شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات    مجزرة جديدة: عشرات الشهداء والجرحى في قصف للاحتلال على مشروع بيت لاهيا    3 شهداء بينهم لاعب رياضي في قصف الاحتلال حي الشجاعية وشمال القطاع    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي الصبرة جنوب مدينة غزة    لازريني: مجاعة محتملة شمال غزة وإسرائيل تستخدم الجوع كسلاح    شهيدان جراء قصف الاحتلال موقعا في قرية الشهداء جنوب جنين    الاحتلال يواصل عدوانه على بلدة قباطية جنوب جنين    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف منازل ومرافق في النصيرات وخان يونس    إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا  

إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا

الآن

صورة وثلاث رسائل

نص رشا حرز الله، فيديو لورين زيداني

اختنق صوت جورجيت خوري وهي تقرأ أول سطر من رسالة والدها ابراهيم لجدها: "والدي العزيز، بعد تقبيل أياديكم إني أطلب رضاكم وأُعرّفكم أنه...". فجأة صمتت وفقدت السيطرة على دموعها، وقالت معتذرة: "سامحوني، هذا حزن عمره واحد وسبعون عاما".

أكملت خوري قراءة الرسالة المذيلة بتوقيع والدها إبراهيم قسيسية والمرسلة في الثاني عشر من تشرين الثاني عام 1948م: "أنه عندما تكاتبوني أنا، أرسلوا المكاتيب على معتقل الأسرى العرب رقم 3 وعرّف زوجتي عن ذلك، سلامي للجميع وكل من بطرفكم".

رسالة قسيسية هذه واحدة من بين رسائل عدة بحوزة ابنته جورجيت، بعثها لعائلته -التي انتهى بها مطاف التهجير في بلدة بيرزيت شمال رام الله- عندما كان أسيرا لدى العصابات الصهيونية التي احتلت مدينة الرملة عام 1948.

شردت العصابات الصهيونية ما يربو على 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون، كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية، انتهى التهجير بغالبيتهم إلى عدد من الدول العربية المجاورة إضافة إلى الضفة وغزة.

كان ابراهيم حينها ضمن فرق الدفاع التي شكلها الأهالي للتصدي للعصابات التي هاجمت البلاد، وراحت كل مجموعة تدافع عن بلدتها، استمرت في المقاومة في معركة غير متكافئة، فسقطت الرملة بيد العصابات الصهيونية، وقتل وهجر الآلاف، ووقع آخرون في الأسر بينهم إبراهيم.

عندما علمت زوجته لوريس بالأمر اصطحبت أطفالها الثلاثة، وكان عمر جورجيت آنذاك 40 يوما، ولجأت إلى دير قريب وبحوزتها بعض المقتنيات من بينها ستائر بيضاء من "الكروشيه"، تاركة ما تبقى ظنا منها أنها ستعود قريبا، لكن ضراوة الهجوم دفعتها هي وعائلتها وعائلة زوجها إلى الهرب عبر أحد "التركتورات" الذي أقلّ المهجرين من الرملة إلى اللطرون "وهو تجمّع قرى عمواس، ويالو، وبيت نوبا" على الطريق الواصل بين مدينتي القدس ويافا.

لم تعرف لوريس شيئا عن مصير زوجها، انقطعت أخباره، فأرسل أولى رسائله لها عبر الصليب الأحمر الذي كان يعمل في ذلك الوقت على تدوين أسماء العائلات التي هجرت وعناوينها، لمحاولة لملمة شتاتهم، مستغلا فترة الهدنة الأولى التي فرضت بين الجيوش العربية المقاتلة، والعصابات الصهيونية، ليعثر على عائلة قسيسية في اللطرون، ويسلمهم الرسالة.

ارتكاب العصابات الصهيونية خلال مرحلة النكبة أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف، وسيطرت على 774 قرية ومدينة فلسطينية، ودمر 531 منها بالكامل.

على الطاولة أمامها فردت جورجيت ما بحوزتها من مقتنيات لوالدها، رسائل ووثائق وميزان حرارة قديما شبيها بالبوصلة، ومنظارا "ناظور" صغيرا كان يستخدمه في عمله بتصليح المركبات، والمطابع، والأجهزة اللاسلكية، والراديوهات الصغيرة، والكاميرات.

"والدي كان أشبه بمهندس ميكانيكي في هذا الزمن" قالت جورجيت وهي تبحث بين كومة الأوراق عن رسالة أخرى لوالدها أرسلها في الثامن والعشرين من أيلول عام 1948، ويطلب فيها من زوجته تحصيل دين له من أحد زبائنه في رام الله.

وفيها كتب قسيسية: "عزيزتي.. لقد أرسلت لك عدة جوابات ولم يصلني سوى جواب واحد منك، طمنيني عن الأولاد، استلموا من يعقوب جميل برام الله مبلغ جنيهين، باقي ثمن الكوشوك واشتري للأولاد ما تحتاجين...".

أخرجت جورجيت من إحدى الخزائن الستائر البيضاء، التي كانت والدتها قد أخذتها معها إلى الدير، واضطرت لتركها فيه عقب التهجير، تقول: "أمي من طرزت هذه الستائر، هي من كسوة عرسها".

فردت جورجيت الستائر على طول الكنبة بعناية، والتي أعيدت لوالدتها بعد أشهر، كان ذلك في أحد مواسم أعياد الميلاد المجيدة، حيث تمكنت راهبات الدير من الحصول على تصريح لزيارة أقاربهن، وجلبن معهن الستائر على اعتبار أنها أمانة يجب إعادتها، حصلن على عنوان لوريس من الصليب الأحمر ورددن الأمانة إليها، قالت جورجيت: "استرجعت أمي شيئا بسيطا وعزيزا عليها".

واطلق سراح إبراهيم بعد عامين في الأسر، وراح يبحث عن عائلته، التي وجدها في بلدة بيرزيت شمال مدينة رام الله، ليفارق الحياة بعد لقاء عائلته بذبحة صدرية بثماني سنوات، ويدفن هناك، وتلحقه بعدها لوريس بسنوات.

وبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى الأونروا في الأول من كانون الاول للعام 2018، حوالي 6.02 مليون لاجئ فلسطيني، يعيش حوالي 28.4% منهم في 58 مخيماً رسميا تابعا للوكالة تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيماً في لبنان، و19 مخيماً في الضفة، و8 مخيمات في غزة.

كبرت جورجيت ودرست اللغة الإنجليزية في بيرزيت، وتزوجت خلال حرب 1967، لذا لم يشهد زواجها أي من مظاهر الاحتفال، فاكتفت بالذهاب بمركبة بسيطة إلى الكنيسة لإتمام مراسم الزواج، وسكنت في بيت قديم بمدينة رام الله.

جدران بيتها مليئة بالصور التذكارية، التي تجمعها مع زوجها وأبنائها وأشقائها وشقيقاتها، لكن ثمة صورة واحدة ووحيدة تجمع والديها التقطت لهما خلال حفل زفافهما عام 1944 في الرملة، عثرت عليها شقيقتها بداية السبعينيات في منزل أحد أقارب والدها عندما كانت بزيارة له في العاصمة المصرية القاهرة، كان ابراهيم قد أرسل له نسخة عنها بعد زفافة، وبقي محتفظا بها.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024