الأسير المنسي
إيهاب الريماوي
كانت المواجهة على أشدها في مخيم الفارعة جنوب طوباس بين الشبان وجنود الاحتلال الإسرائيلي في العام 1992، يوم استشهد الشاب سعيد خليل، واعتقل ابن عمته إياد جبران خليل.
وضع إياد فوق جثة ابن عمته معصوب العينين حتى وصلوا به إلى معتقل قرب مدينة جنين، حيث أمضى
ثلاث سنوات في الأسر، وطيلة هذه المدة كان يعاني من وضع نفسي وصحي سيئ نتيجة ما تعرض له خلال اعتقاله وإعدام سعيد أمام عينيه.
في الحادي عشر من آذار/ مارس 2006، أحاط العشرات من عناصر القوات الخاصة الاسرائيلية بمنزل جبران خليل في قرية المزرعة الغربية شمال رام الله، وعبر مكبرات الصوت طلبوا من نجله محمد أن يسلم نفسه، وتم اعتقاله، وبعد عدة سنوات من أسره حكم بالسجن المؤبد و25 عاماً.
عمل محمد قبل اعتقاله عاملاً في ورش البناء، وكان مهتما جداً بالمحافظة على لياقة جسمه، حيث كان يواظب على التدريب في نوادي كمال الأجسام، وكان يتمتع بجسم صلب.
"كان يدي اليمنى، وبعد أن تقدمت في العمر، أصبحت اعتمد عليه في كل شيء، كان الجدار الذي اسند ظهري إليه، ورغم أن لديّ 5 غيره، إلا أنه الأقرب"، يقول والده جبران.
عائلة جبران انتقلت من مخيم الفارعة إلى المزرعة الغربية عام 2003، وقبل ذلك كانت تسكن في مخيم عقبة الجبر بمدينة أريحا، وسابقاً في قرية صفا غرب رام الله، وعلى بعد مسافة قصيرة تنحدر العائلة من قرية البرية بداخل أراضي 48، حيث هجرت من هناك.
بعد نحو عامين من اعتقال محمد، داهمت وحدات القمع الاسرائيلية سجن "جلبوع"، واعتدت بوحشية على الأسرى، عزل على اثرها بعض الأسرى وكان محمد من بينهم، وتعرض للضرب المبرح في كافة أنحاء جسده خاصة منطقة الرأس، ومكث في المستشفى 6 أشهر.
منذ ذلك الوقت يعزل محمد في زنازين "جلبوع"، الأمر الذي سبب تدهوراً حاداً في صحته الجسدية والنفسية، كما يرفض الاحتلال نقله للعلاج في المستشفيات، وهو مطلب ناشدت به عائلته منذ عدة سنوات.
"محمد يعاني وضعاً نفسياً صعباً، وفي كل زيارة يتضح الأمر أكثر، في آخر مرة قال لي: إنه جهز ملابسه وأغراضه، وسيعود معي إلي البيت" يقول والده.
والده يؤكد بأن الضرب الشديد الذي تعرض له محمد سبب له هذه الحالة، حيث أصبح مزاجه سيئا وعصبيا بشكل غير معقول، وكثيراً ما يتعارك مع السجانين، ورغم أنه بحاجة للعلاج إلا أن إدارة سجون الاحتلال ترفض ذلك.
تنقل محمد في زنازين عدة سجون منذ اعتقاله، مثل: "ريمون"، "وايشل"، و"النقب"، و"عسقلان"، وأخيراً في زنازين "جلبوع" حيث تراقبه ثلاث كاميرات، ويحتجز في غرف ضيقة عفنة مليئة بالرطوبة والروائح الكريهة، ومعدومة الاحتياجات والأغطية والمنافع والتهوية.
قبل فترة زاره أطباء من الصليب الأحمر من أجل الاطلاع على وضعه الصحي، حيث تبين أنه بحاجة إلى علاج نفسي ومتابعة حثيثة، الأمر الذي يتطلب الافراج الفوري عنه.
وترفض سلطات الاحتلال الافراج عنه رغم وضعه الصحي، حيث يمتنع محمد في كثير من الأحيان عن تناول الدواء الذي سبب له سمنة مفرطة، كما رفض الاحتلال إدراجه في صفقة التبادل الأخيرة، أو حتى إبعاده إلى قطاع غزة.
توفيت والدته عام 2010 بعد شهرين من زيارتها له، نتيجة إصابتها بالسرطان، تم إخباره بوفاتها بعد شهر، الأمر الذي زاد وضعه الصحي سوءا.
اعتقل شقيقه عيسى لمدة عامين عام 2008، وجبران والده اعتقل عام 1968 حينها كان عمره 18 عاماً، واتهمه الاحتلال بإيواء عدد من الفدائيين الذي كانوا قد خاضوا اشتباكاً مسلحاً قرب قرية عين شبلي شرق نابلس.
وقف جبران وسط منزل محمد الذي تستعد العائلة لتجهيزه وتشطيبه، بناء على رغبته، الذي دائماً ما يقول لوالده عندما يزوره: "لم أعد احتمل عتمة السجن، ولا ظلم السجان، أريد أن أخرج، جهزوا البيت، سأتزوج وأبني أسرة".
ووفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين فإن 700 أسير يعانون من أمراض عدة، فيما أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تُمعن بانتهاج سياسة القتل البطيء بحق الأسرى المرضى والجرحى القابعين في عدة معتقلات، وخاصة أسرى معتقل "عيادة الرملة"، فهم يكابدون ألم السجن وجحيم المرض في آن واحد، دون أن يُوفر لهم أدنى المتطلبات العلاجية اللازمة لحالاتهم المرضية الخطيرة.
وبينت الهيئة في تقرير أن عدد الأسرى المرضى القابعين حالياً في "عيادة الرملة" قد وصل إلى 13 أسيراً، ممن يعانون من ظروف صحية واعتقاليه بالغة السوء والصعوبة، وغالبيتهم يعانون من الشلل ويتنقلون على كراسٍ متحركة، وهناك أيضاً من هم مصابون بأمراض مزمنة وأورام خبيثة، ويعتمدون على أسرى آخرين للقيام باحتياجاتهم اليومية.