أمجد ناصر.. رحيل قامة أدبية عربية
يامن نوباني
رحل الشاعر أمجد ناصر (1955-2019)، وهو اسم الشهرة ليحيى النميري النعيمات، بعد أربعين عاما من الأبداع، وإثراء المشهد الثقافي العربي، شعرا ونثرا ورواية.
صدر للشاعر والأديب الراحل الذي ارتبطت حياته وشعره بالقضية الفلسطينية، نحو عشرين كتاباً في الشعر والرواية وأدب الرحلات، وتُرجمت من أعماله الأدبية إلى اللغات الفرنسية والإيطالية والإسبانية والألمانية والهولندية والإنجليزية.
عام 2013، أصدر ناصر "بيروت صغيرة بحجم كف اليد" وفيه استعاد صمود مدينة بيروت والمقاومة الفلسطينية الباسلة، ودوّن يوميات معركة عام 1982، التي حاصر فيها جيـــش الاحتلال الاسرائيلي بيروت.
مدير عام الآداب في وزارة الثقافة الفلسطينية عبد السلام عطاري، نعى الراحل على صفحته على موقع "فيسبوك" وكتب: "أمجد ناصر ... الاسم القضية (قديما كان اسمه يحيى تعمّد في النّهر فصار المجد اسمه واسمنا). بين اسمين، يحيى النعيمي ببشرته السّمراء، وأمجد ناصر بغضبِه الثوري، كان النّهر يؤلف موجةً بين زمنين، ويضمّ تنهيدته العتيقة حين يقبض بشفتيهِ على لُفافة تبغٍ من رفاق الجنوب القصيّ، وكانت القصيدة تُكتب بحبرِ الجَمر على صفيح الذاكرة التي لم تتهرأ رغم الصدأ الذي تراكم على زمن كان فيه الحُلم قضية".
"أمجد ناصر أو يحيى النعيمات لا فرق في نصّ شهادة الولادة، عندما تكون الإرادة من فولاذ شربت من زند العُمر صلابتها".
"يا ناصر، هذي الجموع تكتبك وأنت نصّ القضية النقيّ الأبيض، كما بشرتك السّمراء بلون الغور وضفتيّ النهر وفلسطين التي أحببتَ، فكنّا نراك تُشبهها، وكنّا نظنك من رحمِها جئت، وكان الظّن أنك رضعت العزّة فصار عزّك فينا ومنّا يا ابن الأكرمين، قديمًا كان اسمه يحيى تعمّد في النّهر فصار المجد اسمه واسمنا".
أما الكاتب الفلسطيني ربعي المدهون، فرثاه قائلا: "وداعا صديق المنافي والمدن التي توزعانها وسكنتنا، والمسافات التي قضيناها بين الكلام والجدل، والسهر الطويل على إيقاع العمر، وخطواتنا التي تشبهنا على جسور الزمن، نروض منافينا كي نبقى ونلغي المسافات ونقترب".
ولد ناصر في قرية الطرة التابعة لمحافظة الرمثا الأردنية، درس العلوم السياسية في جمهورية اليمن الشعبية، وعمل في التلفزيون الأردني، ثم التحق بالمقاومة الفلسطينية نهاية سبعينيات القرن الماضي في بيروت، وعمل في عدد من الصحف الدورية بينها "الهدف" و"الحرية".
غادر بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي لها صيف عام 1982، حيث كان مسؤولا عن البرامج الثقافية في إذاعة الثورة الفلسطينية، وساهم في تأسيس صحيفة القدس العربي منذ 1987، واستقر في رحلته الصحفية في "العربي الجديد" بلندن، وتفرغ للعمل الثقافي والإعلامي الذي حمله إلى عدد من عواصم العالم، وخاصة بيروت، وقبرص، ولندن.
أصدر أولى مجموعاته عام 1977 في بيروت، وتحول مطلع الثمانينات لقصيدة النثر، ليصدر عدة دواوين منها: "منذ جلعاد"، و"رعاة العزلة"، و "سر من رآك"، و"مرتقى الأنفاس" وممزوجا بين السرد والشعر حيث أصدر: "حياة كسرد متقطع"، و"وحيدا كذئب الفرزدق"، ومختارات شعرية بعنوان "أثر العابر".
وفي السرد والرواية صدر له "خبط الأجنحة"، و"هنا الوردة"، و "في بلاد ماركيز"، وكان الشاعر الراحل من أوائل الذين انتقلوا نحو "قصيدة النثر"، وترجمت بعض أعماله للغات أوروبية بينها الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والإسبانية.
حصل ناصر على جائزة محمود درويش التي يمنحها مجلس أمناء الجائزة ومقرها رام الله، وجائزة محمد الماغوط عام 2006 من قبل وزارة الثقافة السورية، واختيرت روايته "هنا الوردة" عام 2017 ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورة العام الماضي.
كان ناصر أول شاعر عربي يقرأ في الأمسية الافتتاحية لمهرجان لندن العالمي للشعر، ومشاركته في لجان تحكيم الجوائز العربية والدولية في الأدب والصحافة.
وللأديب الراحل ديوان شعري بعنوان "بترا"، صدر عن دار "تافيرن بوكس" المتخصصة في نشر قصيدة واحدة في كتاب فني، كما اعتبرت صحيفة "الغارديان" البريطانية روايته "حيث لا تسقط الأمطار" من الأعمال الروائية المهمة التي نشرت في لندن.
كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في حقل الآداب، ووسام الإبداع والثقافة والفنون الذي منحه إياه الرئيس محمود عباس، تقديرا لدوره في إغناء الثقافة العربية، وتحديدا الأردنية والفلسطينية.
تسلم ناصر قبل أشهر قليلة وسام الثقافة والعلوم والفنون من فئة الإبداع من وزير الثقافة الفلسطيني، تقديرا لدوره في خدمة القضية الفلسطينية، وسلمه وزير الثقافة الأردني محمد أبو رمان درع الوزارة، كما أعلن اتحاد الناشرين الأردنيين عن اختياره شخصية العام لمعرض عمان الدولي للعام الحالي.
رحل الشاعر والأديب أمجد ناصر الليلة الماضية في الأردن، عن عمر يناهز 64 عاما، بعد صراع طويل مع المرض.