"غطرسة الوضيع"
كتب رئيس صحيفة الحياة الجديدة
عندما اقترفت حماس جريمة الانقلاب المسلح العنيف على الشرعية، تروع شاعرنا الكبير محمود درويش وإلى حد الفجيعة، وهو يكتشف في نص جارح وجريح "انت منذ الآن غيرك" وفي هذا النص ندد الشاعر "بغطرسة الوضيع" وهو يقسو على نحو متوحش، على ابناء جلدته بعد ان مثل بجثثهم ورقص من فوقها ..!!
ولعل درويش الغائب الحاضر يطل على مشهد غزة اليوم، وهو بين يدي الرحمن، فيجهش بنص الروع ذاته، وهو يرى "غطرسة الوضيع" تتمادى في نهجها الدموي وهي تواجه ثورة الجياع في غزة، الذين فاض الكيل بهم بعد ان احالت حماس حياتهم الى شظف يتضور على مدار الساعة، ولعل درويش وهو يجهش بهذا النص، يتساءل كيف يغيب نص الثقافة برؤيته الناقدة لسلوك هذه الغطرسة الاجرامي ..!! ولماذا يلتزم بعض كتاب هذا النص الصمت تجاه هذا السلوك الذي يحط من القيم الانسانية، ويضرب جمالياتها الاخلاقية بهدف القتل والتدمير، هذا السلوك الذي طال بالأمس واحدا من بين رموزنا الثقافية الناهضة، الروائي عاطف ابو سيف. اين هم كتاب الثقافة اليوم لايرون ذلك، ومشهد " غطرسة الوضيع " لم يعد قابلا لأي تعتيم او تزوير او تأويل...!! لا بل ان بعض كتاب النص الثقافي والادبي يهرب من هذا المشهد الى تداعيات رومانسية، من على طاولة في مقهى، وحيث فنجان القهوة كليم المخيلات الحسية ..!!
سيحاسبنا التاريخ وحتى الواقع الراهن، إن لم نتصد "لغطرسة الوضيع" بمنتهى القوة والوضوح والمسؤولية، خاصة وقد انفلت عقالها اليوم بأبشع عمليات القمع والتنكيل لمن اطلقوا صرخة الجوع من صميم قلوبهم الطيبة المعذبة، ولن يغفر التاريخ قطعا لكتاب كلمة الخديعة التي تحاول مشيا على الحبلين كما يقال، وحيث لا تريد ان تخسر رهانات التمويل الحرام عليها ..!!
ما جرى للروائي عاطف ابو سيف، هو رواية فاجعة بحد ذاتها، ونظن انها ستلحق بروايته "حياة معلقة " التي كشف فيها ابو سيف عن الكثير من تفاصيل الحياة المعذبة في غزة، والتي اصدرها قبل ثلاث سنوات، لا بل ان عاطف ابو سيف يدخل في اللحظة الراهنة الى متن روايته بحياة معلقة ولكن بين الامل والامل بشفائه العاجل بعون الله ورحمته ... وبين الارادة الحرة والامل والتطلع الانساني .. ستظل لفلسطين كلمة الحق في نص المعرفة بجمالياته الثقافية ولن يكتبها غير مبدعيها والسائرين في دروب المشروع الوطني نحو دولة فلسطين السيدة.