قصر عبد الهادي.. إرث حضاري يستحق الاهتمام
بدوية السامري
تعلو إحدى الزوايا المطلة على حارة القريون إحدى حارات البلدة القديمة من مدينة نابلس، شجرة نخيل ضخمة، يفوق عمرها المئتي عام، تمتد جذورها في حديقة كانت تعرف قديما بـ"الحرملك" ويعني الجناح الأضخم في قصر سلطان الدولة العثمانية، ويضم والدته وزوجاته وجواريه.
تقع الحديقة في الطابق الثالث من قصر محمود عبد الهادي، قائم مقام نابلس في الحكومة التركية خلال الفترة 1820-1830، بني القصر أوائل القرن التاسع عشر حسب ما يقول حفيد العائلة معين عبد الهادي، مضيفا ان الحديقة تعرف اليوم بـ"المعلقة" وفيها أنواع مختلفة من الفواكه كالرمان، و"الأسكدنيا"، والتوت لكنها كما القصر بحاجة إلى العناية والاهتمام.
ويعتبر قصر عبد الهادي كما يقول معين، من أضخم المباني والقصور التي بنيت في العصر العثماني في مدينة نابلس، وتبلغ مساحته 5 آلاف متر مربع، وقد جرى بناؤه بعد انتقال عائلة عبد الهادي من قريه عرابة قضاء جنين الى نابلس، حيث بنت العائلة أيضا العديد من القصور ومصانع الصابون.
وبحسب عبد الهادي، فإن عائلته كانت ثرية في تلك الحقبة لذا كانت تستخدم زيت الزيتون في بناء القصور من خلال خلطه مع مواد البناء، كما أن البوابات كانت تصنع من الخشب المنقوع بالزيت.
ويصف المهندس نصير عرفات القصر بأنه: "ليس كغيره من المباني، بل يرمز إلى العمارة العثمانية الإسلامية، وهو الأضخم على الإطلاق مقارنة بالقصور الأخرى في فلسطين التي بنيت في تلك الفترة".
وشبه عرفات القصر بالقلعة السكنية، بسبب نظام الحماية الذي بني عليها القصر حيث الأسوار العالية، اضافة لعدم وجود أية فتحات خارجية أو نوافذ في الطوابق السفلية.
ويكمل عرفات: "يقع القصر على سفح جبل جرزيم، تحيط به ساحة مفتوحة من الجوانب الأربعة وبهذا التشكيل يعتبر الأكبر مساحة، والإبداع الهندسي من حيث التصميم".
ويعتبر قصر عبد الهادي معلما ومركزا رئيسيا من مراكز الثراء لعائلة عبد الهادي كما قصور باقي العائلات الثرية، مثل عائلة طوقان والنمر وآخرين، وما يميزه أنه القصر الأول في فلسطين الذي كان يضم حماما يشبه الحمام التركي، ومصلى للضيوف وأهل المنزل.
ويبلغ عدد غرفه 144 غرفة، وهو مكون من أربعة طوابق. الطابق الأرضي كان يستخدم إسطبلا للخيول وتحول لاحقا إلى مخيطة يعمل بها أبناء العائلة.
وما زالت بوابة الإسطبل التي يقدر ارتفاعها بثلاثة امتار على حالها، وهي صممت من خشب السنديان المنقوع بزيت الزيتون المقاوم للاشتعال، ويحيطها من الخارج صاج سميك، وتتوسط البوابة فتحة صغيرة تسمى "الخوخة"، لتسهيل عملية دخول الأشخاص وخروجهم بدلا من البوابة الكبيرة، فيما مفتاحها الكبير ما زال بحوزة العائلة حتى اليوم.
أما الطابق الثاني فكان يطلق عليه قديما بـ"السلملك"، وهو بحسب عبد الهادي مصطلح تركي يعني قسم الرجال والضيوف الغرباء، أما الثالث فكان يسمى بـ"الحرملك" المحصن بأسوار عالية، ويمنع على الغرباء دخوله، ويلمح الزائر للقصر زخارف مختلفة تعلو حجارته وأبوابه، فيما أرضية القصر مصممة من البلاط السلطاني.
عام 1948 أوت العائلة داخل القصر عددا من العائلات المهجرة عقب احتلال فلسطين إبان النكبة، كما تم تحويل إحدى غرفه روضة لتعليم الأطفال في العام ذاته، وبقيت الروضة قائمة حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي، واليوم يسكن القصر 12 عائلة من أحفاد محمود عبد الهادي.
ويقول عبد الهادي "رغم أهمية القصر التاريخية، إلا أنه بحاجة لإعادة تأهيل ونتمنى أن يجد اهتماما من الجهات المختصة، حتى لو كان وقفا للعائلة".