فلسطين ضد الإرهاب
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
تذكرنا مع البطل الفلسطيني صابر مراد، الذي تصدى بجسده للإرهابي في طرابلس اللبنانية، وأحبط عمليته الإجرامية، لينقذ بذلك حياة الكثيرين من أبناء هذه المدينة العزيزة على قلوبنا، تذكرنا ما كتبه طلال سلمان في مقالة له بجريدة "السفير" اللبنانية قبل سنوات، والتي حملت عنوان "الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط" ومع مراد، سيتأكد العالم اليوم مرة أخرى من حقيقة هذه الجوهرة، وهي تشع بنور الثقافة الفلسطينية وأخلاقياتها الانسانية والحضارية، التي تتصدى للإرهاب سعيا وراء عالم خال من العنف والتطرف، ومن أجل أن يسوده الأمن والاستقرار والسلام العادل. ولا غايات سياسية انتهازية في هذه الثقافة الأصيلة، التي دفعت قبل هذا اليوم بشجعان المخابرات الفلسطينية، إلى تحرير المخطوفين السويديين، من بين براثن الجماعات الإرهابية، في عملية استهدفت رد الجميل للسويد الصديقة، ورد الجميل عمل أخلاقي وحضاري نابع من حقيقة الثقافة الفلسطينية وأصالتها التي بحكمها وقعت فلسطين اتفاقيات مع 83 دولة لمحاربة الإرهاب، وبمواقف قيادتها الشرعية وسياستها تعمل فلسطين على تفعيل محاربة الإرهاب في كل مكان وعلى نحو لا يقبل المساومة، وبمصداقية أكسبتها مكانتها اللافتة في مؤسسات المجتمع الدولي، في الأمم المتحدة التي حازت فيها على مقعد الدولة المراقب مع امتيازات لا يحظى فيها هذا المقعد عادة، وفي مؤسسات أخرى ظلت حكرا على الدول كاملة العضوية في المنظمة الأممية، وهو ما جعل فلسطين تترأس مجموعة "السبعة والسبعين + الصين" التي هي من أكبر التكتلات الدولية، وهذا ما عبر ويعبر عن ثقة المجتمع الدولي بقدرة فلسطين الدولة على رعاية تنمية المصالح المشروعة لدول مجموعتها، ولا رعاية فاعلة في هذا الإطار خارج التصدي للإرهاب الذي تبرع فلسطين فيه على نحو لم يعد قابلا للجدل، وصابر مراد البطل الذي حمى بجسده اشقاءه اللبنانيين ليس إلا دلالة أخرى لهذه الحقيقة مثلما هي عملية رد الجميل للسويد الصديقة.
ستظل فلسطين على هذه الطريق، لأنها طريق الحق السالكة مهما تنوعت وبلغت صعوباتها، نحو انتصار العدل وتنور الانسانية بالسلام والأمن والاستقرار.
ويظل أن نؤكد أن يحمي الفلسطيني بجسده شقيقه اللبناني، فهذا يعني أن الدم العربي، دم واحد، وأن المصير العربي، مصير واحد، وبخصوصية العلاقة الفلسطينية اللبنانية، المعمدة بالتضحيات العظيمة، اندفع صابر مراد بجسده، وما كان يتوقع نجاة من عبوات الإرهابي الناسفة، ليحقق عملية أخرى من عمليات رد الجميل الفلسطينية، ولبنان يستحق ذلك وأكثر.
هؤلاء هم الفلسطينيون رعاة السلم والأمن والأمان وضد الارهاب في كل مكان، حتى لو دفعوا من حياة ابنائهم ثمنا لذلك.
وهؤلاء هم الفلسطينيون بثقافتهم الإنسانية والحضارية الأصيلة، قادرون على التسامح وعلى العطاء دوما، وهم لا يعرفون غير روابط الدم الواحد مع أشقائهم العرب في مختلف دولهم، دون تمييز ولا تحزب ولا فئوية ولا عنصرية، من أجل مستقبل آمن وأمين لهم جميعا، وللعالم أجمع وهم يكرسون دور فلسطين في التاريخ ومكانتها، كحاضرة للحق والعدل والتسامح والسلام، بعاصمتها القدس الشرقية التي تمضي اليوم في دروب خلاصها من الاحتلال الاسرائيلي البغيض.