"أبو الأسرى" في ذكراه
زكريا المدهون
قبل عشرين عاما، منع أمن "المنتدى" مقر الرئاسة في غزة مسيرة لأهالي الأسرى جاءت لمقابلة الرئيس ياسر عرفات "أبو عمّار" بعد اعتصام أسبوعي في مقر اللجنة الدولية لمنظمة الصليب الأحمر.
وصل الخبر الى "أبو عمّار" الذي غضب بشدة وقطع زيارته خارج "المنتدى" وتوجه فوراً الى أهالي الأسرى ووبخ حراس الحاجز الأول وقال لهم بلهجته المصرية: "دول خط أحمر".
ويروي محمد المجدلاوي (56 عاماً) الذي عايش تلك اللحظات بالقول: "عندما شاهدنا أبو عمّار كان منفعلاً بشدة بعد منعنا من قبل الأمن لمقابلته".
وأضاف المجدلاوي الذي يناصر الأسرى منذ أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً في جميع المناسبات، قال "أبو عمّار" للحراس: "دول خط أحمر هؤلاء أهالي الأسرى ضحوا من أجل فلسطين".
وتابع لـ"وفا"، "قابل أهالي الأسرى "الختيار" واستمع منهم الى معاناة أبنائهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي"، لافتا الى أن الشهيد عرفات كان أبا وأخاً لجميع الأسرى دون استثناء.
وتحل غداً الذكرى الخامسة عشرة لاستشهاد الرئيس الخالد ياسر عرفات، بعد محاصرته من قبل الاحتلال الإسرائيلي بمقر الرئاسة في مدينة رام الله.
وسجل التاريخ مواقف إنسانية عظيمة للرئيس عرفات تجاه أبناء شعبه ومنهم الأسرى، حيث لا تزال مقولته المشهورة تتردد في كل المناسبات الوطنية... "خيرة أبناء شعبي في السجون".
ناضل "أبو عمّار" على كل الجبهات في زمن الحرب والسلم من أجل الأسرى، ولم يرفض يوماً طلباً لأسير أو لذويه ممن طرقوا باب مكتبه.
فساعد أسرى من أجل الزواج والأبناء والعلاج وغيرها الكثير، وأنشأ من أجلهم أول وزارة تعنى بشؤونهم، بعد سنوات من تأسيس "مؤسسة الشهداء والجرحى والأسرى" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتعرّض الشهيد الخالد لضغوط لتجاوز ملف الأسرى خلال المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، لكنه كان يرفض ويصر على موقفه ما أدى الى الافراج عن الآلاف منهم.
ويتعرض الرئيس محمود عبّاس الى ما تعرض له رفيق دربه "أبو عمار" من ضغوط من قبل الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو للتوقف عن دوره الوطني والإنساني تجاه الأسرى.
رفض "أبو مازن" ضغوط نتنياهو وابتزازه المالي عبر قرصنة أموال الشعب الفلسطيني وخصم ملايين الشواقل من مخصصاتهم، وقال عبارته الشهيرة رغم الأزمة المالية: "سندفع لهم لو لم يبق معنا الا شيقل".
يقول المختص بشؤون الأسرى والمحررين ناصر فروانة: "إن العلاقة التي كانت تربط الشهيد الخالد عرفات بالأسرى والمحررين، لم تكن مجرد علاقة مسؤول بمرؤوسيه، أو قائد بجنوده، فحسب، إنما هي علاقة الأب بأبنائه، فهو من وصفهم في محافل عدة بأنهم خيرة أبناء الشعب الفلسطيني".
وأضاف لـ"وفا"، "كان وفياً لقضيتهم وصادقا معهم وسخيا في دعمه لهم، ومتابعا لتفاصيل حياتهم وعلى تواصل دائم معهم، وحريصا على أن تبقى قضيتهم حاضرة وحية في جميع الأوقات، وضمن كافة الخطابات الشعبية والرسمية، وموجودة على أجندة اللقاءات العربية والدولية، وكثيرا ما أصر على إدراجها ضمن لقاءاته مع زعماء العالم، واصطحب معه مرارا أبناء الأسرى خلال لقاءاته مع شخصيات عربية ودولية، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- لقاؤه بالرئيس الأميركي "بيل كلنتون" والرئيس الفرنسي "جاك شيراك" وبابا الفاتيكان "يوحنا بولس الثاني" وغيرهم.
"أبو عمار"، هو القائد الفلسطيني الذي أسس لثقافة أسر وخطف جنود الاحتلال لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين، فنجح مرارا في تحقيق ذلك، وأشرف على انجاز العديد من صفقات التبادل والتي كان أضخمها في نوفمبر عام 1983. كما أصرّ على إطلاق سراح الأسرى في إطار العملية السلمية التي انطلقت عقب اتفاق "اوسلو" عام 1993، فنجح في انتزاع حرية الآلاف منهم.
وأكد الباحث في شؤون الاسرى، أن "عرفات" هو أول من اعتبر أن الأسرى هم جنود، وأن رواتبهم يتم التعامل معها حسب رتبهم العسكرية، بالإضافة الى قراراته باستيعاب الأسرى المحررين في القطاع العام (المدني والعسكري)، واحتساب سنوات الاعتقال كسنوات خدمة فعلية، ما قاد الى احداث نقلة نوعية في مكانة وحضور قضية الأسرى والمحررين على المستويين الوطني والسياسي.
كما لا ننسى دعمه لنضالات الأسرى واضراباتهم عن الطعام، ونذكر هنا زيارته لخيمة الأسرى المحررين المضربين عن الطعام في غزة تضامنا مع اضراب الأسرى في السجون.
وأوضح فروانة، "ما من مرة طلب فيها اهالي الاسرى مقابلته واعتذر، وذات مرة غضب من كل الوزراء وطلب منهم مغادرة المكان، فغادروه، فإذا به ينادي على هشام عبد الرازق أول وزير للأسرى ويسأله: لماذا غادرت فأجابه: انت من قلت لنا انصرفوا.
فرد عليه "أبو عمّار" قائلا: "كلهم يغادرون أما أنت فابق هنا... تعال واحكِ لي عن الأسرى وحدثني عن أخبارهم وأوضاعهم".
ويتذكر فروانة موقفا حدث معه حيث قالت له زوجة الرئيس سهى عرفات خلال اتصال هاتفي: "لقد أوصانا "أبو عمار" وهو على فراش الموت بالأسرى، وأوصى من كان يقف حوله بهم، وحثّ وزير المالية في الحكومة آنذاك سلام فياض على مواصلة الاهتمام بهم وصرف مستحقاتهم المالية".