الأغوار...عمال يعايشون الخوف
الحارث الحصني
في المنطقة المترامية في الجانب الغربي للحدود الشرقية للضفة الغربية، تبدو المساحات الواسعة الممتدة واحدة من المناطق التي توفر فيها فرص عملٍ للمواطنين منذ سنين.
وتحتاج هذه المساحات في الشريط الشرقي للعمل فيها طوال العام، لاستمرارية الحياة في منطقة يتخذ سكانها العمل بتعدد أشكاله ثابتا من ثوابت البقاء فيها.
ويعتبر العمل في الأرض واحدة من أكثر المهن التي تأخذ منحى الانتظام في عدة مناطق بالأغوار الشمالية، كزراعتها حسب طرق وأساليب حديثة في ريها وتجهيزها بمعدات زراعية، أو موسمية كزراعتها بمحاصيل بعلية بأساليب روتينية يُستفاد منها لاحقا في إطعام الماشية، وتجارة القش، والحبوب.
أو يتعدى الأمر لأن يكون ممارسة مهنة الرعي في الجبال المفتوحة بالأغوار الشمالية، وهي مهنة متواترة عبر الأجيال الفلسطينية القديمة، مستمرة حتى هذه الأيام.
لكن يصبح العمل في تلك المساحات الخُضرية من الأمور التي تقع في دائرة الخطر في واحدة من أكثر المناطق التي يصفها مختصون بأنها ملتهبة، إذا ما كانت تلك المساحات مزروعة بالقرب من تجمعات الاحتلال، أو أماكن تواجد المستوطنين.
خلال العام الجاري اتخذت قوات الاحتلال أراضي مفتوحة بالقرب من تلك المزروعة في منطقتي "الفارسية"، و"أم القبا" بالأغوار الشمالية، مكانا لوضع آلياتها باختلاف أثقالها، للمشاركة في تدريبات عسكرية في المنطقة.
وفي هذه الحالات لا يمكن للفلسطينيين العمل في أراضيهم بشكل طبيعي.
يقول أحمد ضبابات وهو شاب عشريني: "خلال التدريبات لا يمكن لنا الاقتراب لقطف ثمارنا المزروعة في الأراضي القريبة من وجود آليات الاحتلال".
يؤكد ذلك مزارعون آخرون في المنطقة التي تكثر فيها الزراعة بشكليها التقليديين المروي والبعلي.
وبات في السنوات الماضية القليلة، يشاهد على مدار العام أراض مزروعة بالمحاصيل المروية التي يستفيد منها الفلسطينيون بالعمل فيها.
تقول الأرقام في النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2017، بلغ عدد الفلسطينيين (15 سنة فأكثر)، الذي يعملون في طوباس والأغوار الشمالية 15.813 مواطنا من كلا الجنسين.
واقفا عند بداية إحدى قطع الأراضي الزراعية يقول ضبابات، مشيرا بيده إلى امتدادها نحو الجنوب: "هناك كانت تربض دبابات الاحتلال(..)، بجانبها لنا أرض كانت مزروعة بالباذنجان حينها، وأكثر من مرة لم نستطع العمل فيها".
وأضاف وقد كان عائدا للتو من قطف إحدى المحاصيل الزراعية: "عندما تتأخر في قطف محصول ما ليوم واحد، هذا يعني أن يتراكم عليك في اليوم التالي".
لكن ليست الزراعة (المروية) وحدها التي يعاني أصحابها من كل ذلك، فأصحاب المحاصيل البعلية وهي واحدة من الأمور التي تحتاج للعمل فيها خصوصا في أوقات الزراعة والحصاد، يعاني أصحابها انتهاكات كثيرة.
فعندما أراد منصور أبو عامر اقتلاع الأعشاب النابتة في أرضه المزروعة بالحمص قبل أشهر، منعه مستوطنون من العمل فيها، وقال: "الاحتلال والمستوطنون يمنعوننا من العمل في أراضينا".
واختصر ذلك بالقول: "نعمل في دائرة الخوف".
وقال الناشط الحقوقي عارف دراغمة، إن الاحتلال منع الفلسطينيين من العمل في أراضيهم خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من 200 مرة لأسباب تتعلق بالتدريبات وغالبا تتم الاخلاءات، وعمليات الطرد، وغيرها من إجراءات تحول بين المزارعين وأراضيهم.
قبل شهر تقريبا، أراد خيري أبو محسن أن يقطف محصول البازيلاء في منطقة "أم القبا"، لكن تواجد أرتال الدبابات حال دون ذلك.
وتابع الشاب: "لم نستطع العمل في أراضينا غير يومي الجمعة، والسبت، أما باقي الأسبوع فلا نستطيع الوصول بسبب تواجد دبابات الاحتلال، حيث يدعي جيش الاحتلال بأن المنطقة عسكرية مغلقة".
يؤكد ذلك أبو عامر، حين منعه الاحتلال قبل فترة وجيزة من العمل في أرض له (10) دونمات مزروعة بالحمص بحجة أنها أرض عسكرية مغلقة.
أما أبو محسن فقال، إن التأخر في قطف محصوله أدى لتلفه وعدم الاستفادة من بذوره، وتابع، "لم نبع شيئا من الانتاج، اكتفينا بالقش وحولناه لـ "بالات" نطعمها لماشيتنا".
وأضاف، نحو 5 مرات حرمه المستوطنون من ممارسة أعماله اليومية، ويقصد هنا رعي الماشية".
وينظر المواطنون في الأغوار الشمالية إلى أن الرعي واحد من الأعمال اليومية الأساسية التي لا غنى عنها، وأن حرمانهم من ممارسته يؤثر سلبا عليهم، كما قال بعضهم لــ "وفا".
وأكد دراغمة أن تواجد مجموعات المستوطنين يشل حركة المواطنين بشكل عام، ويفشي الخوف بينهم، ووصف الفلسطينيين بقوله: "يصبحون عاطلين عن العمل في ذلك الوقت".
وتنتشر في الأغوار الشمالية سبع معسكرات لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي معسكرات تستخدم للتدريب بالذخيرة الحية، وسبع مستوطنات، وعدد من التجمعات الاستيطانية التي ليس لها أسماء واضحة.
"تواجد الاحتلال في المنطقة بهذا الزخم، أصبح عائقا أمام عمل الفلسطينيين في الأغوار" قال دراغمة.
واليوم، الأول من أيار، يحتفي العالم بيوم العمال العالمي، وهو مناسبة عالمية جاءت في وقت طالب فيه العمال بحقوقهم المشروعة، ورفضهم للظلم الذي كان عليهم.
قال مواطنون من الأغوار لــ "وفا": "نريد أن نعمل في بيئة آمنة، لا نريد العمل تحت الخوف".