الأمن والحدود: لا تغيير في سياسات إسرائيل منذ أوسلو وكامب ديفيد وصولا لعمّان
سياسات نتنياهو ولاءات باراك وتجاهل 242 وحق العودة أفشل لقاءات عمّان
لندن - أحمد سيف
أدى التمسك الفلسطيني بشرط تقديم إسرائيل لموقفها من الحدود بين فلسطين وإسرائيل، والالتزام بالمرجعيات الدولية الخاصة، إلى فشل لقاءات عمّان في التمهيد إلى مفاوضات حقيقية للتوصل إلى حل الدولتين، تماما كما حدث في مفاوضات كامب ديفيد 2 صيف 2000.
الرئيس ياسر عرفات في ذلك الوقت (وكما الرئيس عباس الآن يصر على تثبيت حدود عام 1967 ووقف الاستيطان) أبلغ واشنطن، مرارا وتكرارا، عبر وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت، بأن أية مفاوضات لن تنجح قبل تنفيذ الانسحاب الثالث الذي نصت عليه برتوكولات واي ريفر، التي تم التوصل إليها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 1998، وإلى وجوب إسناد المفاوضات المقترحة في كامب ديفيد الثانية إلى "تطبيق قرار مجلس الأمن 242 والاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية والإقرار بمبدأ حق العودة وفق قرار 194".
لكن الرئيس الأميركي السابق بل كلينتون أسقط المطالب الفلسطينية بالانسحاب الثالث رغم الكثير من الإصرار الفلسطيني. وهدد بالتخلي عن جهوده إذا ما واصل الجانب الفلسطيني التمسك بتنفيذ الانسحاب المتفق عليه مع نتنياهو. وأخضع مرجعيات الحل، وخاصة قرار 242، إلى ما يتفق عليه المتفاوضون، وذلك على النقيض من قمة كامب ديفيد الأولى حيث أصر الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر على حدود عام 1967 أساسا للمفاوضات بين مصر وإسرائيل.
تشير قراءة سريعة، وفق روايات محايدة متعددة (روبرت مالي وحسين أغا: كامب ديفيد.. مأساة الأخطاء. كلايتون شويسر: كامب ديفيد الحقيقة) لما دار في مفاوضات قمة كامب ديفيد الثانية عام 2000 بين الفلسطينيين والإسرائيليين بإشراف الرئيس الأميركي السابق بل كلينتون وزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات وقيادة ايهود باراك عن حزب العمل للجانب الإسرائيلي آنذاك، إلى عدم حدوث أي تغير في مواقف الطرفين الأساسية في مسألتي الحدود والأمن، وقضيتي اللاجئين والقدس. ويمكن ملاحظة تطابق ما قيل عن مقترحات إسرائيلية في مجالي الحدود والأمن، قدمت شفهيا إلى الجانب الفلسطيني في عمان مع المطالب الإسرائيلية التي قدمها باراك في كامب ديفيد 2.
يسعى الجانب الفلسطيني منذ بدء التفاوض لإيجاد حل سلمي، يستند إلى مرجعية توضح بجلاء حدود فلسطين استنادا إلى قرارات مجلس الأمن 242 و338. بينما تريد إسرائيل وبغض النظر عن الحزب أو التحالف الحاكم، تقاسم الضفة بعد تقسيمها، منح الفلسطينيين جزءا من منطقة القدس مقابل التخلي الكامل عن حق العودة وأملاك الفلسطينيين في الداخل وأي مظهر حقيقي من مظاهر السيادة على المعابر والثروات الطبيعية، ووضع سياسات تتناسب مع التصورات الإسرائيلية الأمنية التي يمكن وفق التفسيرات الإسرائيلية، أن تطال كل جوانب حياة الموطن والكيان الفلسطيني.
معرفة الفلسطينيين بهذه الحقيقة، تقف وراء إصرار القيادة الفلسطينية على رسم حدود الدولة الفلسطينية أولا، الأمر الذي سيؤدي إقراره إلى عدم جواز ووقف استمرار السياسة الاستيطانية ويحدد أيضا المدى الذي يمكن لإسرائيل أن تذهب إليه لفرض سياستها وتصوراتها.
ترفض إسرائيل بإصرار المطلب الفلسطيني منذ بدأت المفاوضات بأشكالها المختلفة، وترفض أي مرجعية دولية للحل. ترفض أيضا أي تدخل دولي لا تستطيع التعامل معه وتحييده إن لم تتمكن من استثماره كما يحدث مع اللجنة الرباعية الآن ومبعوثها طوني بلير، وتصر على مفاوضات ثنائية للاستفراد بالفلسطينيين ومحاولة اقتناص اتفاق ينهي الصراع - وعلى وشك التوصل إليه كما يشيع موزع الأوهام والخرافات الرئيس الإسرائيلي شيمون بيرس في دافوس قبل أيام- وقطف ثمار سياستها في إضعاف الفلسطينيين وتشتيتهم وإحكامها السيطرة على مقدراتهم وذلك قبل تبلور التطورات في المنطقة العربية لتساند بحق مسعى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
كامب ديفيد 2 وغياب المرجعية
تحدث الرئيس كلينتون في الحادي عشر من تموز عام 2000، في اليوم الأول من مؤتمر "كامب ديفيد 2" أمام المفاوضين الـ21 من جميع الوفود المشاركة، عن "المهمة والتاريخ الذي يتم صناعته هنا" وأغفل إسناد القمة ومقترحات الحل إلى مرجعية واضحة، كما حصل في كامب ديفيد الأولى. وحاول أن يجد إستراتيجية لجسر الخلافات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد سنوات من التجارب المرة وغياب الثقة وإضاعة باراك للكثير من الوقت في التنقل بين المسارات، هذا في ظل الشكوك الفلسطينية الكثيرة في المواقف الأميركية، وسهولة تخلي المسؤولين الأميركيين عن تعهداتهم للفلسطينيين إذا ما عارضتها إسرائيل وباراك الذي وصل إلى كامب ديفيد في حالة سيئة بعد أن فقد الأغلبية البرلمانية ومتمسكا بخطوطه الحمر.
عرفات: اللاجئون والقدس عاصمة
تحدث ياسر عرفات عن الموقف الفلسطيني كاشفا للرئيس كلينتون أنه قريب جدا من ملامسة موقفه النهائي تجاه قضية اللاجئين والقدس. طلب عرفات اعتراف بارك بحق العودة قبل مناقشة التفاصيل. وبخصوص القدس قال عرفات إن "الحل بسيط جدا: شرق القدس لنا وغرب القدس للإسرائيليين". هنا قال كلينتون إن الإسرائيليين لن يتخلوا أبدا عن سيطرتهم على القدس. لدى باراك الكثير من المشاكل عندما يتعلق الأمر بالقدس.. لا يستطيع التراجع" قال كلينتون هذا، حتى قبل أن يجتمع في كامب ديفيد رسميا مع باراك والوفد الإسرائيلي.
في اليوم الثالث وبعد أن قدم الفلسطينيون والإسرائيليون مواقفهم من القضايا المطروحة، انتظر الجانبان تقديم الرئيس كلينتون لمسودات اتفاق. كان الرئيس كلينتون قد ترك صياغة الخطوط العريضة لاتفاق محتمل، للمسؤولين في الوفد الأميركي الذين يفترض معرفتهم الدقيقة بمواقف الأطراف. ولكن الذين شاركوا في الصياغة سعوا إلى تجنب المساس بشروط باراك وخطوطه الحمر.
سرب دينيس روس المسودة الأولى إلى عدد من المفاوضين الإسرائيليين، وأصر باراك في لقاء عاجل مع أولبرايت على رؤية المسودة والمقترحات الأميركية قبل عرضها رسميا على الجانبين. "أريد أن أراها.. يمكن لمفاوضينا أن يرتكبوا أخطاء.. وسأخبركم إذا ما كان بإمكاني قبولها أورفضها".
تقول أولبرايت "باراك يريدنا أن نقوم بذلك وعندما نفذنا ذلك لم تعجبه المقترحات، تماما كما فعل مع السوريين قبل ذلك. إنه لا يثق في مفاوضيه أيضا". توضح أولبرايت هنا، أحد أسباب فشل كامب ديفيد: الرئيس كلينتون لا يريد "حشر باراك" ولهذا تم إجراء تعديلات على مسودة الاتفاق المقترحة.
الصراع على تفسير قرار242 وتثبيت مرجعية للمفاوضات
كانت المقترحات مجرد أفكار ولا تمثل الموقف الأميركي، ولكنها أيضا لا تستند إلى قرارات مجلس الأمن. تضمنت الورقة أفكارا إذا ما نفذت ستكون إقرارا من الطرفين بتنفيذ القرار 242: انسحاب من غزة وفق خط الرابع من حزيران، أما في الضفة فانسحابات يصل إلى نحو سبعين في المائة وتبادل نسبة 8 إلى 1 مع بقاء التجمعات السكانية من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
في الرابع عشر من تموز وفي الواحدة فجرا، ألقى الوفد الإسرائيلي نظرة على المسودة الثانية وبعد وقت قصير تدخل باراك بشكل فظ احتجاجا على ما ورد في المسودة تجاه القدس واعتبارها عاصمة للشعبين ودون وضع كلمة القدس بين أقواس. باراك الذي أصابه الارتباك، اعتقد أن ذلك سيدفع الفلسطينيين إلى التفكير بأن ذلك يشكل ضوءا أخضر لتقسيم القدس بدلا من خطته لإقامة عاصمة لهم في أبو ديس. دينس روس الذي كان مع باراك، كان يعرف أن الفلسطينيين بانتظار المسودة، أخذ على عاتقه تغيير النص بخط يده، فوضع خطا مائلا قبل كلمة القدس بعد أن شطب كلمة منطقة ومضيفا الموسعة
النص الآخر الذي جرى تغييره يتعلق في الصيغة التي سيتم التطرق فيها إلى قراراي مجلس الأمن 242 و338.
نصت المسودة على "تأكيد الجانبين التزامهما بـقراري 242 و338 وتأكيد التزامهما بأن الاتفاق النهائي يستند وسيقود إلى تطبيق قراري 242 و338.." رأى باراك أن النص هذا سيدفع الفلسطينيين إلى التفاوض معتبرين أن 242 هو الأساس، وقام مع روس بتغيير النص ليصبح "تأكيد الجانبين التزامهما بقراري 242 و338 وتأكيد تفاهمهما على أن تطبيق الاتفاق هو الأساس لتنفيذهما وسيقود إلى تنفيذ قراري 242 و338". التغيير الهام الذي أدخله روس على المسودة بخط يده، يعني أن بوسع باراك التمسك بمطالبه المبكرة والتي وفقها يكون الاتفاق تنفيذا لقرار 242 حتى لو لم يكن هذا الاتفاق مستند إليه.
الجانب الفلسطيني، الذي تسلم المقترحات بعد قرابة ساعة من إطلاع الجانب الإسرائيلي عليها، أبدى غضبه الشديد، خاصة المفاوضين أبو مازن وأبو علاء، ورفض الفلسطينيون المسودة المعروضة وسط اعتقاد معظمهم وعلى نحو خاص الرئيس عرفات، بوجود مؤامرة إسرائيلية أميركية.
في اليوم الرابع بدأ الأميركيون يفكرون بطريقة مختلفة بعد أن فشلت خطة دينس روس، وانقسم الفريق الأميركي حول الآلية المتبعة، وطالب البعض بوضع مقترحات محددة باسم الولايات المتحدة. آخرون طالبوا بالتشدد مع الأطراف، ونصح جميل هلال عضو الوفد الذي يتقن العربية، الرئيس كلينتون باستخدام "القفازات".
استهدف التكتيك الأميركي بالضغط على المفاوضين الفلسطينيين شخصيا والتفريق بينهم وتهديد بعض أعضاء الوفد الفلسطيني، زعزعة مواقف الوفد ومرجعياته، في ظل قلة التنسيق بين المفاوضين الذين تبتعد أماكن إقامتهم عن بعضها. لوحظ أيضا أن الأميركيين حاولوا إعطاء دور أكثر لمن أسموهم بالمفاوضين الشباب: محمد دحلان، وحسن عصفور، ومحمد رشيد.
احتل التركيز على القدس وعرض باراك المعروف، الحيز الرئيسي في المفاوضات، ولكن اللجان الأخرى وبعد مضي أكثر من أسبوع في التفاوض، لم تحرز أي تقدم هام.
أبو مازن وشعث أصرا على مبدأ حق العودة
كان تعيين باراك للجنرال المتشدد الياكيم روبنشتاين رئيسا للوفد الإسرائيلي في لجنة اللاجئين، مؤشرا واضحا على غياب نوايا التقدم في هذا المجال. ودارت حوارات غير مثمرة بين المفاوضين الرئيسيين أبو مازن وشعث عن الجانب الفلسطيني، اللذين أصرا على الاعتراف بمبدأ حق العودة قبل مناقشة التفاصيل. في حين وافق الإسرائيليون على عودة لاجئين فلسطينيين من لبنان عبر إسرائيل إلى وجهتهم النهائية في الضفة، إضافة إلى المشاركة في صندوق التعويضات والنظر في حالات إنسانية على أساس لمّ الشمل وليس العودة، إلى أماكنهم في وطنهم. وفتحوا ملف اليهود الذين تركوا البلاد العربية إلى إسرائيل.
رفض الخرائط الإسرائيلية
بخصوص المستوطنات، رفض الفلسطينيون الخرائط الإسرائيلية وقدم الخبير والمفاوض سميح العبد عن الجانب الفلسطيني، خارطة تسمح بتجميع 30 إلى 35 في المائة من المستوطنين في مساحة تشكل 2.5 في المائة من مساحة الضفة يجري استبدالها كما ونوعا. رفض الإسرائيليون الخارطة هذه وتقدموا بأخرى تفترض قيام دولة فلسطينية على مساحة 77.2 في المائة من مساحة الضفة، بينما تقوم بضم 8.8 ويتم وضع 13.3 من مساحة الضفة الواقعة على الحدود مع الأردن، تحت سيطرة فلسطينية محدودة وتواجد إسرائيلي بصيغة استئجار هذه المناطق بعقود لا تنتهي إلا بموافقة الطرفين (ادعى الوفد الإسرائيلي أن الأردن يفضل ذلك) وهذا يعني وفق الحسبة الإسرائيلية إعادة قرابة 91 في المائة باستثناء المناطق الحرام عند حدود عام 1967 والقدس ومياه البحر الميت.
الأمن والحدود: لا تغيير في الموقف الإسرائيلي منذ كامب ديفيد وصولا إلى عما
لاحقا وبعد عودة كلينتون من اليابان، تقدم الإسرائيليون بمطالب واضحة على صعيد الأمن والحدود:
3 محطات إنذار مبكر في المناطق المشرفة على غور الأردن.
3 سنوات لتفكيك بعض المستوطنات.
خمس قواعد عسكرية على امتداد نهر الأردن لاستخدامها في حالة الطوارئ التي تحددها إسرائيل إذا ما هوجمت من الشرق (الأردن أو العراق) وإصرار على قيامها بهذه المهمة من دون شريك غربي أو دولي.
3 طرق رئيسية في الضفة للوصول إلى هذه القواعد واستخدامها أمنيا وفي حالة الطوارئ.
إشراف إسرائيلي على المعابر مع الأردن ومصر.
سيطرة على الفضاء والملاحة الجوية.
حصر المجال الكهرومغناطيسي (باعت حقوقه بما في ذلك الضفة، بمئات الملايين لشركات مثل أورانج وغيرها) في يد إسرائيل لأسباب أمنية: ترددات الهواتف النقالة والذبذبات والبث المسموع والمرئي.
دولة منزوعة السلاح وتتولى إسرائيل المسؤولية عن أمنها الخارجي.
تنازلات وهمية مقابل إنهاء الصراع والمطالبات
رفض الفلسطينيون مجمل الطلبات الإسرائيلية وتبين للرئيس كلينتون، عمق الأزمة التي تحيط بالمؤتمر من كافة النواحي وقرر العودة إلى وضع القدس على طاولة المفاوضات، أملا بأن يؤدي ذلك في اللحظات الأخيرة إلى صفقة رئيسية تمهد إلى اتفاقات في القضايا الأخرى.
كانت اقتراحات باراك حول القدس هي جوهر "التنازلات" الإسرائيلية، مقابل إقرار الفلسطينيين بصياغة إسرائيلية تفصيلية تعلن إنهاء الصراع والمطالبات الفلسطينية حتى قبل الاتفاق على القضايا الأخرى.
في الجلسة الأخيرة التي حضرها دينس روس، وجورج تينت، ومادلين أولبرايت، وساندي بيرغر، وعرفات، وأبو علاء، وعريقات عن الجانب الفلسطيني، بدأ كلينتون كلامه بعرض خاص للرئيس عرفات: "سيتم إقامة مكان رئاسي لاستخدامك الشخصي إلى جانب الحرم داخل الحي".
عرفات رفض الفكرة على الفور قائلا: هذا سيكون جزيرة صغيرة محاطة بالجنود الإسرائيليين على المداخل. ما نطلبه سيطرة فلسطينية كاملة على القدس التي احتلتها إسرائيل عام 1967".
أغضب جواب عرفات كلينتون الذي خاطب الرئيس الفلسطيني بعصبية: إذا كان بإمكان الإسرائيليين تقديم تنازلات وأنت لا تستطيع، فعلي الذهاب إلى البيت، أنت هنا منذ أسبوعين وقلت لا لكل شيء.. لهذه المواقف عواقب والفشل يعني نهاية عملية السلام.. ليندلع الجحيم وعش العواقب".
كلينتون وباراك: فشل باهظ التكاليف
رد عرفات قائلا "إذا كان هناك من يتصور أنني سأتخلى عن القدس فهو مخطئ. تقول إن الإسرائيليين قد تنازلوا ولكنهم المحتلين وليسوا أسخياء ولم يعطوا من جيوبهم ولكن من أرضنا.. أتكلم فقط عن تطبيق قرار 242، أتكلم فقط عن 22 في المائة من مساحة فلسطين سيدي الرئيس".
في نهاية هذه الجلسة الحاسمة، صافح كلينتون عرفات قائلا: "أنت رجل مخلص أظهرت صلابة في الدفاع عن مواقفك، ولهذا أحترمك وأحترم مطالبكم".
ذهب الفلسطينيون ليعدوا حقائبهم في هذه الأثناء، كان باراك وكلينتون يناقشان كيف سيتم إعلان نهاية المؤتمر، وتحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية الفشل، الأمر الذي كذبته معظم الروايات الموضوعية اللاحقة لما جرى في كامب ديفيد.
طلب الجانب الفلسطيني من الإدارة الأميركية البناء على بعض التقدم، لكن رؤية باراك كانت تستند كليا إلى صفقة شاملة لإنهاء الصراع ولم يكن مهتما في هذه اللحظة، بأكثر من تحميل الفلسطينيين مسؤولية الفشل ومخاطبة الإسرائيليين. مرة أخرى تبنى الرئيس كلينتون الموقف الإسرائيلي ولم يفِ بتعهداته.
كان لموقف كلينتون هذا وتبنيه موقف باراك والسياسة الإسرائيلية على المسار الفلسطيني وقبل ذلك على المسار السوري، أثر مدو ومضاعفات على السياسة الأميركية، ليس أقلها التسبب بشكل رئيسي في انفجار الانتفاضة الثانية. وبعد ذلك في غزو العراق. وأدى استمرار السياسة الأميركية في عهد الرئيس أوباما، والرضوخ الكامل لإسرائيل في عهد نتنياهو ومطالب اللوبي اليهودي الإسرائيلي، إلى إلحاق المزيد من الضربات والهزائم الموجعة في المكانة الأميركية بعد فشلها في العراق وفي أفغانستان وفقدان حلفاء لها كما حصل مع سقوط نظام مبارك واهتزاز عروش وأنظمة حليفة أخرى. وكاد حل الدولتين يصبح وهما كبيرا ومعه يكبر السؤال الفلسطيني المصيري مجددا عما يجب فعله للخلاص من الاحتلال وفي الحال الفلسطيني، في الداخل وفي الخارج.