"محامي الشيطان"
كتب رئيس صحيفة الحياة الجديدة
لم يعد بوسعنا أن نرى "جيسون غرينبلات" بعد اليوم، غير أنه المحامي الذي يصر على أن يكون "محامي الشيطان" بسلوكه، وغواياته، وألاعيبه، وسياساته القائمة على مبدأ "الأفضل ان تحكم في الجحيم على أن تخدم في الجنة" مثلما جاء في ملحمة "الفردوس المفقود" للشاعر الإنجليزي "جون ميلتون" وهي الملحمة التي رأى فيها الكاتب الأميركي "أندرو نيدرمان" على نحو نقدي، واقعا أميركيا، فكتب روايته التي حملت اسم "محامي الشيطان" والتي تحولت الى فيلم سينمائي، نهاية تسعينيات القرن الماضي.
"غرينبلات" وهو يدافع عن الاستيطان الاستعماري الاسرائيلي، ويتآمر على قرارات الشرعية الدولية ويسعى لتغيير قيمها ومفاهيمها، وموضوعية وسلامة مصطلحاتها وتوصيفاتها، فيجعل الأرض المحتلة مثلا، أراضي متنازعا عليها (...!!) بينما يحول، بمرافعات عنصرية، القاتل الى ضحية (..!!) غرينبلات هذا بمثل هذا السلوك، وهذه السياسة، إنما لا يريد كرئيسه "دونالد ترامب" وصنوه "جاريد كوشنير" سوى ان يحكم في الجحيم، لأن الخدمة في الجنة، هي خدمة النعيم الأخلاقي والإنساني، وهذا ما لا يناسب محامي الشيطان، ولا بأي حال من الأحوال..!!
بالطبع نتحدث كما "جون ميلتون" عن واقع الجحيم الأرضي، الذي تزيده استعارا سياسات الظلم والعنصرية والعدوان، ضد القضايا والتطلعات العادلة والمشروعة، للشعوب الفقيرة والمسالمة، والتي تناضل في سبيل حريتها واستقلالها وكرامتها، والجنة الأرضية، هي جنة السياسات النزيهة، والأخلاق والمواقف النبيلة، التي تنتصر للحق والعدل والسلام والجمال.
وبالنسبة لشعبنا الفلسطيني، فإن جحيم الواقع الأرضي، هو جحيم الاحتلال الاسرائيلي، والسياسات الأميركية، التي لم تعد منحازة بالمطلق لإسرائيل اليمين العنصري المتطرف فحسب، بل وباتت صهيونية تماما مع إدارة الرئيس "ترامب" ..!!
سيعرف غرينبلات ان "محامي الشيطان" الذي هو عليه الآن، لن يكون كمحامي تلك الرواية في خاتمتها، لأنه لا مخيلات رغائبية في السرد الواقعي، يمكن ان تجنح به نحو خلاص اخلاقي، بفعل صحوة الضمير، أو بفعل الحب، كما في رواية "نيدرمان" وهذا يعني ان لا خاتمة "لغرينبلات" غير خاتمة الفشل والخسران، وكرسي الحكم في الجحيم، والذي مهما كانت سلطته، تظل أبدا سلطة الخطيئة، التي لا يمكن ان تدوم.
وبكلمات اخرى فإن مرافعات "محامي الشيطان" في نص الواقع، ستظل هي مرافعات السياسة عديمة النزاهة، بكامل فكرتها العنصرية، وغاياتها الاستحواذية، ما يجعلها مرافعات الافتراء والجريمة، التي على واقع الشرعية الدولية اليوم، التصدي لها ومحاكمتها، لأنها بوضوح شديد تحاول قتل هذا الواقع، بنسف كل قراراته التي لا تريد لسلوكيات وحلول منطق الغابة، ان يسود في المجتمع الدولي، وعلى هذا الواقع ان يدرك قبل فوات الأوان، انه ما لم يذهب الى هذا التصدي، وهذه المحاكمات، فإن التاريخ لن ينظر اليه في محاكماته سوى انه التواطؤ المدان، مثلما سينظر الى مرافعات "محامي الشيطان" بكونها دفاعات متهم قد تمت ادانته ..!!
وبكلمات اخرى ان المجتمع الدولي اليوم، معني أكثر من غيره، بالدفاع عن قراراته التي اتخذها في أطره الشرعية، هذه التي يحاول "غرينبلات"نسفها بمرافعاته الشيطانية ..!! وفيما يتعلق بنا فنحن وبلا اية استعراضات بلاغية، سيظل حال شعبنا هو حال التصدي لهذه المرافعات العدوانية، بما يملك من إرادة حرة، وقرار وطني مستقل، يمضي بمسيرته النضالية، تحت راية قيادته الشرعية الشجاعة والحكيمة، نحو مستقبل الدولة السيدة، بعاصمتها القدس الشرقية، وبما يعني في المحصلة، اننا نتصدى لمسؤولياتنا ومهماتنا ودورنا في هذه المواجهة، وعلى واقع الشرعية الدولية ان يرى ذلك جيدا كي يخطو خطوته السياسية والأخلاقية اللازمة، لأجل صفحة مشرقة له، لا في كتب التاريخ فحسب، وانما في كتب يومياته الراهنة، وبما يعزز ثقة البشرية بأطرها الشرعية، وقرارات هذه الأطر.