المشي بين حقول الألغام
إسراء غوراني
بين حقول الألغام تنشط مجموعات شبابية برحلات السير على الأقدام بضعة كيلو مترات من قرية عين البيضاء في الأغوار الشمالية باتجاه عين الساكوت، حيث التنوع الحيوي والطبيعة الخلابة التي يهددها خطر الاستيطان والاستيلاء، غير آبهين بخطر حقول الألغام التي زرعها الاحتلال الإسرائيلي داخل أراضيهم منذ العام 1967.
المناطق المزروعة بالألغام في الأغوار الفلسطينية قريبة جدا من منازل المواطنين، كما في منطقة واد المالح، التي حول الاحتلال أكثر من 70% من أراضيها إلى حقول ألغام ومناطق مناورات ورماية عسكرية، في وقت تسيطر قوات الاحتلال على عيون الماء المنتشرة فيها، كونها تقع على ثاني أكبر حوض مياه في مناطق الضفة الغربية، وتحيلها إلى مستوطنتي "ميحولا" و"مسكيوت".
حقول الألغام هذه تشكل خطرا حقيقيا على حياة الأهالي، لا سيما أن قوات الاحتلال لا تلتزم بأية قوانين أو أعراف دولية، من تلك التي تحظر عسكرة المناطق السكنية والزراعية، وتحويلها إلى مناطق ملغومة.
عبد الرحمن تيم شاب في مقتبل العمر يحرص على المشاركة في المسارات البيئية في مختلف المناطق، ويعتبر الأغوار الشمالية من أجمل المناطق التي زارها من حيث طبيعتها الخلابة ومواردها المائية، قائلا: كنا نسمع عن هذه المناطق ولا نراها والكثير منها أيضا لم نكن نسمع بها أصلا، ومن هنا تأتي أهمية هذه المسارات التي تعرّف المواطنين على وطنهم، خاصة المناطق المهددة بالاستيطان والاستيلاء.
وفي السياق، يشير مدير عام التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة أيمن أبو ظاهر إلى أهمية المسارات البيئية إلى كافة مناطق فلسطين بشكل عام، ومناطق الأغوار بشكل خاص، باعتبارها من المناطق التي يتهددها خطر الاستيطان والاستيلاء باستمرار، حيث يتم العمل من خلال هذه المسارات على تكريس التواجد الفلسطيني في المناطق المهددة، للحيلولة دون مطامع الاحتلال بها، ولعدم ترك قاطنيها وحيدين في مواجهة الاستيطان.
"مناطق الأغوار تمتد من شمال البحر الميت وحتى ما بعد بيسان، وهي غنية جدا بالتنوع الحيوي، فهناك أنواع متعددة جدا في النباتات والحيوانات والطيور، وممرا للطيور المهاجرة وبيئة حاضنة لأنواع كثيرة من الطيور المقيمة، وذات أهمية كبيرة بالموارد المائية، فهي تحتوي على عيون الماء، والعديد من الينابيع التي هي امتداد للضفاف النهرية التي تنتمي للحوض المائي الشرقي، مثل: عين الساكوت، وعين البيضا، وعين المالح" يضيف أبو ظاهر.
ويقول: إن هذه المسارات هي رسالة للأجيال القادمة وترسيخ مفاهيم للأجيال الحالية بأن هذه الأراضي ليست أراض قاحلة ومهجورة كما يدعي الاحتلال، وإنما هي أراض غنية وخصبة وهناك من يزرعها ويتواجد فيها، وهذه المسارات تعيق مطامع الاحتلال في المنطقة، فقبل أربع سنوات كانت منطقة الساكوت ممنوعة بالكامل على الفلسطينيين، ولكن اليوم لا تخلو المنطقة من المستجمين الذين يعززون صمود الأهالي بتواجدهم في المنطقة.
أنور حمام منسق مجموعة "امشي تعرف على بلدك" التي انطلقت عام 2012 يقول: إن "فكرة تأسيس مجموعة للمسارات جاءت بهدف التعرف على مختلف مناطق فلسطين، خاصة بعد خروجنا من الانتفاضة الثانية التي فرض الاحتلال خلالها قيودا كبيرة على الحركة، وهذا الفريق جاء ليؤكد حقه في الحركة فوق الأرض الفلسطينية".
ويتابع: مسارات المشي لها عدة أهداف ثقافية ووطنية، كما أنها تعتبر حركة اجتماعية لتعريف المواطنين على وطنهم من خلال زيارة كافة مناطقه، كما أن لهذه المجموعات هدفا بيئيا من خلال التوعية بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية والينابيع.
وينوه إلى أنه اختيار المناطق لزيارتها في المسارات يتم بناء على عدة معايير، منها: العامل الموسمي ففي فصل الشتاء يتم زيارة المناطق الحارة، وفي الصيف يتم زيارة المناطق الباردة، كما يتم التركيز على المناطق التي يصعب الوصول إليها والمهددة بالاستيطان، مثل: عين الساكوت التي لم تكن معروفة سوى لأهالي قرى الأغوار المحيطة بها، بينما هي اليوم معروفة على مستوى الوطن بسبب زيارتها وتسليط الضوء عليها من خلال المسارات.
ويوضح، "المشاركون في المسارات يتعرضون للعديد من الاعتداءات من المستوطنين وجنود الاحتلال، فخلال السنة الماضية تعرض المشاركون لاعتداء من المستوطنين في منطقة الساكوت، كما عمل الجنود على احتجاز المشاركين بحجة دخول أراضي المستوطنين، علما أن هذه الأراضي للأهالي وقام المستوطنون بالاستيلاء عليها، ولكن هذا لم يمنع من الاستمرار بتنظيم المسارات في المنطقة، فمجموعتنا تنظم خمسة مسارات سنويا في الأغوار الشمالية، عدا عن المجموعات الأخرى التي تنظم مسارات مشابهة في المنطقة".
من جهتها، أشارت منسقة مجموعة "رحلتنا" للمسارات كوثر أبو طه إلى أن مناطق الأغوار الشمالية ومحافظة طوباس من أهم المناطق التي يحرصون على زيارتها كونها سلة فلسطين الزراعية، كما أنها من المناطق المهددة بالاستيطان.
وتتابع: المجموعة تنفذ مسارات باستمرار على المناطق المهددة، مثل: خربة سلحب، وخربة ابزيق، وغيرها من مناطق الأغوار، على أساس أن هذه المناطق هي أرضنا، ومن حقنا المشي فيها، ولا يحق لأي كيان منعنا من التواجد فيها".
"وفكرة التجول سيرا على الأقدام بحد ذاتها تخلق حالة من الانتماء لدى الأجيال الشابة لأرضهم، ووطنهم، وتعمق شعورهم بالأرض، وبالتالي تحول دون تحقيق مطامع الاحتلال" تضيف أبو طه.
ووفقا للناشط الحقوقي عارف دراغمة، فإن سبعة مواطنين قد استشهدوا خلال الخمس سنوات الأخيرة، وأصيب 16 مواطنا جراء انفجار ألغام في عدة مناطق من الأغوار الفلسطينية (الشمالية، والوسطى، والجنوبية)، كما أدت الانفجارات لنفوق العديد من رؤوس الماشية.
وأضاف أن عدد حقول الألغام في الأغوار ككل يبلغ 19 حقلا ما بين حقل مركزي وثانوي، زرعتها سلطات الاحتلال بعد العام 1967 على طول الحدود بين الضفتين الشرقية والغربية، وتمتد على مساحة عشرة آلاف دونم.