دم مقهور
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
أفجعتنا جريمة قتل الطفل محمود أبو شقفة، الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره، الذي كان ولا شكيلثغ بلغة الحليب، وهو يحاول النجاة من بين أيدي القاتل الذي افترسه بوحشية لا تعرفها الآدمية مطلقا..!
لاينبغي لنا أن نغض الطرف عن هذه الجريمة البشعة التي نعرف انها ممكن ان تحدث في اي مجتمع وفي اي مكان لكنها ان تكون في قطاع غزة المكلوم فهذا ما يستدعي مساءلة صناع بيئة العنف والكراهية هناك، الذين أكثروا من القمع وخطب التكفير من على منابر صلاة الجمعة، وهم يحلقون في فضاء الشعارات البلاغية الفارغة حتى غابوا عن الواقع تماما، فثمة تقارير موثقة من قطاع غزة المكلوم تتحدث عن رواج مروع لآفة المخدرات، وعن ترديات ومظالم لا وصف لها جعلت من جميل عبد النبي وهو أحد أبرز كوادر الجهاد الإسلامي سابقا، يكتب شهادة للتاريخ قارن فيها بين فتح وحماس، مستخدمًا وصف حماس لفتح بأنها "فاسدة" فيقول "لم نسمع لفتح "الفاسدة" ان لها مستشفيات خاصة مجهزة بأحدث المعدات واللوازم الطبية، بينما يتم تهميش المستشفيات الحكومية الخاضعة للتأمين الصحي كي يضطر المواطن المسحوق ان يدفع قبل ان يتم علاجه، رغم وجود تأمين صحي كما هو حال حزب حكومتنا الدينية، ولم نسمع ان لفتح "الفاسدة" متنزهات خاصة مقامة على أراض حكومية، يدفع الزائرون رسوم دخولها بينما يتم إلغاء أو الاستيلاء على المتنزهات العامة المجانية، بحجة بناء مسجد لاتفصله عن مسجد مقام مسبقا مسافة 100 متر كما فعل المتدينون في المتنزهات العامة القليلة التي لم يبق منها مثلا في شمال غزة أي أثر، ولم نسمع أن لفتح "الفاسدة" اقتصادا خاصا ينافس المواطنين المقتدرين حتى حولهم إلى متسولين وأرباب سجون كما يفعل الحكام الشيوخ هنا في غزة، ولم نسمع أن لفتح أذرعا أمنية موازية لأجهزة السلطة، تشارك وقت الحاجة في قمع المحتجين ثم تتهمهم بالخيانة والعمالة لمجرد أنهم قالوا إنهم جوعى، كما أن للحزب المتدين هناأذرعا لاتستطيع التمييز بينها وبين الأذرع الحكومية" ...!!
شهادة عبد النبي هذه وحدها كافية لكي نعرف أية منظومة اخلاقية تنتج حركة حماس غير المنظومة الخربة التي تضرب أنبل القيم الاجتماعية لتجعل من الجريمة البشعة ممكنة..!!!
بإنسانية الموقف الوطني والاجتماعي نحن اليوم جميعا أولياء دم هذا الطفل المغدور وإنزال القصاص العادل بالمجرم القاتل، لن يكون كافيا لإغلاق ملف هذه الجريمة البشعة، إذ لابد من معالجة أشمل وأعمق تلاحق المسببات الأساسية وتحاكم صناع هذا الواقع في قطاع غزة، بعد أن اصابوه بلوثة الفتاوى الحزبية وسياساتها القمعية، والتيأحالته الى اقطاعية تنهب ما فيه من ثروات وإمكانيات ليس إلا..!!