الأوضاع الاقتصادية تلقي بظلالها على أسواق طوباس
إسراء غوراني
يستقبل أهالي طوباس كغيرهم من أبناء المدن والقرى الفلسطينية شهر رمضان هذا العام بأوضاع مادية صعبة؛ جراء أزمة الرواتب الناتجة عن قيام سلطات الاحتلال باقتطاع جزء من أموال الضرائب "المقاصة" المستحقة للسلطة الفلسطينية.
يقول أحد الموظفين في حديثه لـ"وفا" إنه يعاني ضائقة مادية كبيرة كغيره من الموظفين منذ ثلاثة أشهر، وهذه الأزمة دفعته للتقليل من مشترياته قدر الإمكان والاقتصار على السلع الضرورية جدا، كما أنه يضطر للاستدانة من المحلات التجارية، وأن مئات الموظفين ممن لديهم أبناء في الجامعات يواجهون صعوبات أكبر في توفير مصاريف أبنائهم.
ويضيف: شهر رمضان من المناسبات المميزة خلال العام وتزداد مصروفات المواطنين خلاله بسبب الزيارات للأقارب والدعوات إلى الإفطار، ولكن هذا العام من الصعب تنفيذ كل ما اعتدنا عليه في السنوات السابقة.
وكانت أزمة الرواتب قد بدأت منذ ثلاثة أشهر إثر قيام سلطات الاحتلال باقتطاع مخصصات الشهداء والأسرى من عائدات الضرائب، حيث اقتطعت خلال شهر شباط ما يزيد عن 500 مليون شيقل، وهو ما يعادل ما دفعته الحكومة الفلسطينية كرواتب لأسر الشهداء والأسرى خلال العام المنصرم 2018، كما أنها بدأت باقتطاع 55 مليون شيقل شهريا، وهو ما أدى لحدوث أزمة في رواتب الموظفين، حيث اضطرت الحكومة لصرف نسبة 50% من الرواتب للموظفين شهريا منذ بداية الأزمة التي لم تقتصر على الموظفين وحدهم، بل شملت مناحي الحياة اليومية كافة.
مثقال فقها تاجر خضار من مدينة طوباس يشير في حديثه لـ"وفا" إلى أن الوضع المادي له كتاجر تأثر بشكل ملحوظ جراء ذلك، فغالبية زبائنه من الموظفين الذي قللوا من نسبة شرائهم للخضار والفواكه، إذ انخفضت نسبة الشراء إلى الثلث.
أما محمود رياض وهو تاجر مواد تموينية يؤكد أنه في حال استمرت هذه الأزمة لفترات طويلة سيكون التجار في وضع حرج، وخاصة وان الموظفين يمثلون شريحة كبيرة من مجتمعنا الفلسطيني.
كما يوضح عبد الله عينبوسي وهو تاجر ملابس أن أوضاع التجار تأثرت بشكل كبير جراء أزمة الرواتب، فحركة السوق تعتمد بشكل كبير على الأوضاع المادية لهم.
ويضيف: منذ بداية أزمة الرواتب أي قبل ثلاثة أشهر بدأنا نلاحظ تراجع نسب الشراء لمختلف السلع، واقتصر شراء المواطنين على السلع الضرورية جدا والأساسية فقط، وكصاحب محل للألبسة تأثرت بشكل أكبر من تجار المواد الأساسية، ففي ظل الأزمات يعتبر المواطنون الألبسة سلعة كمالية، ويفضلون عدم الإنفاق عليها، ويوفرون أموالهم القليلة للمواد الغذائية والتموينية.
وفي السياق، يقول مدير وزارة الاقتصاد في محافظة طوباس حسام الشاعر، إن أزمة الرواتب الناتجة عن اقتطاع الاحتلال لمخصصات الأسرى والشهداء من عائدات الضرائب يؤثر بشكل كبير على عجلة الاقتصاد ككل.
ويوضح أن المواطنين يشعرون ببعض الضيق من أوضاعهم المادية وخاصة مع دخول شهر رمضان، داعيا إلى اتخاذ بعض الاجراءات للتخفيف من حدة الأزمة، منها عدم الاتجاه للنزعة الاستهلاكية في شهر رمضان والتي تؤدي لشراء ضعف الحاجة في كثير من الأحيان، والاقتصار على شراء الاحتياجات ما يؤدي لعدم تفاقم الأزمة أكثر.
"أن زيادة الطلب على السلع في شهر رمضان يؤدي إلى زيادة الأسعار ولكن في حال الاعتدال في الطلب عليها سيؤدي ذلك للحفاظ على أسعار السلع، فقبل أن تحدد الحكومة قائمة الأسعار الاسترشادية يجب على المواطن أن يساهم في عدم زيادة الأسعار من خلال ثقافته الشرائية" يتابع الشاعر.
ويؤكد الشاعر أن الاقتصاد الفلسطيني بمجمله اقتصاد مقاوم وتحت الاحتلال، حتى ما قبل اقتطاع الرواتب هناك اشكالية في التنمية الاقتصادية بسبب ممارسات الاحتلال ضد الاقتصاد الفلسطيني، خاصة أن الاحتلال يتحكم بالمعابر، وما ينتج عن ذلك من تحديد لاستيراد وتصدير السلع، وهذا يؤدي لزعزعة الاستثمارات والصناعات الوطنية، فالاحتلال يحارب الاقتصاد الفلسطيني بالعديد من الوسائل طيلة الفترات السابقة، آخرها اقتطاع عائدات الضرائب.
ويقدم جملة اقتراحات وتوصيات من شأنها المساهمة في حل الأزمة، ومن أهمها: دعم المنتج الفلسطيني لدفع عجلة الإنتاج والاقتصاد الفلسطيني، وتضافر جهود كافة المؤسسات للتوعية بضرورة تفضيل المنتج الفلسطيني ودعمه، بالإضافة إلى التعويل على الدول العربية ودورها من خلال شبكة الأمان التي تم إقرارها في آخر قمة عربية، والتي وعدت بمبلغ 100 مليون دولار شهريا للسلطة الوطنية الفلسطينية.
من جهته، يوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة القدس المفتوحة سهيل أبو ميالة أن موضوع اقتطاع الاحتلال لجزء من عائدات الضرائب وما نتج عنه من اقتطاع جزء من رواتب الموظفين لا يترك تبعاته الاقتصادية على الموظفين وحدهم، بل له تبعات على الاقتصاد الفلسطيني ككل، حيث يتأثر الموظف الذي يتقاضى 50% من راتبه من خلال تراجع القوة الشرائية له، بالإضافة لوقوعه في ضيق من عدم القدرة على الوفاء بالتزاماته.
ويضيف: أن انهيار القوة الشرائية للمواطنين تؤثر على السوق ككل، فرواتب الموظفين تشكل رافدا أساسيا للاقتصاد الفلسطيني، وأي تغيير على هذه الرواتب سيؤثر على الوضع الاقتصادي بشكل عام.
ويوضح أبو ميالة أن لذلك تبعات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الفلسطيني، فضعف القوة الشرائية للمواطن يؤدي لضعف القوة الانتاجية للمنتج والمستورد الفلسطيني، وبالتالي التأثير على الالتزامات المالية للطرفين.
ويؤكد أن هناك انعكاسات مستقبلية تؤرق الموظف، وخاصة أن الموظفين عليهم التزامات مالية للتجار وللبنوك، والالتزامات لدى الأخيرة أكثر ما يقلق الموظف حيث يسدد الموظف شهريا جزءا من أصل الديْن والفوائد المترتبة عليه.
كما يوصى بضرورة وجود خطة لحماية الاقتصاد الفلسطيني من أي تبعات، من خلال العمل على توفير مصادر مالية أخرى، وعدم الاعتماد فقط على أموال المقاصة وعائدات الضرائب، التي رغم أنها أموال فلسطينية إلا أن الاحتلال بأي لحظة يهدد بهذه الأموال ويقوم بقرصنتها.
ويدعو إلى تعزيز الانتاج المحلي ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وإيجاد شبكة حماية مالية من الدول العربية.