اللقلق في لحظة سكون
بسام أبو الرب
يتسلل المصوران أيمن نوباني وشادي جرارعة، عبر إحدى تلال بلدة عجة جنوب جنين، يحاول كل منهما أن لا يصدر صوتا، فيما يختار أحدهما تكملة المشوار زحفا نحو الأعلى، حتى تحين الفرصة المناسبة لالتقاط صورة للحظة سكون طائر اللقلق المهاجر.
تحلق اسراب اللقلق مجددا والتي يصل تعداد افرادها الى المئات، عقب سماع أي صوت، وتبدأ عدسات الكاميرات تتجه نحوها من كل حدب وصوب.
واللقلق الابيض يعرف في بلاد الشام باسم ابو سعد، وهو من الطيور التي تخوض في الماء، ذات الارجل الطويلة التي تنتمي لفصيلة اللقلق، وهو طائر ضخم يصل طوله ما بين 100-125 سم، ويصل طول جناحه ما بين155-200 سم، والوزن ما بين 2.3-4.5 كغم، ذو منقار وفما احمر اللون.
تقارب عقارب الساعة من الرابعة مساء، عندما حطت رحال اللقلق عائدة من مرج صانور، حيث امضت نهارها قرب المياه التي تجمعت فوق السهول لتشكل بحيرة صغيرة.
حاول المواطن قدري ولد علي (45 عاما) من بلدة صانور، ان يتذكر انواع الطيور التي تحط رحالها في المرج، لكن اكثر صورة لتلك الطيور بأجنحة نهايتها باللون الاسود وجسم أبيض كناية عن طير اللقلق.
ويقول "كل عام نشاهد أسرابا من الطيور بأنواع مختلفة منها ما هو معروف لدينا ومنها ما نراه لأول مرة مثل طيور النورس، لكن طيور اللقلق تعيد المشهد بنا الى العام 1992 عندما ارتفع منسوب المياه بشكل كبير في السهول بعد تراكم الثلوج في المنطقة".
ويضيف "في التسعينيات كان المختصون في مجال الزراعة يضعون الاسماك في المياه؛ من اجل الحد من تكاثر البعوض وقتها، وكانت طيور اللقلق تتغذى عليها".
ولد علي الذي يسكن فوق احدى تلال بلدة صانور يقول "عندما يأتينا زائر ويشاهد منظر الطيور وتجمعها حول المياه، يعبر عن مدى سعادته وفرحه بهذه الصورة".
بعد وصول طاقم "وفا"، الى مرج صانور قرابة الساعة الثانية مساء، اتخذ من السهول طريقا عبر الوديان والاراضي التي تغطيها مياه الامطار، ولمسافة اكثر من كيلو ونصف سيرا على الاقدام، بدأت الرحلة لأقرب نقطة من اسراب اللقلق، التي كانت تصطف الى جانب المياه.
بمجرد احساسها باقتراب اية انسان من المنطقة ترفرف بأجنحتها السوداء وتحلق بعيدا عن المنطقة، نحو مكب زهرة الفنجان الذي تجد فيه الطعام بوفرة، لتصاحب انواع كثيرة من الطيور الجارحة، التي تعتبر فلسطين احدى محطات الهجرة لديها خلال الربيع.
عماد الأطرش مدير جمعية الحياة البرية، لـ"وفا"، قال: "ان طيور اللقلق تهاجر مرتين خلال العام، ففي فترة الربيع تبدأ من منتصف شباط، وتنتهي في نيسان واحيانا تمتد لنهاية شهر ايار، وتكون قادمة من افريقيا ذاهبة الى اوروبا عبر فلسطين وبكميات هائلة".
واشار الى ان هناك ثلاثة خطوط لهجرة اللقلق من منطقة حوض المتوسط مرورا بفلسطين وبوقت يعتبر الاطول، ثم جنوب ايطاليا واسبانيا، ومن ثم الى جنوب افريقيا.
واضاف، ان طيور اللقلق هي ثاني الطيور بعد الجارحة التي تمر عبر فلسطين، بكميات هائلة، ومنها يبقى لأكثر من عام ونصف العام؛ خاصة الصغيرة منها ثم يعاود الهجرة الى اوروبا التي تعتبر موطنا مناسبا لوضع البيض والتفريخ".
واوضح الاطرش ان فلسطين سجلت حالة واحدة في بناء عش لطيور اللقلق، قرب سهل بيسان في العام 2014، التي هاجرت فيما بعد الى موطنها بعد وصولها مرحلة النضوج، وكان وقتها يفرش ارضية عشه من قش القمح الذي يبلله بالماء، لتخفيف من حدرة درجة الحرارة على صغاره، كون المنطقة تمتاز بارتفاع درجات الحرارة.
وبين ان طيور اللقلق التي تتغذى على اللحوم بشكل خاص، من الديدان والقوارض والزواحف والبرمائيات، تبقى فترة طويلة قرب تجمعات النفايات في اربعة مناطق بمحافظات جنين، واريحا وبيت لحم والخليل.
واشار الى ان طير اللقلق يعيش بمفرده ولا يكون رابطا مع شريك طوال الحياة، ويبنى عشه من العصى سواء كان ذكرًا أو أنثى، وبعد سنوات من الاستخدام يصبح عشًا كبيرًا، وتضع أنثى اللقلق أربع بيضات مرة واحدة في العام، ويخرج صغارها في نفس اللحظة من البيض بعد 33-34 يوما، ويقوم الزوجان بحضانة وتربية صغارهم معًا، وينفصل الصغار عن العش بعد خروجهم من البيض ب58-64 يوما، ويقوم آباؤهم بإطعامهم بعد ذلك بفترة من 7 إلى 20 يوما.
واكد ان طيور اللقلق ذات اجنحة طويلة وواسعة تسمح لأنواع اللقالق الأخرى ان ترفرف في الهواء بشكل منظم وبطئ؛ حيث أنها تطير عن طريق مد عنقها إلى الأعلى مباشراً وأقدامها إلى الخلف مباشراً خلف ذيلها، موضحا أنها تسير أيضا بخطوط منظمة وهادئة وأيضا تمد عنقها إلى الأمام، وعندما تريد ان تستريح تميل برأسها بين عنقها .
وقال الذي يعمل كمراقب للطيور منذ العام 1981، "انه في العام 2000 سجلت حوالي 20 الف طير من اللقلق فوق محافظة القدس".
واضاف "ان طيور اللقلق توجد بشكل كبير في قارة أوروبا ولكنها تنفصل عن بعضها البعض وتنتشر في مناطق عده، وتستوطن في غالبية مناطق وسط وشرق أوروبا مع شبة جزيرة إيبيريا في الغرب وشمال افريقيا، وقد تجمع 25% منهم في بولينا بالإضافة إلى وجودهم ايضا في غرب آسيا"، أضاف الاطرش.
ولطيور اللقلق "ابو سعد" ارتباط بالأمثال الفلسطينية، والذي يرمز للفرح فمعه يحمل بشائر قدوم الامطار للمزارع، خاصة مع هجرته الخريفية، فيقال (أبو سعد دق الرعد)، كما يحمل بشائر الحصاد تزامنا مع الهجرة الربيعية.