ولادة "الطابو" لأراضي شرق طمون
الحارث الحصني
يضرب شاب يرتدي لباسا برتقالي اللون، بضربات متتابعة وثابتة قطعة حديد عند بداية أرض محاذية للطريق الرئيسية التي تربط شمال الأغوار بجنوبها.
كانت هذه قطعة الحديد التي دُقت في الأرض الواقعة ضمن تصنيف "ج"، حسب اتفاقية "أوسلو"، فاتحة لبدء عملية تسجيل عشرات آلاف الدونمات في "الطابو".
فالأراضي الممتدة من جانبي الطريق باتجاه بلدة طمون غربا، ونهر الأردن شرقا، كان جزء منها حتى أياما معدودة ماضية أرضا مشاعا، أو أراضي خزينة دولة.
بعد نكبة العام 1948، أصبحت الضفة الغربية تتبع إداريا للأردن، وكان مواطنوها يتعاملون بالقانون الأردني المفروض عليهم حينها، وظل الحال على ما هو عليه حتى عام 1988، حين اُعلن فك الارتباط بين الضفة والأردن.
وخلال تلك السنوات، تحديدا في عام 1955، صدر قرار أردني يفضي بتوزيع الأراضي المشاع شرق طمون على سكان البلدة، الواقعة جنوب مدينة طوباس.
وبحسب القرار فإنه يكون لرب العائلة وزوجته، وأبنائه غير المتزوجين لكل واحد منهم قطعة أرض.
وبعد صدور القرار مباشرة، بدأ سكان البلدة التي أصبحت اليوم واحدة من أجود القرى زراعة في محافظة طوباس، بتقديم أوراق ثبوتية أعلنت عنها الحكومة الأردنية آنذاك، لاستكمال طلب الحصول على الأرض، وظل المواطنون يتقدمون للحصول على مساحات من الأراضي حتى عام 1965.
يقول خليل الجوهري، وهو أحد أبناء الذين حصلوا على قطعة أرض حينها: "قدّم والدي للحكومة الأردنية شهادات ميلاد لي ولإخوتي وأخواتي غير المتزوجين، وأوراق عقود زواج؛ من أجل الحصول على حصة من الأراضي المشاع التي نوت الحكومة منحها لمواطني البلدة."
كان ذلك في عام 1955، حينها حصل والد الجوهري على 7 حصص في عدة أحواض، برصيد حصة لكل فرد في العائلة. كما يقول الرجل.
واقفا عند بداية أرضه قال الجوهري: "حصل والدي على مساحة أراضي وصلت لــ125 دونما تقريبا".
عندما حصل المواطنون في البلدة على حصصهم من الأراضي منذ صدور القرار الأردني، بدأوا بفلاحتها وزراعتها حتى نكسة عام 1967، عندما توقفت الحياة لفترة من الزمن بشكل عام في المنطقة.
وهذه الأيام، أمكن مشاهدة مئات الدونمات المزروعة في المنطقة، بعدة محاصيل بعلية تركزت على القمح والشعير، وغيرهما.
ولكن بعد أن أحكمت "إسرائيل" سيطرتها على باقي أراضي فلسطين التاريخية عام 1967، صارت الأغوار الممتدة على الشريط الحدودي الفاصل بين الضفتين، واحدة من أكثر المناطق التي يستخدمها الاحتلال في التدريبات العسكرية، وبناء المعسكرات والمستوطنات.
وخلال الأعوام الماضية، كانت الأغوار الواقعة على الحدود الشرقية للضفة الغربية، وهي مناطق تتفاوت تضاريسها بين الجبلية والسهلية، "مكانا مناسبا" لتدريبات الاحتلال العسكرية، وسُجلت خلال تلك الأعوام عشرات التدريبات العسكرية في تلك المناطق، وقد استخدم فيها الاحتلال كافة أنواع الذخيرة.
قابل ذلك على خطٍ مواز له، سياسة استيطان صامتة انتشت حركتها في الأعوام الأخيرة الماضية، تنفذها عصابات من المستوطنين، بحماية واضحة للاحتلال على الأرض في مناطق متفرقة من الأغوار الشمالية.
لكن أصبح لتلك الأراضي "طابو" لها.
ففي شهر آذار من العام الماضي (2018)، صدر مرسوم الموافقة من هيئة تسوية الأراضي والمياه، ومباشرة بدأت عملية التصوير الجوي للأراضي المراد تسجيلها في مشروع "الطابو"، وبحسب القرار فإن المشروع سيتم على مرحلتين، إحداهما من الطريق الرئيسي حتى نهر الأردن شرقا عن طريق التصوير الجوي الذي تنفذه هيئة تسوية الأراضي والمياه، والثانية من الطريق الرئيسي حتى طمون غربا، عن طريق المسح الميداني، الذي تنفذه بلدية طمون، وطواقم مسح الأراضي المكلفة بذلك.
وفي منتصف الأسبوع الماضي، بدأت بلدية طمون بالشراكة مع هيئة تسوية الأراضي والمياه بوضع علامات حديدية لمشروع تسجيل الأراضي "الطابو"، الواقعة ضمن مناطق تصنيف "ج" شرق البلدة.
يقول رئيس بلدية طمون بشار بني عودة: "اليوم، (المقصود الثلاثاء الماضي)، وُضعت أول علامة حديدية لمشروع بدء تسجيل أراضي المواطنين "الطابو"، والقريبة من مستوطنة "بقعوت"، والتي تقدر مساحتها بــ98 ألف دونم تقريبا، منها 77 ألف دونم في مناطق "ج"، و12 ألف دونم في مناطق "ب"، و8 آلاف دونم في مناطق "أ".
ماسكا بيده حقيبة فيها صور عن أوراق ثبوتية للأرضي، يقول الجوهري: "هذه العلامة الحديدية كانت عند بداية قطعة أرض لوالدي، وإن مساحتها (43) دونما".
يقول بني عودة: "سيستفيد من هذا المشروع كل من له أرض سواء من سكان البلدة أو من خارجها".
في تلك السنة التي اندلعت فيها حرب النكسة، كان والد الجوهري يعمل مدرسا في السعودية منذ 1965، وعليه فقد سافرت الأسرة كاملة بعد النكسة مباشرة إلى السعودية، ووكلت أقرباء لها بزراعة الأراضي.
ومنذ ذلك الوقت حتى العام الماضي، ظل الحال على ما هو عليه، ولا يتعد الأمر أكثر من زراعات بعلية روتينية في المنطقة، حتى صدر قرار من هيئة تسوية الأراضي والمياه بالموافقة على مشروع "الطابو".
يقول الجوهري لــمراسل "وفا": "الآن أصبحت أراضينا بشهادات ميلاد".
ويضيف الرجل الذي يسكن حاليا بلدة عقابا شمال طوباس: "الطابو يحمي الأرض من السرقة قانونيا".
يؤكد ذلك مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس معتز بشارات بقوله: "عندما يمتلك الشخص "طابو" نستطيع الدفاع عنها في المحاكم الإسرائيلية".
أصحاب أراض في المنطقة التي تمر بمحاذاة الشارع السريع الذي يمر بالقرب من عدة تجمعات استيطانية في الأغوار الشمالية، واستفادوا من المشروع كرروا الكلام ذاته.
قال بني عودة: " أردنا في مشروع "الطابو" أن ننهي "التسوية غير المنتهية" ونذهب باتجاه "الطابو" لأرضنا التي هي حاضنة الصراع مع المحتل الإسرائيلي".
وبحسب بني عودة فإن في هذه الأراضي هناك مساحة 48 ألف دونما كانت في زمن الحكومة الأردنية أراضي خزينة دولة، وعندما نُقل الأرشيف الخاص بالأراضي إلى السلطة الوطنية أصبحت تسمى أراضي دولة".