وادي الفارعة ينبض بالحياة من جديد
إسراء غوراني
المشهد الحالي في منطقة وادي الفارعة جنوب طوباس، يعيدنا أكثر من 20 عاما إلى الوراء، فعلى جوانب النبع ترى الفتية يلهون ويسبحون رغم برودة الجو، احتفاء منهم بعودة نعيمهم المفقود منذ عقدين من الزمان، للجريان من جديد بعد موسم مطري حافل بالخير.
عودة النبع أعاد إلى الأذهان ذكريات جميلة كانت جزءا من حياة أهالي المنطقة لعشرات بل مئات الأعوام، فهذه الحاجة أم العبد تستذكر ما كانت عليه منطقة وادي الفارعة قبل حلول الكارثة كما يسميها الأهالي، وهي جفاف النبع.
تقول أم العبد إن منطقة وادي الفارعة كانت أشبه بالجنة لوفرة المياه فيها، إضافة لكثرة بيارات الحمضيات المنتشرة في محيط النبع وعلى ضفاف وادي الفارعة الذي يتفرع من النبع، فحمضيات وادي الفارعة كانت من أجود أنواع الحمضيات على مستوى فلسطين، ويتم تسويقها في السوق المحلي وتصدير كميات منها للخارج.
وتضيف ان من المظاهر التي كانت مألوفة قدوم الفتية والشبان من المنطقة وكافة القرى المجاورة للسباحة والاستجمام في فصل الصيف، إضافة إلى قدوم رعاة الماشية لري أغنامهم من مياه النبع والوديان وغسل الصوف، والعائلات التي تأتي من مختلف القرى والمدن للاستجمام عند النبع، فكانت المنطقة مليئة بأصوات الحياة اتي غابت بسبب الجفاف.
رئيس مجلس قروي وادي الفارعة نهاد صلاحات، يشير إلى أن النبع كانت مشهورة طيلة تاريخ قرية وادي الفارعة كونها من المصادر المائية الهامة في المنطقة، كما أنها من المصادر التي تصب في نهر الأردن من خلال وادي الفارعة، وبالتالي تعتبر مصدرا مائيا هاما ليس لوادي الفارعة وحسب، بل لكل القرى التي يمر منها وادي الفارعة مثل قرى الأغوار الوسطى، كما أنها كانت تمد جميع القرى المجاورة بمياه الشرب.
وأضاف أن الاقتصاد الزراعي لوادي الفارعة كان مبنيا وقائما على نبع ووادي الفارعة، فمنذ القدم عرف وادي الفارعة بأنه من أخصب وأشهر المناطق الزراعية في فلسطين، خاصة في مجال الحمضيات، فكانت تزرع حوالي 4 آلاف دونم بالحمضيات، وجميعها تروى من مياه نبع الفارعة التي كانت تضخ ما يزيد عن 500 متر مكعب من الماء في الساعة، علما أن معدل الضخ السنوي للنبع كان يصل إلى 6 ملايين متر مكعب.
وأوضح أن نبع الفارعة لم تجف فجأة ولكنها جفت بسبب عدة عوامل متراكمة على مدار سنوات، ومن أول هذه العوامل قلة منسوب مياه الأمطار لعدة سنوات متلاحقة، إضافة لكثرة الآبار الارتوازية التي حفرت في المنطقة القريبة من النبع وخاصة الآبار التي يتم النزول فيها لأعماق كبيرة وتضخ كميات كبيرة من الماء.
ويبلغ عدد الآبار الارتوازية في منطقة الفارعة 40 بئرا، ولكن هناك أربع آبار موجودة في المنطقة العلوية للنبع تؤثر عليها بشكل مباشر وعلى الخزان الجوفي في المنطقة، كما قال صلاحات.
منذ عام 2000 ألمت كارثة انقطاع مياه النبع بأهالي وادي الفارعة، وأدى ذلك لفقد مصدر المياه وشريان الحياة الرئيس للزراعة والاقتصاد الزراعي في المنطقة، وأدى ذلك بعد عدة سنوات لجفاف جميع بيارات الحمضيات في المنطقة، التي تشكل مصدر الرزق الأساسي لـ90% من سكان المنطقة.
عودة النبع هذا العام أعاد لأهالي وادي الفارعة الأمل بعودة النبض لمزارعهم، وترجع أسباب عودة النبع لنسبة وكمية المياه العالية هذا العام.
وتشير الأرقام والإحصاءات التي نشرتها دائرة الأرصاد الجوية إلى أن منطقة الفارعة من أفضل المناطق من حيث نسبة هطول الأمطار، حيث بلغت النسبة المئوية للمياه الهاطلة على الفارعة 171%، وبلغت كمية الأمطار التراكمية هذا عام 638.1 مللتر، علما أن معدلها العام 373.1 مللتر.
وأكد صلاحات أن عودة النبع هذا العام تختلف عن عودتها قبل عدة اعوام، وعادت بمنسوب مياه أعلى، منوها إلى أن المجلس رفع طلبات واقتراحات للمحافظة وسلطة المياه بضرورة الحفاظ على المياه من الجفاف من خلال تحديد كمية الأمطار التي يتم ضخها من الآبار الارتوازية في المنطقة مع بداية الصيف بحيث تكون هناك رقابة مستمرة على ذلك.
المهندس عبد اللطيف خالد من مجموعة الهيدرولوجيين، قال إن هناك سببين رئيسيين لعودة مياه النبع وهي كمية الهطول هذا العام التي زادت عن معدل الهطول السنوي بمرة ونصف، إضافة إلى طريقة الهطول التي ساهمت بتغذية الخزان الجوفي للمياه.
وأوضح أن هذه المرة تختلف عن المرة السابقة التي عادت فيها النبع للجريان، فكمية المياه أكبر هذه المرة وهناك احتمالية لاستمرارها فترة أطول من المرات السابقة.
ونوه إلى إمكانية حماية النبع من الجفاف مرة أخرى من خلال تحديد كمية ضح المياه من الآبار الجوفية في المنطقة، خاصة تلك الموجودة قبل النبع، لأنها تعمل على استنزاف المخزون الجوفي قبل وصوله النبع.
وأضاف أن الآلية الصحيحة لتحديد كميات الضخ في تلك الآبار من خلال حساب الموسم المطري وكمية التغذية، وبناء على ذلك يتم تحديد كمية المياه المتوقعة في الخزان الجوفي ومن ثم تحديد كمية الضخ المناسبة لكل بئر بحيث لا تؤثر على هذا المخزون.