ملك جابر.. طبيبة أسنان ورسامة
يامن نوباني
إلى جانب عملها في "طب الأسنان"، والتهام دراستها العليا معظم وقتها، تشرع الشابة ملك جابر (36 عاما) من مدينة القدس، في اقتناص أفكار ومشاعر ولحظات لتصنع لوحة فنية، تدلل شغفها بالفن والألوان والتعبير عن ذاتها، وقضايا وطنية ونضالية محلية وعالمية.
جابر المقيمة في بلدة بيت حنينا بالقدس، وتدرس مساق التشريح وعلم وظائف الأعضاء في كلية المهن الصحية بجامعة القدس، إلى جانب بدئها الدراسة للماجستير الثاني.
وقالت لـ"وفا": "بدأت الرسم منذ بدايات الانتفاضة الثانية وتحديدا عند حادثة استشهاد الطفل محمد الدرة، تركت الرسم طوال سني دراستي وحتى سنوات طويلة بعد التخرج، إلى أن بدأت دراستي للماجستير في علم الأوبئة، وتعرضت لضغوطات كثيرة خلال تلك الفترة فلم أجد منفذا سوى العودة للرسم، وعندها بدأت رسم الخيول والعيون، وانتقلت بعدها لرسم الشخصيات والرموز الوطنية والعالمية".
وأضافت: "في ذلك الوقت تبناني الدكتور هشام محسن رئيس قسم كلية الفنون لتعليمي الرسم بالزيت في المرسم التابع لكلية الفنون بجامعة القدس، وشاركت بلوحتين زيتيتين في معرض الجامعة، وبسبب انشغالي بالعيادة والتدريس في الجامعة انقطعت عن المرسم، فقررت أن استغل أوقات فراغي بالرسم حتى لا انقطع مجدداً عنه، فبدأت برسم الأفكار التي تدور في رأسي تجاه القضايا المحلية أو العالمية".
وتابعت: "لا أجيد كثيراً التعبير اللفظي، فألجأ إلى الرسم للتعبير عما يدور في داخلي، حاولت التعبير عن بعض القضايا كالفقر والجوع والتشريد والحروب ومرضى السرطان، أما عن أكثر القضايا مروراً بقلبي فكانت القضية الفلسطينية وحق العودة واللاجئين، أفضل الرسم وأنا وحدي في غرفتي وعلى مكتبي ومرسمي الصغير، يكون انشغالي أعمق في اللوحة إن استمعت للقرآن الكريم خاصة سورة البقرة، وأحيانا أخرى أستمع لقصائد مختلفة للشاعر تميم برغوثي أو بعض الموسيقى الهادئة..".
لملك، طفلان (خالد وفاطمة) تشرع في الرسم حينما يذهب طفلاها إلى المدرسة وزوجها إلى العمل، أو خلال أوقات نومهم، حيث الهدوء الذي تحتاجه اللوحة واللحظة.
وحول طقوسها في الرسم، تقول: "عند بداية أي لوحة أشعر كأني أحفر في التراب لأضع كل همومي داخل بئر، وعندما أنهي اللوحة أشعر تماماً كأني دفنت أي كآبةٍ قد تسكنني، أفضل الرسم عندما أكون وحيدة في البيت، أفضل اغلاق هاتفي أيضاً وعدم استقبال أي مكالمات وأنا منشغلة باللوحة، أحتاج عادة أسبوعاً بمعدل ساعتين يومياً لإنهاء أي لوحة بسبب انشغالي بالأمور الأخرى، في كل مرة ابتعد فيها عن أي لوحة أعود إليها بشغف أكبر وأنظر إليها بعين أدق لتصحيح الأخطاء فيها".
تلقت ملك كامل الدعم من زوجها، حين شاهد شغفها وغرقها في الرسم، وتقول: "في بداياتي كنت أستعمل أقلاماً وأوراقاً عادية وبعد أن رأى زوجي موهبتي كان أول من دعمني، فأحضر لي جميع أدوات الرسم والمكتب وكل ما يمكن أن احتاجه لإتمام أي لوحة وأحضر لي ألوان الزيت والأكليريك والفراشي وأنواع مختلفة من أقلام الخشب ذات الجودة العالية، لكن ميولي كانت باتجاه الفحم والرصاص فقط، فبقيت جميع الألوان بعلبها غير مستعملة، أشعر أن الرصاص والفحم أقرب لإخراج اللوحة التي تمثل شخصيتي"، تقول جابر.
وتوضح ملك أنها تميل للأسود والكآبة ولا تحب الألوان والفرح، "تأثراً بما يعانيه وطني من حالة قهر ومعاناة سببها الاحتلال الاسرائيلي. أميل لرسم الشخصيات والقضايا أكثر من الطبيعة الصامتة، أتابع على صفحات الفيسبوك رسامين معاصرين فقط للتعلم، أما أفكار اللوحات فلا أستمدها إلا من صورة فوتوغرافية حزينة لقضايا إنسانية منوعة، زوجي قال لي مرة؛ لوحاتك تشبهكِ كثيراً! كأني أراكِ فيها".
وتعشق جابر المعارض الفنية، فتقف لساعات أمام اللوحات وفي زوايا المعارض التي تزورها.
وتروي: "في أيام الدراسة الجامعية في تركيا، زرت مرةً المتحف الفني في قصر دولما باهتشا في اسطنبول، يومها مرّت ساعات وأنا أمام اللوحات مندهشة ومذهولة".