الأرض مكسورة وسواعد الشباب مغلولة
عميد شحادة
سقط الشاب العشريني أحمد نصر من جنين في بئر من الإحباط لا قاع لها، بعد اكتشافه أن كل الأبواب التي طرقها لتحقيق حلمه في الاستثمار الزراعي مغلقة، خلافا لكل الحكماء الذين يشورون على الشباب العاطل عن العمل بالتوجه إلى عمل متاح وميسر وهو الزراعة، بدلا من الجلوس في انتظار وظيفة مرموقة أو منصب رفيع.
يقول أحمد مبتسما وقد مد ذراعه على طولها مشيرا إلى مساحة خضراء واسعة حوله: "تخيل كل هذا السهل، سهل عجة وسهول عرابة وصانور لا يوجد بها جمعية زراعة واحدة قادرة على توفير جرار زراعي أو مرش أدوية وأسمدة. نحن الشباب كيف سنفكر بالزراعة عندما نجد كل هذه المعيقات أمامنا"، وأخذ قسطا من الصمت ثم عقد حاجبيه وتابع "أنا أشعر أن السياسة التي تتبعها وزارة الزراعة مفادها لا تزرع".
ويرد وجدي بشارات مدير الزراعة في محافظة جنين بالإشارة إلى استعداد الوزارة لمد يد العون لكل الشباب، من حيث المساعدة في وضع دراسات الجدوى الاقتصادية لأي مشروع، أو الإرشاد فيما يخص جهات مؤسسات التمويل إذا كانت الحكومة لا تمول.
إذا، لم يوفق نصر في تغيير الصورة المختزلة في عقول الناس منذ زمن بعيد بأن المزارع هو رجل كبير في السن، ظهره مكسور ويتكئ على عصى، وهذا ما أكده الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تعداده الزراعي لعام 2010، حيث ذكرت النتائج أن هناك 110.104 حائزا زراعيا في الأراضي الفلسطينية، 52.1% منهم تتراوح أعارهم بين 40_59 سنة. والحائز الزراعي باختصار هو صاحب أو مالك المصلحة الزراعية.
وتحدث بشارات عن هذه النقطة بقوله "هناك بُعد واضح للشباب ذكورا وإناثا عن الزراعة".
يتسائل أحمد "كل يوم أُشاهد إعلانا عن شراء سيارة أو ثلاجة بالتقسيط، لكن لم أسمع أو أرى أي إعلان عن قرض زراعي بالتقسيط، لماذا؟".
قال ذلك بينما كان يقف في السهل الأحمر ذي اللباس الأخضر ورائحة التراب المشبع بالماء تملأ المكان، فيما الشمس تقاتل لتصل التراب عبر فراغات القمح المزروع.
بشارات ينصح أحمد بأن لا ينتظر أحد ليعطيه فرصة، لأنه يعتقد أن الشاب هو الذي يخلق لنفسه فرص الاستيعاب من باب أن "الصلاحيات لا تمنح، بل تُنتزع انتزاع".
الحالم الزراعي أحمد نصر ليس ككل الشباب، فهو يمثل حالة نادرة بتفكيره في الزراعة وإيمانه بمردودها، في حين أن أقرانه يملؤون المقاهي بأجسادهم الفتية، أيديهم لم تلمس التراب بل لمست النرجيلة وأوراق اللعب.
يقول أحد رواد المقاهي في جنين "لدينا أرض ولا أفكر بزراعتها، أُفكر بأشياء أخرى.أشياء أخرى فحسب"، فيما أكد زميله بالمقهى "بالنسبة لي لن أعود للزراعة أبدا"، قالها بصوت عالٍ، يبدو أنه خاف ألا تصل رسالته من ضجيج المقهى فرفع صوته، كان قد زرع وترك الزراعة بعد تجربة مريرة في كسب الرزق من التراب.
هؤلاء الشباب هم الذين وصفهم بشارات بالمتقاعسين حين قال: "الشباب الفلسطيني لا يحب العمل بالزراعة، ولا يريد سوى وظيفة تُدر عليه دخلا شهريا ثابتا".
ونصح أحمد من هم في سنه بأن يعيدوا النظر في وجهات نظرهم، ومن حقل القمح وجه لهم رسالة قال فيها "لو كانت الزراعة مشروعا خاسرا لتركتها أميركا قبلنا".
أربعون ألف خريج سنويا، أكثر من 82% منهم لا يعملون، حسب تصريحات وزير العمل أحمد مجدلاني في تقرير نشرته وفا، فيما الأرض مكسورة، دواؤها السواعد والجباه السمراء الفتية، الحاضرة الغائبة.
وتحتل محافظة جنين -البلد التي تمرمغ أحمد بترابها منذ كان طفلا كونَ والده مزارع- أكبر مساحة مزروعة في الأراضي الفلسطينية، إذ شَكَلت 19.4% من أجمالي المساحة المزروعة البالغة 957.170 دونما، يليها محافظتي الخليل ثم نابلس.
في المساء تغطس الشمس خلف السهل في حضن الجبال، وتزداد اقترابا من الأرض، كأنها تحتج على هجران الشباب للزرع، أما أحمد فيغطس في حلمه الذي لم يجد له تربة خصبة في مؤسسات بلده، مرغما على حرق مزيد من الوقت في البحث عن فرصة تحبلُ الأرضُ فيها من يديه.
يقول أحمد وهو يجلس قرب النار وقد مد يديه باتجاهها هربا من برد الليل، وقد نامت الشمس واستيقظت العتمة "أنا لم أتكلم إليكم كي أتسول أو أستعطف أحدا، سأستغل أقرب فرصة وأستثمر بالزراعة التي أعشق"، ولوّحت يداه بإشارة تعني "انتهى الكلام".
سقط الشاب العشريني أحمد نصر من جنين في بئر من الإحباط لا قاع لها، بعد اكتشافه أن كل الأبواب التي طرقها لتحقيق حلمه في الاستثمار الزراعي مغلقة، خلافا لكل الحكماء الذين يشورون على الشباب العاطل عن العمل بالتوجه إلى عمل متاح وميسر وهو الزراعة، بدلا من الجلوس في انتظار وظيفة مرموقة أو منصب رفيع.
يقول أحمد مبتسما وقد مد ذراعه على طولها مشيرا إلى مساحة خضراء واسعة حوله: "تخيل كل هذا السهل، سهل عجة وسهول عرابة وصانور لا يوجد بها جمعية زراعة واحدة قادرة على توفير جرار زراعي أو مرش أدوية وأسمدة. نحن الشباب كيف سنفكر بالزراعة عندما نجد كل هذه المعيقات أمامنا"، وأخذ قسطا من الصمت ثم عقد حاجبيه وتابع "أنا أشعر أن السياسة التي تتبعها وزارة الزراعة مفادها لا تزرع".
ويرد وجدي بشارات مدير الزراعة في محافظة جنين بالإشارة إلى استعداد الوزارة لمد يد العون لكل الشباب، من حيث المساعدة في وضع دراسات الجدوى الاقتصادية لأي مشروع، أو الإرشاد فيما يخص جهات مؤسسات التمويل إذا كانت الحكومة لا تمول.
إذا، لم يوفق نصر في تغيير الصورة المختزلة في عقول الناس منذ زمن بعيد بأن المزارع هو رجل كبير في السن، ظهره مكسور ويتكئ على عصى، وهذا ما أكده الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تعداده الزراعي لعام 2010، حيث ذكرت النتائج أن هناك 110.104 حائزا زراعيا في الأراضي الفلسطينية، 52.1% منهم تتراوح أعارهم بين 40_59 سنة. والحائز الزراعي باختصار هو صاحب أو مالك المصلحة الزراعية.
وتحدث بشارات عن هذه النقطة بقوله "هناك بُعد واضح للشباب ذكورا وإناثا عن الزراعة".
يتسائل أحمد "كل يوم أُشاهد إعلانا عن شراء سيارة أو ثلاجة بالتقسيط، لكن لم أسمع أو أرى أي إعلان عن قرض زراعي بالتقسيط، لماذا؟".
قال ذلك بينما كان يقف في السهل الأحمر ذي اللباس الأخضر ورائحة التراب المشبع بالماء تملأ المكان، فيما الشمس تقاتل لتصل التراب عبر فراغات القمح المزروع.
بشارات ينصح أحمد بأن لا ينتظر أحد ليعطيه فرصة، لأنه يعتقد أن الشاب هو الذي يخلق لنفسه فرص الاستيعاب من باب أن "الصلاحيات لا تمنح، بل تُنتزع انتزاع".
الحالم الزراعي أحمد نصر ليس ككل الشباب، فهو يمثل حالة نادرة بتفكيره في الزراعة وإيمانه بمردودها، في حين أن أقرانه يملؤون المقاهي بأجسادهم الفتية، أيديهم لم تلمس التراب بل لمست النرجيلة وأوراق اللعب.
يقول أحد رواد المقاهي في جنين "لدينا أرض ولا أفكر بزراعتها، أُفكر بأشياء أخرى.أشياء أخرى فحسب"، فيما أكد زميله بالمقهى "بالنسبة لي لن أعود للزراعة أبدا"، قالها بصوت عالٍ، يبدو أنه خاف ألا تصل رسالته من ضجيج المقهى فرفع صوته، كان قد زرع وترك الزراعة بعد تجربة مريرة في كسب الرزق من التراب.
هؤلاء الشباب هم الذين وصفهم بشارات بالمتقاعسين حين قال: "الشباب الفلسطيني لا يحب العمل بالزراعة، ولا يريد سوى وظيفة تُدر عليه دخلا شهريا ثابتا".
ونصح أحمد من هم في سنه بأن يعيدوا النظر في وجهات نظرهم، ومن حقل القمح وجه لهم رسالة قال فيها "لو كانت الزراعة مشروعا خاسرا لتركتها أميركا قبلنا".
أربعون ألف خريج سنويا، أكثر من 82% منهم لا يعملون، حسب تصريحات وزير العمل أحمد مجدلاني في تقرير نشرته وفا، فيما الأرض مكسورة، دواؤها السواعد والجباه السمراء الفتية، الحاضرة الغائبة.
وتحتل محافظة جنين -البلد التي تمرمغ أحمد بترابها منذ كان طفلا كونَ والده مزارع- أكبر مساحة مزروعة في الأراضي الفلسطينية، إذ شَكَلت 19.4% من أجمالي المساحة المزروعة البالغة 957.170 دونما، يليها محافظتي الخليل ثم نابلس.
في المساء تغطس الشمس خلف السهل في حضن الجبال، وتزداد اقترابا من الأرض، كأنها تحتج على هجران الشباب للزرع، أما أحمد فيغطس في حلمه الذي لم يجد له تربة خصبة في مؤسسات بلده، مرغما على حرق مزيد من الوقت في البحث عن فرصة تحبلُ الأرضُ فيها من يديه.
يقول أحمد وهو يجلس قرب النار وقد مد يديه باتجاهها هربا من برد الليل، وقد نامت الشمس واستيقظت العتمة "أنا لم أتكلم إليكم كي أتسول أو أستعطف أحدا، سأستغل أقرب فرصة وأستثمر بالزراعة التي أعشق"، ولوّحت يداه بإشارة تعني "انتهى الكلام".