حرب عُمر..
يامن نوباني
لساعتين متواصلتين استمر الجنود المدججون بالذخائر بإطلاق النار على المنزل قبل أن يدخلوه لكشف نتائج جريمتهم. لم نشاهد معهم جثة عُمر.. ولم نعثر على أشلائه، فقط بقع صغيرة من الدم، لكننا سمعنا من الأخبار أنهم أعلنوا نجاحهم في الوصول لمنفذ عملية أرائيل" قال عزام حمد، صاحب المنزل المستهدف.
إنها الساعة الثامنة من مساء يوم الثلاثاء التاسع عشر من آذار لعام 2019، حيث قرية عبوين الوادعة شمال رام الله.
هناك.. لا يمكن وصف ما أحدثه الاحتلال في منزل المواطن حمد، في البلدة القديمة من عبوين، إلا بـ"الحرب".. فتحات كبيرة في الجدران تعدى حجم بعضها مترا ونصف المتر بفعل إطلاق القذائف وصواريخ الـ"لاو" و"أنيرجا" صوب المنزل القديم.. نوافذ مهشمة، وحجارة وشظايا متطايرة دللت على شراسة حرب عُمر.
بدأ الهجوم على البلدة القديمة في عبوين، ومحاصرة المنطقة في حدود الثامنة مساءً بعد تسلل ثلاث مركبات تحمل قوات خاصة اسرائيلية ومستعربين، تبعها اقتحام كبير لأكثر من 25 جيبا عسكريا، في الوقت الذي لم يكن يعلم أهالي البلدة حقيقة ما يجري، قبل أن ينادي الجنود عبر مكبرات الصوت على ما زعموا أنه الشاب عمر أبو ليلى (19 عاماً) من بلدة الزاوية غرب سلفيت، وتطالبه بتسليم نفسه.
"البيت يستعمل كمضافة لأبنائي وأصدقائهم، وهو غير مسكون، ولحظة وقوع الحدث، كان ابني قريب من المنزل، وذاهب لإحضار القهوة من أجل السهر مع أصدقائه، وكنت في الطريق للمنزل عائدا من سنجل، وحين وصلت المكان، هجم علي جنود الاحتلال وقاموا بتكبيلي واستجوابي"، قال صاحب المنزل المستهدف، عزام حمد.
وأضاف: "لا نعرف بوجود عُمر أو أي أحد في داخل منزلنا، وتفاجأنا من حجم القوة المقتحمة، قاموا باستجوابي واحتجازي واعتقال أربعة شبان من محيط المنزل منهم ابني."
بعد دقائق من مناداتهم عبر مكبرات الصوت لتسليم نفسه، بدأوا بإطلاق الرصاص الحي في محاولة لمعرفة إن كان هناك أحد في الداخل، وبعد مضي ربع ساعة وتوافد تعزيزات ضخمة من جيبات الاحتلال، أطلقوا عدة قذائف على الناحية الشرقية والشمالية من المنزل، محدثين فيه خراباً هائلاً، وبعد أن تمكنوا من اختراق الجدران أطلقوا قذيفتين في داخل المنزل، ثم بدأوا بإطلاق الرصاص بشكل جنوني على المنزل ومن كافة الجهات.
حتى صباح اليوم، بقيت رائحة الغاز المسيل للدموع في شوارع عبوين قوية، وآثار المواجهات الليلية، من متاريس وحجارة وحاويات قمامة، استخدمها الشبان أثناء تصديهم لجيبات الاحتلال حتى ساعات متأخرة من ليل أمس.
استشهد عمر أخيرا، قالت وسائل الأنباء، وهو الذي لم تدم مطاردته كثيراً، بفعل تكثيف اجراءات الاحتلال في محافظة سلفيت وقراها، وصولاً حتى قرى جنوب نابلس وشمال رام الله، 80 ساعة مرت على تنقل عمر بين البساتين والجبال والوديان، حتى استقر به المقام في منزل مهجور في بلدة عبوين.
مئات الجنود والوحدات الخاصة وأفراد الشاباك معززين بطائرات الاستطلاع انتشرت في ساحة المعركة وسمائها.. "أربع ساعات من الحصار وإطلاق النار رفض فيها عمر تسليم نفسه"، قال الجيش "الذي لا يقهر"!!
في نهاية المعركة الدموية وغير المتكافئة.. أعلن الاحتلال "انتصاره" على عمر أبو ليلى واحتجز جثمانه ليضاف إلى أكثر من 20 جثماناً آخر قضى أصحابها في ساحات معارك مماثلة، إضافة لوجود أكثر من 253 شهيد في "مقابر الأرقام" يحتجز الاحتلال جثمانيهم منذ عشرات السنوات.