سحور في القدس العتيقة
يامن نوباني
........
يجول الكاتب عيسى قواسمي، أزقة القدس العتيقة وأبواب المسجد الأقصى، قبل أن يستقر في باب حطة، حاملا بطيخة وجبنة بيضاء، في محاولة لإيجاد رفاق للسحور، قبل أن يصل عربة أسامة المهلوس، أحد المرابطين على أبواب الأقصى، والذي يقدم جميع أنواع المشروبات الساخنة.
يصنع المهلوس شايه على نصف عتمة، مستعينا بمصباح كهربائي يدوي صغير، ليضيف السكر والنعنع إلى الاكواب الكرتونية، بينما يردد مواطن اصطف لأخذ كوبه: السماء فوق القدس تضيء كل شيء تحتها.
يتناول قواسمي سحوره مع المهلوس، وهو عبارة عن كعك فرن باب حطة وفلافل وكوب شاي، قبل أن يتابع خطواته في تفقد أبواب المسجد الأقصى، والتقاط الصور والفيديوهات للأجواء، راويا لنا حلاوة إمضاء ليلة رمضانية في القدس العتيقة.
يقول قواسمي لـ"وفا": للقدس رونقها الروحاني الخاص والذي يميزها في شهر التوبة والغفران، رمضان، إذ تستعد الحارات المقدسية مكللة بجهود شبابها في تجهيز الأزقة بالزينة المعتادة في هذا الشهر، ويتجلى ذلك لعين الزائر الغريب عنها، فيعيش روحانيات الصلاة في أقصاها خلال صلاة العشاء ثم التراويح، ويبدأ التجلي ما بعد قيام الليل حيث ينتشر بائعو البسطات والأكل الشعبي خلال السحور في كل محاور حولي المسجد الأقصى، ويتنوع العرض حسب العادات والموروثات الشعبية المقدسية مما تخبز في أفران المدينة العتيقة من البرازق ما قبل السحور والكعك المقدسي بعد الساعة الثانية عشرة ليلا، والمطاعم التي تقدم الوجبات الخفيفة من ساندويشات الفلافل والمعجنات بأنواعها، ولكل باب من أبواب القدس العتيقة أو أبواب الأقصى بائعوه الذين يستخدمون العربايات المتنقلة التي تحتوي على مأكولاتهم الشعبية المحببة في ليل رمضان.
ويضيف: وهناك العديد من محال القدس العتيقة التي تتحول في شهر رمضان من محلات للألبسة الى محل يقدم القطايف والعوامة والحلويات الخفيفة الأخرى. وتتركز العربات المتنقلة عند باب الأسباط وباب المجلس وباب حطة وباب السلسلة وباب الغوانمة.
ويتابع: هناك أربعة أبواب للمسجد الأقصى تفتح فجرا، في بعض الأزقة خاصة في طريق علاء الدين البصيري، قرب مقر الجالية الافريقية، في "باب المجلس"، ينشط بيع المشاوي وساندويشات دسمة أخرى. أما عند فرن "أبو النون" أو ما نسميه "فرن الواد" فتجد أقراص البيض كما هو الحال في "فرن الصواف" عند مدخل عقبة التكية الذي يشتهر بعمل صفيحة اللحمة بالبندورة والطحينية والمعجنات المتنوعة. وعند باب حطة تنتشر عربات بيع المشروبات الساخنة، وتتعرض كثيرا لمضايقات جنود الاحتلال، ويمنع البيع عليها بذريعة استخدامها لاسطوانات غاز، بينما يعج الفرن الأشهر في القدس العتيقة، فرن باب حطة بالمشترين. وعند باب الاسباط تحضر جميع أنواع الفاكهة الموسمية النضرة (العنب والوشنة والخوخ والكرز والشمام). وفي باب السلسلة، تجد كل انواع العصائر من خروب وتمر هندي وكركديه وجزر عادي أو جزر مع بنجر، ويأتي الكثيرون إليه مع طبخاتهم المتنوعة.
في باب حطة، حيث جولتنا الرمضانية الليلية، تحط هناك بعد أن غلبها صوت المسحراتي الشاب بهاء نجيب ومرافقه الذي يدق على الطبلة.
نجيب، يمتلك خامة صوت جميلة، وطريقة مناداة لطيفة ومحببة للناس في باب حطة، يجبرك صوته على الاستماع لتهاليله وعباراته الدينية الخاصة بإيقاظ الناس لتناول سحورهم.
يردد نجيب: صلوا على النبي عدنان.. وحدوا الله.. يا نايم وحد الدايم.. يا نايم العمر مو دايم.. صلوا على النبي صلوا، لولا النبي ما انبنى جامع ولا صلوا.. رمضان تجلى وابتسم.. وينادي على عائلات بيت حطة، عائلة عائلة، وبيت بيت.. يا سامعين، ذكر النبي، المصطفى صلوا.. لولا النبي لا انبنى جامع ولا صلوا.. أفلح من قال لا اله الا الله.
تعتبر العاصمة الفلسطينية "القدس" من أكثر بقاع العالمين العربي والاسلامي نبضا خلال شهر رمضان، برغم كل ممارسات الاحتلال القمعية تجاه المقدسيين بشكل خاص والفلسطينيين القادمين إليها من جميع المحافظات، في محاولة منه للتخلص من هذا الفلسطيني الذي يملأ المدينة حياة.
ha