أكرم الشرفا.. الشهيد الثائر في يوم الأرض
هدى حبايب
منذ الثلاثين من آذار لعام 1976، وأحداث ذكرى هبة "يوم الأرض" تتوالى في كل عام، لينتفض أبناء شعبنا في الوطن والشتات في مسيرات ومظاهرات شعبية ضد إمعان سلطات الاحتلال الإسرائيلي في انتهاكاتها وممارساتها العنصرية بحق أبسط حقوقه في أرضه.
الثلاثون من آذار في العام 1988، لم يكن عاديا في حياة عائلة الشرفا من ضاحية شويكة شمال مدينة طولكرم، حيث ارتقى ابنهم الشاب أكرم سيف الدين عيسى شهيدا، حينما كان في الثامنة عشرة من عمره.
في صباح أحد أيام الانتفاضة الأولى التي عرفت بـ"انتفاضة الحجارة"، جهز أكرم نفسه باكرا للخروج والمشاركة في مظاهرات يوم الأرض التي كانت تعم الوطن بغضب شعبي تجاه سرقة الاحتلال للأراضي واغتيال أصحابها، استحم وتوضأ وصلى الفجر، وطلب من والدته إعداد الفطور، تناوله مع والديه، كان نشطا فوق العادة، مبتسما، سألته والدته:" مالك يا ابني، مش على عوايدك"، قال: "يمه سامحيني".
في ذلك اليوم، كان أكرم على موعد مع الشهادة.
خرج كالعادة، يدور في شوارع وأزقة الضاحية مع رفاقه الشبان، أشعلوا الإطارات وجمعوا الحجارة، مترقبين دوريات الاحتلال التي حاصرت المكان، كان الجنود المدججون بالأسلحة يضمرون في نفوسهم القتل، وهكذا كان .. تم كل شيء بسرعة مذهلة، أطلقوا الرصاص بكثافة باتجاه الشبان الذين أمطروهم بالحجارة، ولكنهم مع سبق الإصرار والترصد وعلى بعد أمتار قليلة قام أحد قناصتهم باغتيال أكرم فسقط أرضا غارقا بدمائه، بسبب إصابته بثلاث رصاصات اخترقت قلبه.
جنود الاحتلال اقتربوا من جسد أكرم، فقام ضابطهم بقلبه على صدره، ليتصفى دمه وليتأكد من أنه فارق الحياة، احتجزوا جثمانه حتى الساعة الثانية فجرا، قبل تسليمه إلى المختار محمود الجعرون بشروط متمثلة في أن يقوم 20 شخصا فقط بدفنه في نفس الليلة.
وقع خبر استشهاد أكرم كالصاعقة على أهله وسكان الضاحية، فصوت الرصاص الكثيف كان يوحي بأن هناك جرحى وشهداء قد سقطوا، فتوالت الأخبار بين السكان بأن أكرم قد استشهد، وكان الكل على دراية بحركته النضالية الدؤوبة وكانوا يرون فيه بأنه مشروع شهادة، فوصل الخبر إلى عائلته، فأصابها الانهيار.
شقيق الشهيد عمر يسترجع تفاصيل حياة شقيقه قبل استشهاده منذ 31 عاما، فيقول: في يوم استشهاد أخي كنت قابعا في أسر الاحتلال وكان قد مضى على سجني أربع سنوات، حيث زارني أكرم قبل استشهاده بفترة قصيرة، تحدثنا بأمور الانتفاضة التي كانت في ذلك الحين في أوجهها، أوصيته أن ينتبه إلى نفسه، وعندما اقتربت الزيارة من نهاية موعدها، قال لي بدك إشي يا أخوي مني، قلت له سلامتك ، فقال إن شاء الله بنتلاقى أنا وإياك، وكأنه كان يودعني".
ويضيف: كان الشهيد أكرم الطالب في الثانوية العامة من الشباب النشيطين داخل البلد، على مستوى التنظيم المحلي، متفوقا في دراسته، من النشطاء الميدانيين والفاعلين في حركة فتح، وأحد لاعبي فريق كرة القدم في نادي شويكة الرياضي، تميز بروح شبابية، جعلت الناس يجدون فيه روح الطيبة والبساطة".
" أكرم كان محبوبا عند الجميع، فعلى مستوى الأسرة وكنا 6 أخوة وشقيقتان، كان هو المميز بيننا عند والديّ اللذين فارقا الحياة بعد رحلة أمراض مزمنة أصابتهما حزنا على استشهاد أكرم الذي كان يطاوعهما في كل أمر، ويلبي لهما كل مطالبهما على عكسنا نحن الأخوة" ويكمل.
ويقول: من شدة حزن والدتي على فراق أكرم، مرضت مباشرة بالسكري، ووالدي بالمثل مما أثر ومع مرور السنوات على نظره حتى فقده كليا، ففارق الحياة في العام 2006، فيما توفت أمي عام 2016".
ويرى عمر أن شقيقه الشهيد ومنذ صغره كان حكيما وصاحب قرار، يحب العمل والاجتهاد والمبادرة، يتعامل مع كل الفئات والأحداث بعقلية واعية، توحي بأنه أكبر من عمره، كان بالنسبة له ليس أخا فقط رغم فارق السن بينهما، وإنما صديق مقرب يشاركه قراراته، حتى أن الكثير ممن أحبوه قاموا بتسمية أبنائهم باسم "أكرم" تيمنا به وحبا له.
ورغم مرور (31 عاما) على استشهاد أكرم، إلا أن صورته وذكرياته لم تفارق شقيقه الأكبر عمر، ففي كل زاوية في المنزل يراه فيها، ويقول: كل ركن في البيت يذكرنا به، ذكراه ليست فقط في يوم الأرض، وإنما في كل وقت ومناسبة نراه معنا، وعندما يستصعب علي أمر أتمنى استشارة اثنين هما والدي ومن ثم أكرم رحمهما الله".