليه"، هكذا وصفت رائدة مشوارها الأول على الكرسي المتحرك.

وتضيف "بعد التخرج تطوعت للعمل في مؤسسات عديدة ضمن اختصاصي، حيث وجدت صعوبة بالغة في البداية لعدم وجود البيئة الجغرافية الملائمة، وعدم مواءمة الأماكن والمنشآت لمتطلبات ذوي الإعاقة، وفي كل لحظة كانت تمر كنت أتحدى أكثر وأثابر، حتى تمكنت عام 2010 من الحصول على وظيفة في وزارة الصحة كأخصائية نفسية".

قبل عام وبعد جهد من الدراسة والتعب والكد، استطاعت رائدة الحصول على شهادة الماجستير من جامعة النجاح، (برنامج الإرشاد النفسي والتربوي)، ما شكّل دافعا آخر لها على المواصلة، "كنت أحاول الدراسة في جامعة القدس بأبو ديس، لكن ذلك لم يكن سهلا بسبب بعد المسافة وصعوبة التنقل، فأنا لا استطيع استخدام المركبة للتنقل حتى إلى عملي، لذلك أفضل الكرسي المتحرك كنوع من التكيف مع واقعي، وساعدني تخصصي بذلك".

17 عاما مرت على ملازمة رائدة للكرسي المتحرك، اكتسبت خلالها خبرات وراكمت تجارب، ولم تحد عن حلمها حيث تفكر حاليا بإكمال تعليمها، والحصول على شهادة الدكتوراه، اختتمت قائلة "لن أنكسر".

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024