بين الواقع واللغة
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
فاض رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية "باللغة الهادئة" التي لم تعرفها حماس قبل هذا اليوم، وكنا سنصفق لهذه اللغة لو أنها ذهبت نحو مراجعة نقدية اولا لواقع الانقسام البغيض، ومخاطره الجسيمة على النضال الوطني الفلسطيني، لكن لغة هنية لم تذهب الى ذلك وانما ذهبت للتحليق في فضاء الادعاءات والمناكفات التي لاطائل من ورائها، وصاحبها يعلن انه يريد مواجهة صفقة القرن بهيئة عليا (...!!) الهيئة التي لايفهم منها في المحصلة سوى انها وسيلة اخرى لتحقيق غاية حماس الاستراتيجية، ان تكون بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية، التي لاتراها حماس وفقا لغايتها هذه ممثلا للكل الوطني، بدلالة رفضها التوقيع على بيان لقاء موسكو الذي تضمن الاشارة الى منظمة التحرير بكونها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني ..!! ذاكرتنا ليست ذاكرة سمكة، واللغة مهما بلغ هدوؤها ليس بوسعها ان تمرر الخديعة، حتى لو استخدمت العبارات ذاتها التي تنطوي عليها اللغة الوطنية في هذا الشأن.
عام ونصف العام تقريبا مر على مواجهة الشرعية الفلسطينية لصفقة ترامب الصهيونية، منذ ان اعلن الرئيس ابو مازن رفض فلسطين المطلق لها، ومازالت المواجهة محتدمة، ومنذ لحظة المواجهة الاولى، دعا الرئيس ابو مازن الكل الوطني لمواجهة شاملة لهذه الصفقة بالوحدة الوطنية التي تنهي الانقسام البغيض اولا وقبل كل شيء، لأن هذا الانقسام هو ما يجعل من صفقة ترامب الصهيونية ممكنة، لا بل انه اليوم ما يجعل لهذه الصفقة قدمين تسير بهما نحو ما تستهدف تحقيقه من تدمير للمشروع الوطني الفلسطيني التحرري، المشروع الذي قاتلته حماس منذ نشأتها، وما زالت تقاتله برفضها الامتثال لشروط المصالحة الوطنية حتى التي وقعت عليها فيما انجز الحوار الوطني بالرعاية المصرية من اتفاقات، وكان آخرها وأصوبها اتفاق عام 2017 .
والهيئة العليا التي تريدها حماس هي على نحو ما، رسالة حمساوية اخرى لصفقة ترامب الصهيونية، رسالة تريد ان تقول ان موقف الشرعية الفلسطينية من هذه الصفقة، لن يكون قدرا فلسطينيا، وانه بالإمكان ضرب هذا الموقف بالاصطفاف الذي تريد حماس تحقيقه عبر هيئة عليا، هي اقرب ما تكون للجنة، ونعرف ان من يريد تخريب امر ما، عليه ان يشكل لجنة له ..!!! لامناص من هذه الرؤية طالما يظل الانقسام البغيض قائما، وطالما تظل حماس ساعية نحو تكريسه، وهي اليوم بانتظار ردود اسرائيل الإيجابية بشأن تفاهمات التهدئة، ولا ندري كيف يمكن مواجهة صفقة ترامب، مع هذه التفاهمات التي لاتسعى لغير تكريس انفصال غزة عن الضفة، الانفصال الذي يغذيه نتنياهو كونه مصدر سعادة له ولإسرائيل الاحتلال والاستيطان كما أعلن ذلك بمنتهى الوضوح، ولأنه كذلك يبقي نتنياهو الصراف الآلي سيالا بالمال نحو خزائن حماس وحساباتها...!!
موقف واحد فقط لو تضمنته لغة هنية الهادئة لكان حتما ان نصفق لها، الذهاب الى تطبيق اتفاق 2017 وانهاء الانقسام فورا، وحكومة الكل الوطني حاضرة في حكومة د.اشتية، كي تستلم مهامها كافة في قطاع غزة المكلوم، وتبدأ بالتحضير للانتخابات الشاملة، غير ان هذا الموقف غاب عن لغة هنية الملساء اكثر من كونها هادئة ...!! ولأنها كذلك ومثلما يقول المثل الشعبي "حط بالخرج " وكنا لانود ذلك ابدا .