الدرس النيوزيلاندي
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
لا ينبغي أن يمر البكاء النبيل لنيوزيلاندا على ضحايا المسجدين، مرور الكرام على البشرية في هذا العصر، لا من حيث انه بكاء التفجع الإنساني بمصداقيته الحارة فحسب، وإنما لأنه أساسا بكاء الموقف الحضاري المفعم بالتفهم والتآلف والمساواة، ما يجعله درسا في التنور الإنساني، على البشرية جميعها أن تتعلمه اليوم، لتطرد من حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية، أفكار وسياسات التطرف والعنصرية التي تنتج الارهاب جماعات وأفرادا وحكومات دول..!! وليس هذا فحسب فبكاء نيوزيلاندا النبيل، درس في الوطنية كذلك، من حيث المواطنة في حماية العقد الاجتماعي الذي يحكم العلاقة بين افراد المجتمع الواحد، دون أي تمييز في اللون أو العرق أو العقيدة، والكل أمام القانون سواء.
ولعلنا نحن الفلسطينيين الذين نعاني أشد المعاناة جراء ارهاب الاحتلال وعنصريته أكثر من يقدر هذا الدرس النيوزيلاندي البليغ، وأكثر من يحتفي به، وأكثر من يتمناه سياسة وثقافة وسلوكا للعالم أجمع، كما أننا ولأننا الواقعيون الذين لا يخادعون أنفسهم نراه درسا ضروريا لحياتنا الوطنية، ذلك لأننا نعاني اليوم من جهل التطرف والتعصب الحزبي الحمساوي، الذي أحال حياة أهلنا في قطاع غزة المكلوم إلى جحيم، بعد أن أجاز فتاوى القتل والتنكيل والبلطجة بإرهاب داعشي تماما ..!!
لبست نيوزيلاندا الحجاب تفهما وتعاطفا ورفضا للعنصرية والتمييز على أي أساس كان، يوم تأبين ضحايا المسجدين، ورفعت الأذان في محطاتها الإذاعية، وجاءت رئيسة الحكومة بحجابها إلى الناس هناك كي تعلن غضب حكومتها على هذا القتل الاجرامي الذي طال مواطني بلادها من المسلمين، وتنديدها بكل أشكال التطرف والتعصب العنصري، فهل تدرك حماس قيمة هذا الموقف وهذا الدرس في الوطنية وأخلاقياتها الانسانية النبيلة، فلا تدفع بمسلحيها ملثمين في شوارع القطاع المكلوم لفرض شريعتها القمعية المقيتة بتحزب عنصري بغيض، هل تدرك حماس هذا الدرس الضروري، فتكف عن توزيع شهادات الجنة والنار حسب غاياتها الحزبية والسياسية، وحسب تفاهماتها الاسرائيلية، في الجمعة الماضية أفتى أحد مشايخ حماس في مسجد التوبة شمال غزة بأن من يقترب من "السياج الأمني" دون تعليمات عناصر حماس ويقتل هناك لن يكون شهيدا ...!!!
ليت حماس بدل أن تتوغل في توليفات وتفاهمات صفقة ترامب الفاسدة، تقرأ لمرة واحدة الدرس النيوزيلاندي العظيم، ليتها تفعل ذلك، لكننا لن نتوهم أنها ستفعل لأن جهل التطرف والتعصب وجهل الوهم قد أصابها بعمى القلب والبصيرة، فعذرا لنيوزيلاندا من حيث غياب درسها عن مجالس حماس ..!! وشكرا لها من حيث درسها إنجازا ثقافيا بالغ الجماليات الانسانية والذي لن يغيب ابدا عن مجالس الساعين للعدل والحق والجمال، شكرا لنيوزيلاندا شعبا وحكومة ورئيسة حكومة وبرلمانا، شكرا لهذا التحضر الانساني والدعاء دائما لضحايا المسجدين ولكل ضحايا الارهاب في كل مكان، ولكل شهداء شعبنا البررة، الدعاء للعلي القدير أن يتقبلهم بواسع رحمته وأن يسكنهم فسيح جناته انه السميع المجيب.