حروب التفاهمات المدمرة
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
ترى إلى متى ستستمر "حروب" تفاهمات التهدئة بين اسرائيل وحماس..؟؟ وهل من الضرورة أن يسفك كل هذا الدم الفلسطيني في كل مرة، من أجل "المحسنات البديعية" للتهدئة التي لا تمت لمشروع المقاومة بصلة..؟؟ أيستحق الصراف الآلي من أجل أن يظل سيالا، ومساحة الصيد أن تتسع أكثر في بحر غزة، استشهاد الأجنة في أرحام أمهاتهم، والرضع على صدورهن الرحيمات..؟ أتستحق حقا "المحسنات البديعية" التي تطمح لها قيادة حماس كي تزين بها "تفاهمات التهدئة"، أن تستشهد لنا الفلسطينيات الحوامل، والرضيعات المعلقات بحبل وريد امهاتهن..؟؟ هذه الأسئلة في الواقع الوطني والانساني والأخلاقي، هي أسئلة الشهداء الذين تناثروا أشلاء بين ركام بيوتهم جراء القصف العدواني الاسرائيلي، وهي قبل ذلك اسئلة الرضيعتين الشهيدتين صبا أبو عرار وماريا الغزالي.
"التهدئة" كلها لا تستحق هذا الثمن الفادح، بل ولا تستحق أي ثمن طالما تظل في إطار ما تريد قيادة حماس فيه، من مقومات بقائها على كرسي الحكم في غزة..!! ولهذا وكما اوضح الرئيس أبو مازن فإن قضية التهدئة، لا قيمة لها، ولا فائدة منها، وقد تمنى على حكام غزة أن يفهموا ذلك، وفي هذا التمني الوطني المسؤول، دعوة أخرى لقيادة حماس أن تكف عن مقامرات التصعيد العسكرية، الحالمة بأرباح غير ممكنة، وأن تستلهم الرشد الوطني، لتأتي إلى بيت الشرعية، بيت الوحدة الوطنية، بلا انقسام بغيض، ودون سلطته القمعية التي تتحكم بقطاع غزة المكلوم الذي لن تكف جراحه عن التزايد، طالما ظل الانقسام حاضرا وسلطته قائمة، وطالما ظل الاحتلال الاسرائيلي يرعى هذا الانقسام، تارة بالتسهيلات، وتارة بالتصعيد المدوزن على إيقاع التفاهمات التي لن تبلغ نهاية، قبل ان تعلن قيادة حماس امتثالها المطلق، دون "الأدوات الخشنة" البالونات الحارقة، ووحدات الارباك الليلية (..!!) وبالستر البرتقالية مرة أخرى، وقبل كل ذلك بالطبع دون أية صواريخ حتى بحشواتها الناعمة..!!
لسنا اصحاب قلوب ضعيفة، ولكن صور صبا أبو عرار وماريا الغزالي على طاولة الموت، تقطع نياط قلوب الصخر إن وجدت، كان لصبا نوم بلا أغطية، بثوب ممزق وتحت رأسها قطعة قماش مضمخة بدمها، فيما كان لماريا نوم بشهقة مفجعة، وسواد القذيفة الاسرائيلية، لطخ ثوبها الطفولي، ودمها يسير على وجهها وذراعيها ليشهر حقيقة الجريمة والفاجعة معا، صور هاتين الشهيدتين الآن هي صور الحقيقة الدالة على مدى توحش الاحتلال الاسرائيلي الذي له وفق بيانات العيب الغربية "حق" الدفاع عن النفس بقتل الأطفال والاجنة والرضع..!! مثلما هي الحقيقة الدالة على عبث المقامرات الحمساوية، التي لا بد من ادانتها من الكل الوطني قبل ان تحقق الطامة الكبرى.
لا شيء بوسعه أن يغطي أو يطمس أو يلغي هذه الحقيقة الآن، لا بيانات الشعارات الثورجية، ولا خطابات المكابرة اللغوية، والمداهنات الحزبية، وكل يوم يمر دون ان نضع حدا لهذه المقامرات المدمرة، سيظل يوما يكلفنا المزيد من الضحايا، والمزيد من المعاناة، خاصة لأهلنا في قطاع غزة المكلوم الذين ما زالوا يدفعون ثمن المقامرات الحمساوية، من أبنائهم وبيوتهم التي يلاحقها الطيران الحربي الاسرائيلي عن عمد لتدميرها، كي يدفع بالمزيد من اهلها الى اقسى حلات اللجوء الموجعة.
لن نكف عن المطالبة بوضع حد لكل هذا الوضع المكلف، لأن فلسطين لا تريد غير اتضاح الرؤية في دروب كفاحنا، وبقول كلمة الحق التي تسأل وتسائل، وتراجع وتنتقد وتحاسب، كي لا نتيه في هذه الدروب وننحرف باتجاهات المغالطة، والحسابات الضيقة، وفلسطين لا تريد غير الوحدة الوطنية في هذه الدروب، لأجل انتصار قضيتها المقدسة، وتحقيق كامل أهداف اهلها في الحرية والاستقلال والسيادة، بدولة الحرية والكرامة والعدالة، دولة فلسطين، ودائما وأبداً بعاصمتها القدس الشرقية.