لماذا يلجأون إلى المشعوذين؟
إيهاب الريماوي
إيمان التي لم تتجاوز الـ16 عاما من قرية الجيب شمال غرب القدس، فاضت روحها قبل يومين نتيجة اعتداء شخص عليها بالضرب المبرح، بعد أن أوهم ذويها بأن صرخاتها وبكاءها، مصدره "الأرواح الشريرية" التي تسكن جسدها.
صديق لعائلة إيمان أرشدها إلى مشعوذ وأحضره إلى المنزل، وبدأ بضربها وتوجيه اللكمات إليها، وخنقها، بحجة أنه يخرج من جسدها أربعة من الجن، وبقي على هذا الحال لعدة ساعات حتى أنهك جسدها، وفارقت الحياة.
حادثة شبيهة حدثت عام 2015، حيث لقي شاب 19 عاماً من بلدة بني نعيم مصرعه بعد تعرضه للضرب المبرح على يد مشعوذين اثنين، بنفس الحجج والمزاعم التي حدثت مع إيمان.
خلال الأعوام الماضية ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عدد من المشعوذين، منهم شخص في محافظة جنين كان يمارس أعمال الدجل والشعوذة والاحتيال على الناس في شهر يناير/ كانون ثاني العام الماضي، وفي شهر آب/ أغسطس قبض على شخص يمارس ذات الأعمال في نابلس ويبتز المرضى بمبالغ مالية، إضافة إلى القبض على مشعوذ داخل منزل في دورا جنوب الخليل في شهر أيار/ مايو عام 2016، وعلى مشعوذة آخر في شهر تمور/ يوليو 2015 بطولكرم، وكان الأخطر هو إلقاء القبض على سيدة من قلقيلية بعد أن تمكنت من الاحتيال على سيدة مقابل 30 ألف دينار أردني.
وحسب الاخصائية النفسية أريج عياش، فإنه في عصور أوروبا القديمة، كان التفسير لبعض الاضطرابات النفسية بأن أرواحاً شريرة قد سكنت جسد الإنسان، قبل أن يتطور علم النفس ويعرف بأن هذه هي اضطرابات.
المفكر وطبيب الأعصاب النمساوي فرويد كان قد قال: إن ما يدعى بـ"الأرواح الشريرة" التي تسكن أجساد الناس ما هي إلا هستيريا تصيب الشخص.
وتؤكد عياش أن علم النفس اليوم واضح في هذه المسألة، حيث أن هناك أعراضاً مصاحبة للإضرابات النفسية، وكل له مسمياته وعلاجه، وليس من المنطقي أن نطلق على ذلك بأنه سحر أو أرواح شريرة سكنت الجسد.
وتضيف: "يتوجه بعض الناس، إلى السحرة والمشعوذين لعدة أسباب، أبرزها أن الإنسان يريد الهروب من البحث عن السبب العلمي المنطقي لما يعاني منه، ويلجأ للظواهر الغيبية، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ملاذا للترويج للمشعوذين بادعاء أنهم يملكون حلولا سحرية لما يعاني منه المضطرب نفسياً، وهذا يصل بنا إلى قلة الوعي عند البعض بالأمراض النفسية، كما أن البعض يلجأ إلى المشعوذين، لأنهم يؤمنون بهم، ولديهم الاستعداد التام أن يصدقوا كل كلامهم".
وتتابع عياش: "يتقن المشعوذ أو الساحر زرع الوهم لدى المريض، ويطرح عليه عدة أسئلة وإذا بحثنا وفكرنا بها نجدها أسئلة عادية يمكن لأي شخص أن يسألها ويجيب عنها، مثل أن يسأل بأنه كان لديك في الفترة السابقة أوجاع في الرأس، أو أنك تعاني من آلام شديدة في الظهر، وهذه الأعراض جميعها تصيب الإنسان في معظم الأوقات".
ومن الأمثلة التي يعتقد البعض بأن هناك أراوح شريرة بداخلهم، هو سماعهم لأصوات داخل أجسادهم وأن هناك عدة شخصيات تتحدث بداخلهم، لكن هذا في علم النفس حسب عياش، يسمى بالاضطراب الانشقاقي، وفيه يحدث انفصال للذات، ويسبب اضطراب عقلي، ويصبح علاجه من خلال الأدوية، كما أن هناك اضطراب يسمى بالوسواس القهري، والشخص الذي يعاني منه يكون لديه أفكار تخبره بأن يقوم بأمر ما، وسبب ذلك نقص في مادة كيماوية بالدماغ، وهناك من يعانون من الهلوسة ويمكن أن يشاهدوا خيالات غير موجودة على أرض الواقع، حيث يكون الخلل في مستقبلات الدماغ.
ووفق الاخصائي النفسي محمد بريغيث فإن التراجع القيمي والاخلاقي والاقتصادي، وحالة الفقر دائما ما تشعر الانسان بنوع من الفراغ، الأمر الذي يجعله يتجه نحو الأمور الغيبية ومنها موضوع السحر والشعوذة.
وأضاف: "ما يشجع استمرار لجوء بعض الناس إلى المشعوذين هو ندرة مجابهة ذلك من قبل المؤسسات الرسمية والتعليمية خاصة الجامعية منها، ورفع الوعي لخطورة ذلك".
وتابع بريغيث: "البعض يرى أن الذهاب إلى المشعوذ قد يكون أفضل الطرق وأسترها، لأنها تكون بعيدة عن أعين الناس، خاصة إذا كانت المريضة فتاة".
المفتي محمد حسين يؤكد بأن الشعوذة والسحر هي أمور محرمة، ولا يقبلها الشرع، ولا يتعاطى معها، محذراً كل الجهات من التعامل مع من يقوم بمثل هذه الأعمال.
وبين بأن اللجوء لمثل هذه الأعمال هو نوع من عدم المعرفة بأبعاد الأضرار التي تنتج عن السحر أو الشعوذة.
وطالب حسين بضرورة الملاحقة القانونية للمشعوذين، ومنعهم من القيام بأعمال الدجل والسحر، والتي قد تضر بالناس وأحياناً تؤدي إلى الوفاة.
وقال: "إذا كان هناك مريض نفسي أو عضويا فإنه يجب أن يخضع لطبيب مختص، وأن لا يلجأ إلى المشعوذين الذين يعتبرون محتالين ومتاجرين".