"أبو محمد"... صورة استثنائية للصمود في القدس
نديم علاوي
في خضم معركة التحدي والصمود التي يخوضها المقدسيون، يتجلى صمود المواطن عماد أبو خديجة "أبو محمد" بباب السلسلة أحد أبواب الأقصى، برفضه 30 مليون دولار لقاء بيع محله الذي يبعد عدة أمتار عن الأقصى.
عماد البالغ من العمر 58 عاما، يدير حانوتا ويبيع في واجهته بعض المشروبات والاكلات الخفيفة في موقع استراتيجي تلتصق جدرانه بجدران الأقصى، وتصف حجارته الامبراطوريات القديمة، لم يقبل 31 مليون دولار عرضت عليه لبيع محله، فيما ينكسر عليه 296 ألف شيقل ضرائب وغرامات يطالبه الاحتلال بدفعها.
عائلة أبو خديجة التي ورثت المحل قبل 80 عاما، تواصل قوات الاحتلال تنغيص الحياة عليه خلال احتفالات المستوطنين قرب "حائط البراق" الذي لا يبعد عن حانوته عشرات الأمتار.
وأشار أبو محمد وهو يستذكر حانوته الذي يعرفه المقدسيون بالمكان الأثري والمطعم السياحي، إلى أنه في العام 2006 لم تكن مساحة الحانوت تتجاوز 6 أمتار، لكنه ظل بين الحين والآخر يعمل على توسعته وحمايته.
وخلال عمليات التوسعة اكتشف أنه عثر على تاريخ عريق منذ زمن يعود لألفي عام، حيث كشفت شبكة أنفاق تصله بالمسجد الأقصى وباب العامود وكنيسة القيامة وحائط البراق، حتى أصبح من الحوانيت الكبيرة في القدس.
وعن خنق الاحتلال المتواصل لاقتصاد القدس قال أبو محمد لـ"وفا"، إن الضرائب العالية التي تفرضها حكومة الاحتلال في القدس تجبر بعض المقدسيين على بيع كوب القهوة مثلا بـعشرة شواقل، وقد يصل السعر إلى خمسة عشر شيقلا، لكنة يحاول قدر الإمكان التخفيف على الزوار من حيث الأسعار.
"بعد أعمال التوسعة والمعاناة المستمرة نتيجة الحفر بالخفاء، أجبر أبو محمد فيما بعد على دفع أموال طائلة "لسلطات الاحتلال بسبب الحفر".
وعن رفضه بيع الحانوت الأثري أضاف، "كيف بنا أن نبيع شيئا للاحتلال، صحيح أننا أهلها ولكن نحن هنا وكلاء وحراس وأمناء أيضا على أوقاف القدس والمقدسات، مناشدا كل إنسان أن يشارك المقدسيين في تمسكهم ورباطهم في القدس.
وتابع، "همنا الوحيد تعريف الناس بالمعالم الأثرية في بالقدس، لأنه غالبية الناس يظنون الأقصى والقيامة وبعض الأسواق هي القدس"، فالقدس لا تختصر في باب العامود أو خان الزيت.
ويسعى الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلال المدينة المقدسة إلى تغيير معالمها العربية والإسلامية، مستخدما العديد من الوسائل، كعمليات الهدم المستمرة، إلى جانب محاولات تهجير التجار والمواطنين والاستيلاء على منازلهم ومحالهم، وتغيير أسماء الشوارع والمعالم المعروفة في المدينة.
وكان أبو محمد قد تعرض أكثر من مرة لمداهمة منزله والتحقيق معه فقط بهدف التضييق والابتزاز، لإرضاخ هذا الرجل واجباره على بيع حانوته.
ويشكل الحانوت جزءا من مجموعة مبانٍ تصطف على شكل مدارس قديمة وحمامات تخدم المارة والزوار، ومجموعة من القناطر والجسور المتواصلة على التلتين الشرقية والغربية لمدينة القدس، مشكّلة ما يعرف بباب أو طريق السلسلة، كما أوضح الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية لـ"وفا".
وأكد أنه واحد من المباني التي تشهد صمود المقدسيين رغم مغريات المال، والعديد من الاعتداءات التي يمارسها الاحتلال من أجل التخلي عنه، رغم قلة الامكانيات.
واعتبر أن صمود أبو محمد يشكل رمزين من رموز صمود المقدسيين في القدس، الأول كونه شكل تحديا لسلطات الاحتلال من الاستيلاء على محله، وكذلك رأس الحربة في وقف الزحف الاستيطاني في حائط البراق الذي يبعد عنه نحو 70 مترا من بين مدخل الحانوت ودرج الحائط.
وكانت ما تعرف "بسلطة الآثار الإسرائيلية" نشرت أن الحانوت واكب الفترة البيزنطية ثم الصليبية ثم المملوكية.
وما زال أبو محمد كغيره من المقدسيين الذين تمسكوا بثرى القدس رغم مغريات المال، ورفضوا الانصياع لأوامر الاحتلال من خلال تجسيد بقائهم وصمودهم على الأرض.