آفة العالم المغبرة ...!!
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
عالم الكراهية والحقد والتحامل والإرهاب، هو هذا العالم الذي تريده قوى اليمين العنصري المتطرف، بطرفي معادلته، الأميركية الاسرائيلية، والغربية عموما من جهة، والاسلاموية العدمية من الجهة الأخرى.
الإرهابي الاسترالي "تارانت" الذي اقتحم مسجدين للمسلمين في نيوزلندا، وذبح المصلين هناك وهم على سجادة الصلاة، هو نتاج هذه المعادلة الكريهة، التي لا نشك ان طرفيها، قد ابتهجا، وكل لغاياته، بما ارتكب هذا الإرهابي الأسترالي{المعجب بدونالد ترامب} من مجزرة سيسجلها التاريخ وصمة عار في جبين عالم اليوم، طالما ان هذا العالم ما زال يغذي قوى التطرف والإرهاب، بعدم مواجهتها على نحو انساني مسؤول، الأمر الذي سمح ويسمح حتى الآن لإسرائيل اليمين العنصري، ان تكون دولة فوق القانون، وللإدارة الأميركية ان تتطاول وتضرب أوضح وأهم القوانين الدولية، وأبسط الأعراف والقيم الانسانية، كما انه الأمر ذاته، الذي انتج بهذه الطريقة أو تلك "داعش" ومثيلاتها، ونفخ في صورتها، وهو ينقل صور فظائعها، لخدمة خطاب "الاسلاموفوبيا" السياسي الذي أكثر من يبرع فيه اليوم، الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ،ورئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو.
الإرهابي الاسترالي وهو بالمناسبة نظير الإرهابي الاسرائيلي "غولدشتاين" تذرع لتبرير ارتكابه لجريمته الوحشية - وحيث استحالة التذرع لتبرير اية جريمة- بما فعلت "داعش" ..!!! و"داعش" ربما وعلى الأغلب، ستتذرع بما ارتكب هذا الارهابي العنصري البشع، وهذه هي في الواقع والحقيقة، سياسة الباب الدوار في خطاب "الاسلاموفوبيا" ..!!! وتحكمنا المقاربة هنا، وحركة حماس تعمل على تأصيل هذا الخطاب بين المسلمين أنفسهم، وهي لا تعمم غير ثقافة الكراهية والنبذ والإقصاء، وفتاوى الفتنة التي تشرعن سفك الدم الحرام، فيما تعمل على تكريس سلطتها في قطاع غزة بالقمع والعسف، لتحكم القطاع المكلوم بالخوف والإرهاب، وقد بات ذلك جليا، بعد ان قمعت وبمنتهى العنف، تظاهرات أهل غزة التي خرجت تحت شعار "بدنا نعيش" كما ان حماس بهذه الثقافة تقدم دعمها لليمين العنصري الاسرائيلي "فالاسلاموفوبيا" هي من بين ما يرتكز اليها نتنياهو في حملته الانتخابية، لحصد أصوات اليمين العنصري الاسرائيلي المتطرف، المناهض للسلام والعدل والمساواة.
الإرهابي الأسترالي "بريتون تارانت" الذي ارتكب مجزرة المسجدين، يعتبر وبالقصد العقائدي العنصري ان " دونالد ترامب رمز الهوية البيضاء المتجددة" كما جاء في بيان له من اربع وتسعين صفحة، وفي المقابل، لا شك ان الداعشي ومنه الحمساوي، يعتبر أبو قتادة، وأبو بكر البغدادي، والظواهري، واسامة بن لادن، والمرشد العام في المحصلة، رموز الهوية الاسلامية "البيضاء" بالقصد العقائدي العنصري ذاته..!!! ليس ثمة افكار تحكم قوى اليمين والتطرف والإرهاب على اختلاف مسمياتها، سوى الأفكار الماضوية، تراث "الكوكلاس كلان" والنازية والفاشية في يمين الغرب العنصري، والسلفية المتحجرة في الجماعات الاسلاموية التكفيرية...!!!
سيظل عالم الكراهية والقتل والارهاب، عالما ممكنا، ما لم يتصد المجتمع الدولي لسياسات قوى اليمين العنصري المتطرف وغطرستها الدولانية تحديدا، ولكل جماعات الارهاب والتطرف بكل تسمياتها ومختلف اتجاهاتها، وعلى نحو يؤكد التحضر الإنساني بقيمه الاخلاقية النزيهة.
عالم الأمن والاستقرار هو العالم الذي يتخلص من ثقافة العنف والتطرف والعنصرية، العالم الذي يهزم خطاب "الاسلاموفوبيا" بهزيمة أصحابه، ومنتجي مقوماته ومعطياته، وهذا العالم هو الذي سيقود الى السلام العادل، والذي يبدأ من هنا، من فلسطين بتمام حريتها واستقلالها واستردادها لكامل حقوق شعبها المشروعة، وبعاصمتها القدس الشرقية حاضرة السلام التاريخية.
على العالم ألا ينسى أبدا، ان مقدمات الكوارث البشرية الكبرى، تسبقها دائما ابشع العمليات الإرهابية لقوى التطرف والعنصرية، فالحرب العالمية الثانية اندلعت بعد اقل من سنة مما بات يعرف "بليلة البلور" التي نفذ خلالها النازيون عمليات ارهاب محمومة ضد اليهود في المانيا والنمسا..!!
قد لا تكون هناك حرب عالمية ثالثة في هذا العصر، لكن المؤكد ان تفشي العنصرية، وتعدد قوى الظلام والتطرف، في مواقع الحكم وخارجه، سيكلف البشرية مزيدا من الضحايا الأبرياء، ومزيدا من العنف والخراب والتخلف، ما يهدد مستقبل الانسانية بالتوحش والعدمية ..!!
الارهاب آفة العالم المروعة، ومع ضرورة ادانة عملياته الاجرامية، والتعاطف مع ضحاياه، لا بد من موقف عملي لدول العالم بأسره، للخلاص من هذه الآفة، وجعل الحرب ضد الارهاب مهمة انسانية مقدسة، ولا بد من التصدي أولا لارهاب الدولة لأنه الارهاب الذي يغذي ارهاب الجماعات المتطرفة، والتصدي لارهاب الدولة هو المدخل الضرورة لحرب عادلة ضد هذه الآفة المروعة الخطيرة.
ولضحايا المسجدين رحمة العلي القدير، ولجرحاهم بإذن الله وعطفه الشفاء العاجل، واللعنة على الارهاب والارهابيين الى يوم الدين.