خطر الشرب في مردا ... الأسباب والمسؤولية
- وزارة الصحة وسلطة المياه والأهالي حمّلوا "المجلس القروي" مسؤولية ما حدث
- حالات التسمم نبّهت إلى جذور المشكلة وضرورة إيجاد حلول فورية
عُلا موقدي
صباح 24 حزيران الماضي، استيقظت قرية مردا شمال سلفيت، على عدة حالات تسمم بين أبنائها، وسط فزع وتساؤل عما يجري، بعد ازدياد الحالات التي توافدت إلى المستشفيات والعيادات القريبة، ليتبين بعد عدة ساعات أن الحالات ليست فردية، وتتجه الشكوك مباشرة نحو المياه، ويصدر تعميم على المواطنين بغلي المياه قبل استخدامها.
مديرية صحة سلفيت وعلى مدار عدة أيام من الكارثة، سجلت ما يزيد عن ألف حالة كانت تشكو من أعراض القيء والاسهال والمغص الحاد في البطن بدرجات متفاوته، نتيجة شرب مياه غير صحيّة من نبعة "البئر" الواقعة في أراضي القرية، وهي نبعة مياه مكشوفة، تم ضخها إلى خزان المياه الرئيسي للقرية، الأمر الذي ساهم في انتشار العدوى البكتيريه بين السكان.
يبلغ عدد سكان قرية مرده 2375 نسمة، وفق احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2017، أي أنه ما يزيد عن نصف سكان القرية تعرض لحالة التسمم.
شهادات حية لأهالي مردا
الفحص الحسي للمياه يظهر أنها ملوثة لأنها راكدة، إلى جانب وجود حشرات كثير فيها، كما تنتشر حفر امتصاصية للمنازل حول بئر المياه، ويقوم المجلس القروي بضخ مياه النبع الى الخزان عند الحاجة.
وذكر أحد المواطنين لـ "وفا" أن جهاز الكلورة غير صالح للشرب، منذ سنوات عديدة وهناك أوامر من وزارة الصحة بعدم استخدام النبعة، فعند انقطاع المياه من شركة "مكروت" واتصال المواطنين على عضو المجلس الموكل إليه قطاع المياه في القرية، قام بضخ ماء النبع إلى الخزان مباشرة، علماً بأن جهاز الكلورة معطل منذ مدة.
وأضاف شاهد عيان، أن خزان المياه في نقطة مرتفعة أعلى القرية ومستوطنة ارائيل قريبة منه على بعد نحو 600 متر، وهو غير محمي، وأي مواطن يستطيع أن يتسلقه لوجود سلم حديد ثابت على جدران الخزان، باب الخزان غير موصد، وهو مربع طوله يبلغ 70سم، وبداخله درج حديد يستطيع أي أحد العبث بالمياه أو النزول إليه أو تلويثه، كما أن فتحة التهوية لا يوجد عليها فلتر.
وزارة الصحة تتابع وتحمل المجلس القروي المسؤولية
وكانت وزارة الصحة قد أصدرت تعليماتها لأهالي القرية بعدم استخدام المياه لأغراض الشرب والطهي، ولا مانع من استخدام المياه لأغراض النظافة المنزلية، مع ضرورة عدم تواجد المواطنين والمرافقين للحالات المرضية داخل العيادة الصحية، لتجنب انتشار العدوى.
وأشارت وزيرة الصحة مي الكيلة، في مؤتمر صحفي، إلى أنه بعد الابلاغ عن وجود عدد متزايد من الحالات المصابة بالاسهال والقيء والمغص المعوي تراجع عيادة الطبيب العام في القرية، تم الوقوف على حيثيات الموضوع، وتوجهت الفرق الميدانية لمفتشي الصحة والبيئة وتم أخذ عينات من المياه من مختلف مناطق القرية، من الخزان الرئيسي ونبعة الماء ومنازل المواطنين، وتم أخذ فحوصات دم وبراز للمرضى.
وأضافت، بعد إجراء الفحوصات تبين وجود تلوث في شبكة المياه بالقرية، وتم تعقيم خزان المياه المركزي وتعقيم خزانات المواطنين إلى أن تمت السيطرة على الوضع، وأصبحت المياه خالية من أية ملوثات، حيث باتت آمنة وصالحة للشرب.
قبل 3 سنوات أصدرت الوزارة قراراً بمنع السكان من استخدام مياه النبعة، بسبب تسرب مياه الصرف الصحي اليها.
سلطة المياه.. المجلس القروي يتحمّل مسؤولية ما حدث
من جهتها أوضحت سلطة المياه أن حالات التسمم التي أصابت المئات من أهالي قرية مردا شمال سلفيت، ناجمة عن تلوث مياه الشبكة الداخلية في القرية بالبكتيريا القولونية، والقولونية البرازية، جراء تسرب المياه العادمة للشبكة.
وحمّلت سلطة المياه في بيانها المسؤولية للمجلس القروي، الذي يجب أن يتولى مهمة مراقبة ومتابعة وضع المياه بعد نقطة المياه المزودة للبلدة، الأمر الذي لم يتم، ولم يتخذ إجراء في ذلك.
وأشارت إلى أن طواقمها كانت مؤخراً قد عملت على فحص نقطة المياه المزودة للقرية، والتأكد من سلامتها قبل إيصال المياه إلى مناطق التوزيع.
على ضوء ذلك، وخلال زيارة وزير الحكم المحلي مجدي الصالح إلى القرية على خلفية حادثة تسمم المواطنين، قدّم رئيس المجلس والأعضاء استقالتهم معتبرين حادثة التسمم في إطار مسؤوليتهم وأن اقل ما يمكن أن يقدموه هو تقديم الإستقاله الجماعية.
وفي حديث مع رئيس مجلس مردا السابق صادق الخفش (منذ العام 2005-2012)، ذكر لـ "وفا"، كانت القرية تعاني من مشكلة ضعف المياه التي لم تكن تكفي احتياجات المواطنين، فمن ضمن المشاريع الهامة التي قمنا فيها بالقرية صيانة شاملة للنبع وتنظيفها من الداخل والخارج، وإضافة وحدة كلورة وفلترة، وفي العام 2010 بدأنا نستغل مياه النبعة النقية الموجودة في القرية، ووصلنا مياه النبعة مع البئر الرئيسي، ولضمان السلامة العامة وقبل الضخ كانت هناك فحوصات دورية وشهرية ومتابعة من قبل مديرية صحة سلفيت.
وبحسب سلطة المياه فإن نسبة الديون المتراكمة على قرية مرده لدائرة مياه الضفة الغربية تبلغ "مليون شيقل".
الأهالي: المجلس القروي أسقانا مياه ملوثة
مصدر مياه الشرب الرئيسي للقرية هو شركة "مكروت" الاسرائيلية بعداد يقوم المجلس بإدارة المياه وجباية الرسوم وتسديد فاتورة المياه لشركة "مكروت"، ويوجد مصدر ثانوي للمياه في القرية وهو بئر مردا "النبعة" وهو موصول بخزان صغير بجانب مياه النبع وموصول بأنابيب مياه تغذي الخزان الرئيسي للقرية.
عادل سليمان، قال لـ "وفا"، منذ طفولتنا ونحن نشرب من مياه النبعة، فهي معلم مهم من معالم القرية، ومرتبطة بتاريخ القرية وذاكرتنا، نفضل ان نشرب منها ونقوم بتعبئة الجرة من مائها، حتى بدأت تتلوث شيئاً فشيئا، بفعل وجود الحفر الامتصاصية للمسجد والبيوت بجانبها.
وبين، أصبح لدينا هاجس وحاجز نفسي بعدما أصيب أهالي القرية بالتسمم، حتى بعد أن تم تنقيتها وتعقيمها، الا أننا لا نفضل أن نتوضأ منها، ولا شيء يعيد لنا ثقتنا بماء القرية.
إمام وخطيب مسجد مردا، جلال الخفش، قال لـ "وفا"، تم استخدام مياه النبعة مرارا وتكرارا، وكان عضو مجلس القرية يضخها للخزان الرئيسي بعد صلاة الفجر، وقبل الحدث بثلاثة أيام تم ايضا ضخ مياه النبعة على مسمع المصلين، منوها إلى أن أعضاء المجالس السابقين كانوا يضخون منها.
يذكر أنه في عام 2000 كان هناك كتاب لمفتش البيئة يظهر تلوث مياه الشرب في مردا وسببه وجود حفرة امتصاصية تابعة للمسجد فوق نبعه الماء مباشرة، حيث تسبب بتلوث مؤكد للنبعة.
المواطن واصف حجير، قال، "حاول المجلس القروي ومنذ اللحظة الأولى للكارثة الإنكار وعدم تحمل مسؤوليته عما جرى من أخطاء، ولكن بعد ضغوطات من الأهالي الذين يعرفون الحقيقه تراجع المجلس عن الإنكار واعترف للجان التحقيق أنه سحب الماء لمدة ساعتين فقط، وهنا دخل المجلس في مغالطات جديدة".
وذكر حجير، أن المجلس يقوم بسحب المياه الملوثه منذ مدة طويلة وآخرها قبل يومين من حالات التسمم، حيث تم السحب من ساعات المساء ولغاية ساعات الفجر، وبعلم جميع المصلين المتواجدين في المسجد الملاصق للنبعة، وبعلم جميع اعضاء المجلس، مبينا أن التصرف الخاطئ الذي قام به أحد أعضاء المجلس ليس فردياً كما يشاع وإنما يتحمل مسؤوليته المجلس بالكامل.
وأضاف: الكارثة كادت تودي بحيات المئات من الأهالي بسبب سحبهم للمياه الملوثة والمليئة بالقاذورات والمجاري المسربة من الحفر الامتصاصية المحيطه بالنبع، وحاول المجلس التملص من المسؤولية، وإلصاقها بمجاري مستوطنة آرائيل، متجاهلا وعي الأهالي بما جرى، لأن مجاري المستوطنة تضخ عبر (واد المطوي) في سلفيت وهناك محطة تنقية بين سلفيت وكفل حارس. وهنا لا ننكر دور آرائيل منذ عشرات السنوات في سلب ونهب الأرض والموارد الطبيعية، وضخ مجاريها على الأراضي الزراعية خاصة في سلفيت وبروقين.
وطالب وزارة الحكم المحلي بتجميد نشاط المجلس الحالي لحين الانتهاء من إجراءات التحقيق والمحاسبة القانونية من قبل النائب العام. معتبرا ما جرى قضية أمن دولة لخطورتها، مع التشديد على ضرورة تعيين رئيس للمجلس القروي من الموظفين في دائرة الحكم المحلي في المحافظة لتسيير أعماله لحين الانتهاء من الأزمة .
وحمل المجلس المسؤولية عما حصل، مؤكدا أن تقديم الاستقالة الجماعية دليل على وعي المجلس لفداحة وخطورة الكارثة جراء خطئهم غير المقصود، فعندما أصابوا شكرناهم ولم نخجل وعندما أخطأوا أن نحاسبهم.
حالات أصيبت بأعراض خارجية نتيجة التسمم
وذكرت المواطنة روان ابداح عن طفلتها، "أفاقت لميس "10 سنوات" في الصباح على الآم حادة في بطنها، استحمت وخرجنا الى العيادة الطبية لفحصها وتلقي العلاج اللازم، وتم إعطائها محلول الجفاف من قبل الطبيب مع أخذ عينة من البراز لعمل الفحوصات اللازمة".
وأضافت، "بعد ذلك بساعة بدأت أعراض الحساسية تظهر على جسمها كاحمرار الوجه والجسم، ليتم تشخيص حالتها بأنها حساسية من الماء الملوث".
ناظم خفش والد الطفلة تالا "13 عام" ذكر لـ "وفا"، أن طفلته عانت من بكتيريا على الكبد بسبب تلوث المياه الذي حصل، وظهرت عليها أعراض التسمم واصفرار في الوجه والعينين، وبقيت داخل المستشفى لمدة 5 أيام.
المواطن فارس الخفش من مردا، أفاد لـ "وفا"، بأن زوجته "حامل" في شهرها السابع، وعانت من حرارة شديدة وتقيؤ وآلام حادة في البطن في ساعات متأخرة من الليل، وعندما توجهنا الى الطبيب كان هناك عشرات الحالات المشابهة، وتم علاجها بالمغذي وأدوية خفيفة حتى لا يتضرر الجنين.
وتابع الخفش، وفي الصباح الباكر تزايدت الأعراض وتوجهنا إلى مستشفى الشهيد ياسر عرفات في سلفيت، ومن خلال التحاليل تبين أنها مصابة بـ"السالمونيلا".
وعدوى السالمونيلا (داء السلمونيلات) هو مرض بكتيري منتشر يصيب السبيل المعوي. عادةً ما تعيش بكتيريا السالمونيلا في الأمعاء الحيوانية والبشرية، ويتم إراقتها من خلال البراز. يصاب البشر في معظم الأحيان من خلال المياه الملوثة أو الطعام الملوث، ولا تشكل عدوى السالمونيلا في العادة تهديدًا على الحياة. ومع ذلك، حين يُصاب بعض الأشخاص بالعدوى؛ خاصة الرضع والأطفال الصغار وكبار السن ومستقبلي زراعة الأعضاء والنساء الحوامل والأشخاص المصابين بضعف أجهزة المناعة، فيُمكن أن تصبح المضاعفات خطيرة.
بدوره، شدّد الدكتور هاني الخفش أنه على أثر التسمم بحاجة للاستمرار في دواءين بشكل أساسي كالمضاد الحيوي ومضاد الطفيليات، وعلاج الجفاف ونقص المعادن بالجسم الناتج عن الإسهال والقيء، عن طريق محاليل الجفاف.
وذكر الخفش أنه في حال تحسس بعض الأشخاص من المضادات الحيويه كانتفاخ بالجسم وصعوبة بالتنفس وحكة وطفح جلد، يجب نقله للمستشفى فوراً، مع الحفاظ على تناول طعام صحي ونظيف.
التسمم حفر عميقاً في أصل المشكلة
يُشار إلى أن قرية مردا تفتقر إلى مرافق مناسبة للصرف الصحي، وأن انتشار الحفر الامتصاصية فيها وعدم الالتزام بإنشاء حفر صماء هي من مسؤوليات الجهات الرقابية صاحبة صلاحية الترخيص.
إلى ذلك قال رئيس مجلس مردا بسام ابداح، إن اشباع التربة بالمياه العادمة الناتجة عن الحفر الامتصاصية أدى إلى دخولها الشبكة خاصة عندما تفرغ الأنابيب عند انقطاع المياه، مبينا أن نسبة الفاقد من المياه تصل إلى 42% .
وأكد ان نظام المياه والصرف الصحي يتطلب معالجة جذرية وتوفير البنية التحتية الآمنة.
يذكر، أنه يقع في محافظة سلفيت أكبر حوض مائي "حوض المياه الغربية" والذي تبلغ امكانيته المائية نحو 364-400 مليون م3 سنوياً، ولكنه يقع تحت السيطرة الاسرائيلية، وبالتالي جميع بلدات وقرى المحافظة تشتري المياه من الشركة القطرية "ميكروت"، الأمر الذي يجعلها تعاني من نقص حاد في المياه خاصه في فصل الصيف مع الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة.
وكانت هيئة الأمم المتحدة أكدت في عام 2010، على "الحق في الحصول على مياه شرب آمنة ونقية، فضلاً عن الحصول على خدمات الصرف الصحي. وهذا حقّ من حقوق الإنسان، لا بدّ منه للتمتّع التام بالحياة وبحقوق الإنسان كلها".