شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات    مجزرة جديدة: عشرات الشهداء والجرحى في قصف للاحتلال على مشروع بيت لاهيا    3 شهداء بينهم لاعب رياضي في قصف الاحتلال حي الشجاعية وشمال القطاع    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي الصبرة جنوب مدينة غزة    لازريني: مجاعة محتملة شمال غزة وإسرائيل تستخدم الجوع كسلاح    شهيدان جراء قصف الاحتلال موقعا في قرية الشهداء جنوب جنين    الاحتلال يواصل عدوانه على بلدة قباطية جنوب جنين    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف منازل ومرافق في النصيرات وخان يونس    إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا  

إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا

الآن

ايام الراديو

يامن نوباني

تبدلت تقنيات وموضات كثيرة عبر الزمن، إلا أن الراديو يعد أكثر الأشياء احتفاظا بمكانته ومحبيه. حنينهم إلى ندرته ومضامينه، ودوره السياسي والثقافي والاجتماعي والديني والرياضي والترفيهي والفني والاعلاني، الوسيلة الأبرز لنقل الأخبار والأحداث.

شكل الراديو وسيلة معرفة وتواصل وتطور تكنولوجي بارزة في بدايات القرن التاسع عشر، خاصة في الحروب، كما كان له دور بارز في حياة أجيال من الناس العاديين والمثقفين في منتصف القرن الفائت، قبل أن تحل في السنوات الأخيرة وسائل اتصالية وترفيهية ومعرفية وعلمية كثيرة، أبرزها التلفاز وشبكة الانترنت.

في فلسطين، امتلك الراديو خاصية فهو من ناحية تنقل بين الأجيال، وتجمعت حوله عائلات وأحياء وربما بلدات، وتهجر من مع أصحابه من أراضيهم عام النكبة، وكان حلقة الوصل بين الذين صمدوا في مدنهم وقراهم وأقاربهم الذين تهجروا وتشتتوا في البلدان القريبة أو انتقلوا إلى حدود عام 1967.

حنين لاختراع عبقري

الكاتب المقدسي ابراهيم جوهر المولود عام 1957 في بلدة جبل المكبر بمدينة القدس يقول لـ"وفا": تعود علاقتي بالراديو إلى بدايات تفتّح الوعي الطفولي، بمعنى الإدراك والمتابعة. أنا شهدت في بيتنا الجهاز الكبير بحجم جهاز التلفاز اليوم وله بطارية ملحقة به بحجم بطارية السيارة... وفي أشهر ما قبل 1967. والأخبار الحماسية والأناشيد التعبوية وصوت العرب من القاهرة كان الراديو غذاءنا اليومي في بيتنا. وبعد الهزيمة المفاجئة تابعت إذاعة الثورة في طفولتي آنذاك وما زلت أعود بالذاكرة الحميمة اليوم حين أستمع لتلك الأغاني والأناشيد التي ربّت في الانتماء من محطات التلفزة الثورية.... بعد أن صارت لنا إذاعة في أريحا قدّمتُ برنامجا بعنوان (مع القصة الفلسطينية) وأعددت منه 22 حلقة... ثم انسحبتُ لأسباب عديدة. الراديو كان وما زال رغم التكنولوجيا المنافسة وسيلة إعلام مطلوبة ومفيدة. اليوم طغت التجارة وانتشرت المحطات المحلية مما يدل على جماهيرية هذا الاختراع العبقري الذي يتميز عن غيره بعدة مميزات... لا أرى أن الراديو سيستغنى عنه في القريب.

الراديو تهجر مع أهلي عام 48

بدوره، الكاتب صافي صافي مواليد عام 1955 في مدينة رام الله، لعائلة مهجرة من اللد، يروي لـ"وفا": اليوم استمع للراديو في السيارة أثناء الذهاب إلى العمل والرجوع إلى البيت، أتابع من خلاله الأغاني خاصة الصباحية، والبرامج السياسية والاجتماعية حسب ما هو متوفر. أحياناً استمع للراديو، أثناء المشي/ الرياضة/ على الموبايل، لكن ممكن أن تكون وقتها البرامج غير جدية أو فكرية مثل الموسيقى الهادئة. لا نستمع في البيت للراديو، بل لمحطات التلفزة، خاصة للأخبار، وبعض البرامج منها الرياضة، ولم يعد الراديو هو المصدر الأساس للأغاني أو الأخبار. أحيانا للبحث عن برنامج ما أو أغنية معينة، استمع لها عن طريق يوتيوب

كان عندنا راديو قبل عام 1948، خرج مع أهلي المهجرين قرية بيت نبالا/ اللد، وكان بيتنا محطة لكل أصدقاء أبي للاستماع للأخبار، كان مضافة من الصباح حتى المساء، حتى كان بعض الرجال/ الأقارب وأصدقاء أبي يأتون في ساعات معينة للاستماع للأخبار ثم يذهبون ويعودون ثانية وثالثة، خاصة قبل العام 1967، انتشر الراديو بعد ذلك كثيرا، ظللنا نحتفظ بالراديو وكان طوله يزيد على المتر، ويقف على أربع أرجل مثل قطعة أثرية، استبدلناه براديو جديد في سبعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي انتشر فيه المسجل والأشرطة.

ويضيف: في ستينيات القرن الماضي، اشترى أخي (16 عاما) راديو ترانزستر صغيرا، وكنا نخبئه عن أبينا، ونحمله معنا تحت الزيتون في البراري لنستمع لأغانيه، كان الراديو يعمل على بطارية كبيرة مثل بطارية السيارة، وله هوائي طويل، نمد سلكه حول البيت ثم استبدلنا الراديو القديم بآخر أكثر حداثة في السبعينيات يعمل على البطاريات المتداولة.

كان في قرانا مصلح راديو، يلف على البيوت، معه بعض الأدوات مثل مكوى اللحام، ويحاول التصليح أو يبدل بعض اللمبات، وتعلمنا مع الزمن تصليحه، خاصة ضبط الابرة مع الخيط، الذي يغير المحطات بتغيير المواسعة/ المكثف. وفي أوائل السبعينيات قمت أنا وقريبي بصناعة راديو دون بطارية، وهو عبارة عن انتين/ سلك طويل، وملف صغير من أسلاك النحاس، ودبوس معدني وشفرة (بدل الصمام الكهربائي). كان الراديو يعمل على مدار الساعة، لكن الصوت كان ضعيفاً، لذلك كنت قد ألصقت سماعته (فيها مغناطيس طبعاً) بطرف السري المعدني. في سبعينيات القرن الماضي، في رام الله، كنت تستمع للأغاني بالوقوف أمام المحلات أو في المقاهي.

وفي بيتللو بمدينة رام الله، كان هناك مقهى بسيط من الزينكو، وفيه راديو، كانت المحطات قليلة، منها إذاعة القدس ورام الله/ وصوت العرب، وصوت القاهرة كما أظن، ومحطة إسرائيل التي بدأنا بسماعها بعد العام 67 وقبل الحرب بقليل، من إحدى القفشات ونحن نسكن قرب الإذاعة أن سألنا صديق إن كنا نستمع للإذاعة مباشرة لأننا قريبون منها.

الراديو تكريما للضيف وصوت الثورة 

يقول الكاتب سهيل كيوان المولود عام 1956، في مجد الكروم بالجليل الغربي في مقالة له حول الراديو: كان جهازا ضخما على طاولة مرتفعة في زاوية البيت عُلّقت فيه كلمتان «راديو السعادة»، في بيوت أخرى كان اسم الجهاز نفسه راديو الأمل أو راديو أو لومبيا وحتى المحبة. تحت الطاولة قنينة زجاجية مملوءة بالماء، فيها سلك موصول من الراديو، وفهمت أن هذا يحمي الراديو من البرق، وكانت هناك بطارية مثل بطارية السيارة، لها علاقة في الموضوع، وفوق الراديو قطعة قماش بيضاء مخرّمة عليها تطريزات زرقاء وخضراء، أضافت له هيبة ووقارا، وكان يستغرق وقتا عند بدء تشغيل الجهاز حتى يحمى.

ويتابع: أجمل ما أذكره في العلاقة مع الراديو هو لمة الأسرة قبيل أذان المغرب في الشهر الفضيل حول مائدة الإفطار، والاستماع بخشوع إلى المقرئ الشيخ محمد رفعت أو عبد الباسط ثم أذان المغرب، تليه تواشيح السيد النقشبندي، ثم مسلسل ألف ليلة وليلة كتبها للإذاعة طاهر أبو فاشا.

"كانت مقــدمــــــة موسيقى المسلسل موسيقى روسية وكلـــمات عربية، ثم: بلغـــني أيها الملك السعـــيد ذو الرأي الرشيد», وموسيقى رهيفة جدا على الكمان كأنها خيط حرير يصّاعد في الفضاء، وجواب يوحي بقطرات ماء تتساقط على سطح غدير ممتلئ وصامت في ظلال شجرة بلوط في واد سحيق، بعد عقود عرفت أنها سيمفونية شهرزاد لريمسكي كورساكوف" يضيف كيوان.

ويشير إلى أنه عندما وصل التلفزيون في الستينيات قبيل حرب حزيران، لم يكن التقاط القناة المصرية سهلا، كان معظم رجال القرية يأتون إلى قاعة السينما ليشاهدوا العرض العسكري والأغاني الوطنية وخطاب الرئيس جمال عبد الناصر، وعندما قال المذيع بعد حرب حزيران إن جمال عبد الناصر تنحى كسر أحد رجال الحي الراديو وهو ينتحب…عبد الناصر انتحر عبد الناصر انتحر، وكان على رجال الحي أن يوضحوا له، بأن التنحي هو غير الانتحار.

ويكمل كيوان "يتحول يوم الجمعة إلى حالة من البهجة، فالإذاعات تقدم أفضل ما لديها، يهدي الناس الأغاني لبعضهم البعض، وخصوصا للطلبة المتفوقين، وبرامج تُبث مباشرة مثل على الناصية الذي قدمته آمال فهمي، وحول الأسرة البيضاء، حيث كانت المذيعة سامية صادق تزور المرضى في المستشفيات وأحيانا تفاجئهم بفنان كبير مثل فايزة أحمد أو عبد الحليم أو شادية ونجاة. برامج الصباح المصرية مثل طريق السلامة، وكلمتين وبس للمرحوم فؤاد المهندس، وأغنيات الصباح، الورد جميل، وشباكنا ستايرو حرير، وتمختري وتمايلي يا خيل، وغيرها".

"صوت فلسطين صوت الثورة الفلسطينية من القاهرة، يبث الأمل في الشعب المنكوب، "أنا لن أعيش مشردا، أنا لن أظل مقيدا»، غناء غازي الشرقاوي، و «يا ويل عدو الدار من موكب الأحرار»، لمحمد قنديل، ودع سمائي فسمائي محرقة لفايدة كامل التي كرست فنها للقضايا الوطنية. الأمة عشقت أغنية شادية يا حبيبتي في مصر وكانت تبث أكثر من مرة في اليوم، عاطفية ووطنية...لم أنتظر برنامج "لغتنا الجميلة" لفاروق شوشة، ولكن عندما كنت أسمعه صدفة، أشعر بمتعة في طريقة إلقائه للشعر والطرف الأدبية"يقول كيوان

الإذاعة السورية كانت تصلنا ضعيفة كأنها صوت يوسف من الجب، وأكثر ما كان يهمنا هو نشرة الأخبار لأن توقيتها مختلف فهو على الساعة… والربع، خصوصا عندما تكون أحداث عسكرية، وكان لمارش نشيد القسم قبل نشرة الأخبار رهبة خاصة. كذلك مارش "بغداد يا قلعة الأسود" من إذاعة بغداد.

صوت الثورة الفلسطينية الذي صار يبث من لبنان، وأناشيده أنا صامد صامد، وطالع لك يا عدوي طالع والرسائل المشفرة، وغيرها. كانت اذاعات عربية تبث برامج اجتماعية لفلسطيني أراضي عام 1948، يرسلون من خلاله سلاماتهم إلى أقربائهم المهجرين.

ويضيف كيوان "ترسلني والدتي إلى عجوز مُهجّرة مثلها سكنت في الحي، فأركض إليها لأقول، بتسلم عليكِي إمي وبتقول لك نمر بهديكي السلام. وتكون قد سمعت الخبر من قبل، ولكنها لا تدعني أخرج بدون ملبّسة لاطمئنانها على ابنها".  

"قبل أعوام وجدت على اليوتيوب مونولوجا قديما للفنان عزيز علي من العراق يمتدح فيه الراديو: الراديو ينوّر الأفكار، الراديو يفتّح الأبصار، الراديو ينقل الأخبار، ما دام يفتح الأبصار، ما دام يفضح الأسرار، يعني يضر الاستعمار يحيا الراديو.. إلخ"، ولا بد أن يكون للأرض نصيب، في قريتنا يحكون عن أحد أبناء البلدة أنه باع بضعة دونمات من الأرض يقدر ثمنها اليوم ببضعة ملايين من الدولارات، ليقتني جهاز راديو، وكان إذا جاءه ضيف، يدعوه للجلوس إلى جانب الراديو تكريما له، تفضل والله ما بصير إلا تقعد جنب الراديو" ويستطرد.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024