حرب الأدمغة بين الأجهزة الفلسطينية والاسرائيلية في ملفات تسريب الأراضي
*"الحياة الجديدة" تنشر تفاصيل ملفات محاولات تسريب أراض بآلاف الدونمات
*ملفات محاولات تسريب الأراضي تحت مجهر "الوقائي" .
* السفارة الاسرائيلية في عمان وكر لاصطياد الصفقات .
*الاحتلال يطور أساليب لنصب "المصيدة" والفلسطينيون بالمرصاد .
* 120 شركة تعمل في مجال تسريب الأراضي بالضفة بأسماء عربية وعبرية .
*احباط محاولة مستوطنين لشراء منزل محاذي لمسجدفي كفل حارس .
*فتى حاول تسريب أرض والده مقابل (50) مليون دولار!
رام الله- الحياة الجديدة- أمجد التميمي وأيهم أبوغوش- في مكتبه المتواضع بالمقر الرئيس لجهاز الامن الوقائي، يلتقط العقيد غالب النوباني سماعة الهاتف الذي قطع رنينه صمت المكان.
على الطرف الثاني من الخط كان مصدر المعلومات يطلع العقيد نوباني على آخر تطورات متابعة ملف متورطين في صفقات بيع أراض للإسرائيليين.
ينهض نوباني عن مقعده غير الوثير مقطبا حاجبيه تارة، مرخيا شفتيه تارة أخرى، ضاربا بيده غير مرة سطح المكتب المكتظ بالملفات مصدرا تعليماته لمحدثه.
وفيما يقفل نوباني خط الهاتف هناك في الخفاء يلهث الشاب (ر.ع اسم مستعار) البالغ من العمر (17) عاما وراء صفقة يرتب اوراقها مع سماسرة آخرين واسرائيليين لبيع قطع أرض تعود لوالده المغترب مقابل (50) مليون دولار!
هذه ساحة حرب اخرى مفتوحة تدور رحاها بين أدمغة فلسطينية ومحتل مستميت للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الطرق غير الأخلاقية وغير القانونية.
هل يخيل لعاقل أن شبابا في العقد الثاني من عمرهم قد تورطوا في محاولات لتسريب أراضي أهاليهم بعد أن عرضت عليهم أرقامفلكية لا يجيدون حتى قراءتها؟ وهل يدور في ذهنك للحظة ما هي الأساليب التي يتبعها الاحتلال لنصب المصيدة للإيقاع بضعاف النفوس أو بـ"جهلة" لدفعهم إلى بيع أرضهم؟ وما هي الإجراءات التي تتخذها السلطة الوطنية بأذرعها الأمنية في محاولة للتصدي إلى الهجمة الاستيطانية الأخذة وتيرتها في التسارع بشكل جنوني خلال الفترة الأخيرة وبخاصة خلال العام الماضي؟
"الحياة الجديدة" تكشف النقاب في هذا الملف عن كواليس ما يدور من صراع بين جهاز الأمن الوقائي والأجهزة الاحتلالية الرامية بثقلها لوضع يدها على الأرض الفلسطينية والعمل على وأد حلم إقامة الدولة المستقلة الذي عمد بدماء الشهداء وآهات الجرحى والمعتقلين. صراع يدور في الظلّ، بعيدا عن ماكينات الإعلام، ربما في الغرف المغلقة، وفي الميادين والشوارع، لا بل في الساحات الاقليمية إلى درجة أصبح الاحتلال يستغل وجود سفارته في الأردن وبعض الدول الأوروبية ليحولها إلى أحد أدواته الأمنية لإبرام صفقات تفضي إلى تسريب أراض لصالح الاستيطان. الأجهزة الأمنية بدورها، لا تقف مكتوفة الأيدي بل تطور أساليب حماية ووقاية تهدف إلى الكشف عن اية محاولات للتسريب واحباطها قبل وقوعها. إنها حرب أدمغة إذن، نعم، هي كذلك بين عقلية احتلالية تسعى إلى السيطرة، وبين عقل أمني وطني يصب كل جهده للحفاظ على الأرض باعتبارها المكون الأساسي في تكريس التطلعات الوطنية الرامية إلى الحرية والاستقلال.
قصص وحكايات، ولكن لا يشوبها خيال هي حقيقة وواقع تفوق في سيناريوهاتها المشاهد الهوليوودية.
ويؤكد جهاز الأمن الوقائي انأكثر من 120 شركة تعمل في مجال تسريب الأراضي بالضفة تحت مسميات عربية وأخرى عبرية، ففيما يظن الفلسطيني أنه يتعامل مع شركة فلسطينية يفاجأ فيما بعد بأنها ليست إلا واجهة لأهداف استيطانية. آلاف الدونمات حال التدخل الأمني الفلسطيني دون تسريبها خلال العام الماضي الذي تسارعت فيه محاولات الاستكلاب على الأرض على نحو غير مسبوق، هو سباق مع الزمن بين طرف يسعى لتغيير الواقع من جهة، وبين طرف ثانًيرمي إلى تثبيت الصمود.
القصص والحكايا يشيب لهاالولدان، "الحياة الجديدة" تطلع على كواليس حرب الأدمغة بين القوى الاحتلالية وبين جهاز الأمن الوقائي ومعه الأجهزة الأمنية كافة،واضعين هذه الملفات الثقيلة بين يدي القارئ ليتنبه إلى خطورة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب تستهدف وجوده.
الاستكلاب على الأرض
يؤكد جهاز الأمن الوقائي أن هناك تسارعا في وتيرة محاولات تسريب الأراضي لا سيما العام الماضي ، يقول مساعدمديرعامالجهازللعلاقاتالعامةوالإعلامالعميدعكرمةثابت "مع غياب الأفق السياسي تسارعت وتيرة الاستيطان وابتلاع مساحات من الأراضي الفلسطينية ضمن سياسة ممنهجة من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خاصة في مدينة القدس والمناطق المصنفة (ج)".
ويؤكد ثابت أن ملف التسريب الأراضي يمثل صراعا على الأرض مع الاحتلال الذي يحاول السيطرة على الأراضي، ووضع يده على أوسع مساحة من الأرض الفلسطينيةبهدف افشال مشروع الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
ويضيف" الاستيطان ليس عدوا لمشروعنا الاستقلالي فقط، بل هو عدو للسلام والأمن ولا يمكن أن يتحقق السلام العادل والشعور بالأمن مادام الاستيطان قائما وآخذا بالتزايد"، مشيرا إلى أن مكافحة تسريب الأراضي والعقاراتمهمة وطنية بامتياز، والتسريب جريمة يعاقب عليها القانون الفلسطيني، لذلك فالأجهزة الأمنية والقضائية تعمل على مكافحة هذه الجريمة وفق القانون.
نحن كجهاز أمن داخلي نتكامل في عملنا مع الأجهزة الأمنية الأخرى في ملاحقة هذه الجريمة التي تضرب حلم الدولة الفلسطينية والتمسك بالهوية والموروث الوطني الفلسطيني"،يقول ثابت.
ويؤكد أن الأمر بات يتطلب ليس موقفا أمنيا فحسب، بل موقفا وطنيا جامعا لكل مكونات الشعب الفلسطيني فصائليا وشعبيا ورسميا وعلى أوسع نطاق، انسجاما مع الحق الفلسطيني والقانون الدولي الذي يمنع الاحتلال من تهجير السكان الأصليين والاستيلاء على ممتلكاتهم.
يعمل الاحتلالباتجاهات متعددة لمصادرة الأرض، من خلال استصدار أوامر عسكرية في كل منطقة، تحت ذرائع أمنية وعسكرية، أو لأغراض توسعة المستوطنات، كما صادر أراضي أخرى بذريعة أنها تقع على أحواض مائية وحرموا الفلسطينيين منها،فليس كل ما يصادره الاحتلال مسرب فعلا، فهناك اراض أميرية يسهل تزوير أوراقها.
يؤكد ثابت أن الحكومة الفلسطينيةاتخذت سلسلة إجراءات وقائية لمكافحة تسريب الأراضي والعقارات من بينها على سبيل المثال لا الحصر، أن الوكالات الخارجية يجب أن تخضع للتدقيق، وضرورة الرجوع للمؤسسة الأمنية للحصول على إذن شراء أو بيع، وأيضا الوكالات الأجنبية يجب أن تمر عبر قنوات القضاء.
بدوره، يقول العقيد غالب النوباني-مسؤول ملف المكافحة في جهاز الأمن الوقائي إن ملف تسريب الأراضي بالنسبة للفلسطينيين خطير وهو يمثل مسا بشريان حياتهم، فشعب بلا أرض لا يساوي شيئا.
ويضيف "هناك تنام غير مسبوق في محاولات تسريب الأراضي، فبعض المحافظات لم يرد منها سوى قضية أو قضيتين في الشهر، ولكن حاليا هناك ازدياد مطرد كما في محافظاتالقدس والخليل ورام الله ، فالإسرائيليون يحاولون حاليا خلق تواصل جغرافي بين عدة مستوطنات، ولهذا يسابقون الزمن لشراء أراض في عدة مناطق".
ويؤكد النوباني أن هناك تركيزا فلسطينيا غير مسبوق لاحباط ملفات التسريبكونها تمس بسيادة وحلم الدولة، وهذا يتابع على المستويات السياسية والأمنية.
ما الفرق بين الماضي والحاضر؟
يسرد النوباني تاريخ الاستيطان ومحاولة السيطرة على الأرض في الضفة، مشيرا إلى أن الاحتلال الاسرائيلي بدأ باستهداف الأرض الفلسطينية منذ بداية نشوئه من خلال المصادرة والاعتداءات والسيطرة، وأخذ أشكالا عديدة أخرى بهدف السيطرة على الأرض الفلسطينية.
ويضيف" في مرحلة بداية الهجمة الاستيطانيةإبان الثمانينيات من القرن الماضي على أراضي الضفة الغربية، وبداية بناء المستوطنات والطرق الالتفافية وما تبعها من عمليات اعتداء ومصادرة، كان ادراك الفلسطينيين وفهمهم في تلك الفترة بسيطا ولم يكونوا محيطين بتفاصيل إجراءات وقوانين بيع الأراضي وشرائها، فكانت مئات الدونمات تصادر ولم يتعرض الذين باعوها في تلك الفترة للمساءلة أو الملاحقة أو المحاسبة"، مشيرا إلى أن عمليات البيع كانت مفتوحة وغالبيتها تتم بالتزوير، ولكنها كانت حالات محدودة تتم من خلال البيع لأشخاص أو جمعيات.
ويتابع" كان المختار يتصرف كمالك لأرض البلدة او القرية من خلال صور لبطاقة الهوية أو تزوير تواقيع أشخاص، فكثير من المستوطنات المقامة في الضفة الغربية بنيت على أراض تم الاستيلاء عليها بهذه الطرق غير القانونية، وحتى الآن يسعى الاسرائيليون بأي طريقة كانت للتواصل مع أحد الورثة لتثبيت ملكية هذه الأراضي لصالحهم".
ويؤكد النوباني أن اي قضية أرض فيها وريث يوقع عن باقي الورثة دون وجود توكيل رسمي منهم ، هو بيع غير قانوني وغير جائز، مبينا أن الاسرائيليين يلجؤون إلى الحصول على مستندات ووثائق رسمية من المالك الأصلي، ويحاولون استبدال اخراج القيد القديم بآخر جديد، خاصة أن معظم الوثائق التي يمتلكها الفلسطينيون عبارة عن (حجج) أرض وليست مسجلة في دوائر رسمية، لا سيما تلك الواقعة خارج حدود البلديات.
وأضاف" الاسرائيليون استغلوا هذه الثغرة خاصة الأراضي المصنفة (ج) باعتبارها أراض أميرية"، موضحا أن "الأساليب المتبعة اليوم نفسها في الماضي، ولكن صفقات البيع اليوم أخذت طابع السرية بعد إقامة السلطة الوطنية وتشريع قوانين تكافح التسريب، خلافا للماضي حيث كان البيع يجري في العلن".
فخ السفارة!
تدخل السفارة الاسرائيلية لدى الأردن على هذا الخط كلاعب رئيسي، كيف؟
يوضح النوباني أنالسفارة الاسرائيلية في الأردن تمثل معضلة كبيرة لنا، حيث تساهم في اتمام إجراءات البيع من خلال وجود كاتب مقيم فيها، فالحالة الفلسطينية فرضت خصوصية تتمثل في الاغتراب وتشتت الورثة في دول العالم، وهذا سهل من التفرد بالورثة خارج فلسطين.
يقول النوباني" في الآونة الأخيرة، أصبح لدينا قضايا ملاحقة خارج الاقليم وهناك تعاون مع مصادر مهمة تزودنا بالمعلومات وتمكننا من النجاح في احباط عمليات تسريب قبل اتمامها". ويضيف"هناك مواطنون مغتربون في الولايات المتحدة وفي عدة دول اوروبية بيعت أراضيهم دون علمهم".
ويؤكد حسام الفقيه مسؤول قسم تسريب الاراضي والعقارات في جهاز الأمن الوقائي "نحن متابعون لكل حالة او حركة او نشاط على الأراضي المهددة بالتسريب، ونعمل مع اللجنة الأمنية المشتركة و الأشقاء في الأردن من خلال سفارتنا لدى المملكة على متابعة هذه الملفات".
ويوضح الفقيه أن السلطات الاسرائبلية عندما أدركت أن "وكالة عدل القدس"، إذا نفذت خارج البلاد تفقد قانونيتها، لأن كاتب العدل أسس بموجب أمر عسكري للعمل في مناطق الضفة فقط، منوها إلى أن الاسرائيليين توجهوا لسد هذه الثغرة بوقف العمل العمل بهذه الوكالة واستبدالها باقرار شخصي من صاحب الأرض بالتنازل عنها، وهنا شكلوا لجنة عدلية في السفارة الاسرائيبلية في عمان، باعتبارها أرضا اسرائيلية ووظفوا فيها كتاب عدل مقيمين، لاتمام صفقات البيع.
وأشار إلى أن اسرائيل وظفت خبراء قانونيين، ومختصين من وزارة القضاء للتفرغ لدراسة الملفات المتعلقة بالأراضي ووضع آليات لتسريبها.
وينبه الفقيه إلى خطورة ما لجأ إليه الاسرائيليون باعتمادهم مبدأ "حسن النية" والذي يتيح لأي اسرائيلي استملاك الأرض حتى لو بأوراق مزورة او بوضع اليد كما حدث في الاستيلاء على الأرض التي أقيمت عليها مستوطنة "في كوكب الصباح".
وفي الوقت الذي نقل فيه اسرائيليون معركة الأراضي إلى الاقليم فإن الأجهزة الأمنية تنبهت لذلك من خلال اتخاذ إجراءات وقائية ومضادة قادت إلى احباط العديد من محاولات التسريب من خلال الاستناد إلى مصادر معلومات وثيقة وأدوات من الطبيعي ألا تكشف عنها.
الأسماء عربية...والواجهة اسرائيلية
يكشف جهاز الأمن الوقائي لـ"الحياة الجديدة" عن نشاط ملحوظ للشركات الاستيطانية الساعية إلى الاستيلاء على الأرض بشتى الوسائل، ورصد الجهاز أكثر من (120) شركة تعمل في مجال تسريب الأراضي بالضفة تحت مسميات عربية وأخرى اسرائيلية، فبعض المواطنين يتوهمون انهم يبيعون لشركات عربية ولكن في حقيقة الأمر الاسم عربي والواجهة اسرائيلية استيطانية.
يتضح للأجهزة الأمنية أن هذه الشركات مسجلة ولها قيود لدى ما يمسى بـ" الإدارة المدنية في بيت ايل" وليست مسجلة فلسطينيا.
يقول مسؤول الأمن الوقائي أن الاحتلال يعمد إلى إنشاء شركات خاصة بتزوير الأراضي وتجنيد عملاء مهمتهم الوحيدة هي العمل على جمع بيانات ووثائق حول الأراضي التي يرغبون في تسريبها.
جهاز الأمن الوقائي لا يعتقل على الشبهة
كثير من الملفات المتعلقة بمحاولات تسريب الأراضي استغرق ملاحقتها سنوات سعيا لتوفيرالأدلة والبراهين، ونظرا لحساسية وخطورة هذه الملفات في مجتمع فلسطيني محافظ.
في الشهور الثلاثة الأخيرة فقط، تمكن الجهاز من اعتقال (46) متورطا في قضايا ملفات تسريب، جميعهم أدلوا باعترافاتهم بعد مواجهتهم بالأدلة الدامغة.
إغراءات بالملايين
شكلت الإغراءات المالية لأصحاب الأراضي أو للسماسرة قاسما مشتركا في معظم الملفات التي يتابعها جهاز الامن الوقائي، وتم احباطها، والأخطر أن معظم الأراضي لها بعد جغرافي استراتيجي يهدف إلى خلق تواصل بين مستوطنات المنطقة الواحدة.
يقول النوباني "كل ملف له خصوصية تختلف عن الآخر، الاسرائيليون يقدمون إغراءات كثيرة لإقناع مالك الأرض بالبيع، كتوفير اقامات له ولعائلته في دولة أوروبية وتسليمه المبلغ في الخارج".
ومن بين أخطر الملفات التي اطلعت "الحياة الجديدة" على تفاصيلهاافشال محاولة صفقة تسريب ارض في منطقة الأغوار في محافظة اريحا تبلغ مساحتها قرابة (5) آلاف دونم، إذ تم اعتقال المتورطين فيها وتحويلهم للقضاء.
ويقول ضابط في الجهاز "الاسرائيليون يرمون بثقلهم بكل الوسائل لشراء هذه الأرض، حتى أن دولا خليجية دخلت على الخط في محاولة لاتمام شرائها".
في ملف آخر صادم، اعتقل الجهاز شابا لا يتجاوز عمره (19) عاما يسعى لبيع قطعة أرض مساحتها (40) دونما تقع بمحاذاة مستوطة "كريات أربع" في الخليل بمبلغ 30-40 مليون دولار.
وتشير المعلومات إلى أن اصحاب هذه الأرض موجودون في الاردن، وهم يسعون بيعها لأية جهة كانت، وتمت عدة محاولات لتسريبها خاصة أن الاسرائيليين لم يتركوا وسيلة للحصول عليها إلا اتبعوها.
يقول النوباني "تواصلنا مع أصحاب الأرض ومع السفارة الفلسطينية في الأردن، ومع مديرية الامن الوقائي في الخليل، واستطعنا أن ننهي هذا الملف، واحبطنا صفقتين لتسريبها واعتقلنا المتورطين فيها ، والقضية ما تزال منظورة أمام القضاء وتمكن أحد المتورطين من الفرار إلى الأردن.
محاولة تسريب آلاف الدونمات!
من اخطر الصفقات التي تمكن جهاز الامن الوقائي من احباطها، تلك المتعلقة بمحاولات تسريب أكثر من ألف دونمفي قريتي عابود ونعلين بمحافظة رام الله والبيرة إذ تم اعتقال أربعة أشخاص سعوا لتسريبها عبر التواصل مع ضابط احتلالي فيما يسمى بالإدارة المدنية ببيت ايل.
وكان من شأن اتمام هذه الصفقة خلق تواصل جغرافي بين المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين في المنطقة.
وقد تواصل الجهاز مع هيئة مقاومة الجدار وهيئة تسوية الأراضي لوضع إشارات حجز على هذه القطعللحولدون التصرف بها إلا بعلم الجهات المسؤولة.
وفي قرية دير قديس بمحافظة رام الله والبيرة، أحبط جهاز الأمن الوقائي صفقة لتسريب أرض تبلغ مساحتها قرابة ألف دونم وتم اعتقال المتورط بها أحدهم اعتقل ثلاث مرات، وفي كل مرة اتبع آلية جديدة، وفي المرة الأخيرة واجهه الجهاز بتسجيل مصورمع الاسرائيليين قبيل التوقيع.
صفقات دوارة
محاولات التسريب لم تقتصر على محافظة دون غيرها، فالاحتلال لا يضيره إن استولى على دونم أو ألف هنا او هناك، كل شبر من الأرض الفلسطينية مستهدف بالضرورة. ومن الملفات أفرج عنها للنشر ما يلي:
-احباط صفقة تسريب أرض في بلدة سرطة بمحافظة سلفيت مساحتها (52) دونما، تقع في واد صرصور، اعتقل جهاز الأمن الوقائي على خلفيتها ثلاثة سماسرة من بينهم ابن صاحب الأرض الذي حاول تسريبها دون علم والده المقيم في الأردن، ولدى اعترافهم ادلوا بأنهم اتفقوا مع اسرائيليين لبيع الأرض مقابل تسليمهم المبلغ في صندوق بريد في الأردن، مشيرين إلى أن ثمن الدونم الواحد مليون دولار.
كما تلقوا وعدا بتسفير عائلاتهم قبل اتمام الصفقةواكتشاف أمرها ، وما تزال القضية منظورة أمامالقضاء.
-احباط محاولة في بلدة كفل حارس بمحافظة سلفيت حاول المستوطنون خلالها شراء منزل في البلدة محاذي للمسجد.
- احباط محاولة تسريب ارض في قلقيليةوتم اعتقال ثلاثة سماسرة بعد أن استصدروا أوراقا، وحول الملف إلى القضاء، وحكموا بالأشغال الشاقةالمؤقتة لمدة 15 عاما.
وفي قلقيلية أيضا تم ضبط شخصين من بلدة يطا بمحافظة الخليل متلبسين أثناء لقائهم السمسار، وتم اعتقالهم قبل التسريب ومازالوا قيد المحاكمة.
-احباط محاولة تسريب ارض مساحتهها (12) دونما محاذية لمستوطنة عوفرة بمحافظة رام الله والبيرة ، اعتقل على خلفيتها ثلاثة أشخاص من الخليل ورام الله، إذ جلسوا مع مسؤول في المستوطنة واعتقلوا قبل اعداد الوكالة الدورية.
-احباط محاولة تسريب عمارة في منطقة وادي الجوز بالقدس المحتلة، ومازال المتورطون معتقلين لدى الجهاز.
-احباط محاولة تسريب ارض مساحتها (12) دونما داخل مستوطنة (آدم)بالقرب من بلدة جبع شمالي القدس المحتلة، بالإضافة إلى (22) دونما خارج المستوطنة، إذ تم اعتقال أربعة أشقاء من البلدة وسمسارين من أريحا.
ثم...
مازال هناك الكثير من العمل لجهات انفاذ القانون بالشراكة مع السلطة التشريعية في ايجاد سياسية جنائية تقوم على التجريم والعقاب الرادع لكل من تسول له نفسه بتسريب حجر فلسطيني في هذه الارض المقدسة.
محاولات الاحتلال لن تتوقف، وجهود الأجهزة الأمنية الفلسطينية لها بالمرصاد فهي تطور من أدواتها وأصبح لضباطها وأفرادها الدراية والمقدرة العاليتين في هذا المجال.
يدرك المستشار القانوني لجهاز الامن الوقائي ياسر ابو لبدة أن محاولات تسريب الأراضي تمثل أحد أوجه الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، كما يدرك أن عمليات احباط صفقات التسريب ممتدة ومستمرة.
لكنه يرى في المقابل أن هناك العديد من الاشكاليات القانونية التي تحدّ من القدرة على العمل ومن أهمها غياب قانون عقوبات فلسطيني عصري يراعي خصوصية هذه الجرائم وخطورتها على الواقع الفسطيني ، فقانون العقوبات النافذ في دولة فلسطين حاليا هو قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960.
ويشير إلى أن المادة (114) من هذا القانون أجري عليها تعديل بقرار بقانون أصدره الرئيس محمود عباس رقم 20 لسنة 2014، فالأصل في قانون العقوبات الأردني أن عقوبة التسريب للعدو خلافا لاحكام القانون تصل الى الاشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات ، اما التعديل الوارد على نص المادة سالفة الذكر قام بتشديد العقوبة على مرتكب جريمة التسريب الاراضي لتصل الى الاشغال الشاقة المؤبدة في حالة تحقق النتيجة وتسريب الاراض ".
ويقول أبو لبدة "كان هناك قصور في قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني تم مواجهته في القرار بقانون بشان محكمة الجنايات الكبرى رقم 9 لسنة 2018 على اعتبار ان جريمة جرائم بيع أو تأجير أي جزء من الأراضي الفلسطينية إلى دول معادية أو أي من مواطنيها أو رعاياها من اختصاص محكمة جنايات الكبرى ، التي تراعي خصوصية قضايا تسريب الاراضي حيثمنحت الصلاحيات لنيابة الجنايات الكبرى التوقيف لمدة 4 ايام ذلك في الوقت الذي كان يعطي المشرع الفلسطيني للنيابة العامة بموجب قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني رقم 3 لسنة 2001 صلاحية التوقيف لمدة 48 ساعة .
واضاف " واسندت مهام تمثيل النيابة العامة لعضو نيابة عامة بدرجة رئيس نيابة يمتلك الخبرة لمواجهة هذه الجرائم شديدة الخطورة على المجتمع وهو ما ساهم بالتمثيل الامثل للحق العام في مثل هذه القضايا ، وهو ما انعكس جليا من خلال ملفات احيلت من قبل جهاز الامن الوقائي للقضاء الذي ادان المتهم بتهمة محاولةالتسريب واصدر احكام وصلت الى 15 عاما في عدة ملفات ، وان من شان هذه الاحكام الصادرة ان تحقق الردع للحد من عمليات ومحاولات التسريب مستقبلا ".
وتكمن الاشكاليات الاخرى في العمل اليومي في صعوبة اثبات الركن المادي في جريمة تسريب الاراضي كون اغلب الصفقات يتم عقدها في مناطق غير خاضعة لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية ، عدا عن الاشكاليات الناتجة في حالة صدور قرار بالافراج بكفالة من قبل القاضي المختص بضمانات غير كافية ، تؤدي الى فرار المتهم المفرج عنه الى مناطق غير خاصعة للسيطرة الفلسطينية وذلك يحول دون السير في اجراءات المحاكمة ، مما يعرقل سير العدالة ويؤدي الى عدم حضور المتهم لجلسات المحاكمات وارهاق القضاء الفلسطيني بالنظر في ملفات لمتهمين فارين يتم الطعن في الحكم الصادر غيابيا بعد ذلك
يضيف" عدا عن الخطورة التي يتعرض لها أفراد وضباط الأجهزة الأمنية عند اعتقال المتهمين بتسريب الاراضي في المناطق غير الخاضعة لسيطرة السلطة الوطنية ."
ما بعد الاحباط
لا تقف جهود جهاز الأمن الوقائي عند نقطة أحباط صفقات التسريب، إنما تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير لحماية الأرض المستهدفة والحيلولة دون معاودة الكرة من قبل المحتل. ومن الإجراءات التي يتخذها الجهاز إحالة الملفات إلى المستوى السياسي للعمل على شرائها لصالح خزينة الدولة، وتسجيلهاكوقف اسلامي، وطلب إعلان التسوية بشأنها، فبمجرد أن سجلت في الطابو تصبح الأمور تحت السيطرة الفلسطينية.
وتلجأ الجهود الأمنية الفلسطينية إلى التعاون مع مستثمرين ورجال أعمال وطنيين لحثهم على شراء الأراضي المستهدفة بالتسريب لحمايتها، ولقيت هذه الخطوة نجاحات تسجل لصالح الجهاز.