قارئ الجريدة
بدوية السامري
يجلس نور الدين الخليلي قبل الساعة الثامنة صباح كل يوم على أطراف شارع الفاطمية في مدينة نابلس ليطالع "صحيفة القدس"، التي تعوّد قراءتها يوميا منذ عشرات السنين.
آلاف المارة والذاهبون إلى مدارسهم وأعمالهم يلاحظون الرجل السبعيني الذي يعمل في أعمال الحدادة في محددة والده منذ عام 1968، على ذات الشارع وهو يقرأ تلك الصحيفة قبل بدء عمله.
وإن لم يجلس الخليلي يوما هناك، يتساءل المارة أين هو؟ فقد اعتادوا وجود "قارئ الجريدة" يوميا.
"صحيفة القدس" هي ما أطالع يقول الخليلي، "لا أتابع مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أقوم بفتح شبكة الانترنت لمتابعة آخر التطورات، وعوضا عن ذلك أقرأ صحيفة القدس صباحا، وأتابع نشرة أخبار واحدة مساء من خلال التلفاز".
لا يأبه الخليلي بالضوضاء من حوله، من أصوات سيارات، ومارة، وطلبة مدارس، وصوت إحدى المديرات في مدرسة مجاورة وهي تطلب من الطالبات أداء السلام الوطني الفلسطيني، فهو يغوص داخل الجريدة كما يقول عن خبر مفرح يوميا ليعدل مزاجه ويبدأ العمل بنشاط، لكن تلك الأخبار شحيحة كما يقول، فأغلب الأخبار التي يطالعها لا تسر الخاطر.
الخليلي هو من قلة قليلة في المدينة التي ما زالت تطالع الصحف، لأن أمور عدة حلت مكان القراءة بشكل عام، فما بالك بالصحف!
ويبرر الكثيرون أنهم حتى اذا ما أحبوا قراءتها فهم يتوجهون للصحيفة المصورة، من خلال شبكة الانترنت فلمَ شراء الصحيفة اليومي؟
ويكتب أحد رواد "شبكات التواصل الاجتماعي" على صفحته في "فيسبوك"، "رأيت أحدهم يشتري جريدة، فتذكرت أن لي مدة لم أمسح زجاج سيارتي"، في اشارة إلى أن شراء الصحف لم يعد بغرض القراءة وإنما لأمور أخرى.
وتأثرت نسبة مبيعات الصحف في فلسطين خلال العشرين سنة الأخيرة بشكل كبير وملحوظ، وانخفضت نسب القراءة بشكل عام، بسبب التطور التكنولوجي، وعدم الدافع للقراءة، وتسارع الحياة، كما يقول العديد من المواطنين.
ولدى سؤال الكثيرين عن آخر مرة قرأوا بها جريدة، فإنهم يحتاجون الوقت الكثير ليتذكروا ذلك.
يشير محمد عبد الحق صاحب إحدى المكتبات في المدينة، والذي ورث مهنة وكالة الصحف وتوزيعها من والده، حيث كان يسافر يوميا لشراء الصحف من الأردن، وسوريا، ولبنان خلال خمسينيات القرن الماضي.
كان يغادر والد محمد كما يقول الابن، المنزل فجرا يتناول وجبة فطوره في عمان، والغداء في بيروت، ويعود لتناول طعام العشاء في منزله في نابلس، محملا بصحف الدستور، والرأي، والبعث حينها.
كان القراء حينها ينتظرون تلك الصحف على أحر من الجمر، وحال وصولها يسارعون لشرائها وقراءتها.
"لكن في وقتنا الحالي، يريدون أن تصل الجرائد إلى المنزل أو المكتب أو ربما تكون أمامهم، ولا يقرأون".
عبد الحق قضى 49 عاما في وكالة الصحف وتوزيعها، ومن تلك الصحف، الفجر، والشعب، والميثاق، والقدس، والنهار، والآن الأيام والحياة الجديدة، ويقول إن آلاف النسخ كانت توزع حتى بداية القرن الواحد والعشرين في محافظة نابلس، لكن العدد بدأ بالتقلص شيئا فشيئا.
ويشير عبد الحق إلى أن عدد النسخ المبيعة لا تصل إلى ثلاثين نسخة وسط مدينة نابلس، "وما يوزع داخل المحافظة نصفه مرتجع، وذلك بسبب انعدام ثقافة القراءة في مجتمعنا".
ويضيف أن "الصحف ما زالت تُقرأ في الغرب وبشكل كبير رغم التقدم التكنولوجي، لشغفهم بالقراءة، فأينما ذهبت تجدهم يقرأون، لكن في مجتمعنا لا نلمس هذا الشغف".
وخلال حديثنا دخل أحدهم الى المكتبة ليشتري صحيفتين، وبعد خروجه أخبرنا عبد الحق بأنه مقاول ويقوم بشراء الجريدة يوميا فقط من أجل العطاءات لا أكثر.
وتصدر في فلسطين حاليا ثلاث صحف رئيسية: "الأيام" و"الحياة الجديدة" وتصدران من رام الله، و"القدس" من مدينة القدس.
بينما كانت عدة صحف توقفت عن الصدور نتيجة للاحتلال الإسرائيلي في حزيران 1967. وفي أواسط 1968 تقدم محمود أبو الزلف بطلب ترخيص صحيفة "القدس"، التي توقف اصدارها، مع احتلال المدينة في العام الذي سبقه، واستأنفت صدورها في تشرين ثاني/ نوفمبر 1968، وتلتها في عام 1972 كل من صحيفتي "الفجر"، و"الشعب".
وفي عام 1986 أصدر عثمان الحلاق في القدس صحيفة "النهار"، كما صدرت صحيفة "البلاد" في رام الله.
ومع عودة كادر منظمة التحرير الفلسطينية إلى الوطن عكف الطاقم الإعلامي الذي كان يصدر مجلة المنظمة في المنفى "فلسطين الثورة"، على إصدار صحيفة "الأقصى" اليومية من مدينة أريحا وبدأت "الأقصى" بالصدور في نيسان/ إبريل عام 1995.