وجه آخر للاستيلاء على الأغوار..
الحارث الحصني
حينما قرر محمد دراغمة زراعة أرضه بالبقوليات في منطقة أم الجمال بالأغوار الشمالية، كغيره من المزارعين الذين ينتظرون أن ترتوي أراضيهم بمياه الأمطار لزراعتها، لم يكن يعلم أن مستوطنين قد "سبقوه" إلى فلاحتها، وكأنها أرضهم!!
خلال الأيام المشمسة الماضية، بدأ المزارعون بحراثة أراضيهم في عدة مناطق بالأغوار الشمالية؛ تمهيدا لزراعتها بالمحاصيل الشتوية، وأخذت حركة الفلاحين النشطة تشتد يوما بعد آخر في بذر الحبوب في الأرض قبيل قدوم منخفضات جوية متوقعة.
"ممارسات وتدابير قوات الاحتلال واعتداءات المستوطنين فوق أراضينا حال دون قدرتنا على حرثها وبذرها" قال عدد من مزارعي الأغوار الذين أشاروا لقيام مستوطنين مسلحين، منذ اسابيع، وتحت حماية قوات الاحتلال بالاستيلاء على أراضيهم وحراثتها في سباق مع الزمن، ولفرض وقائع جديدة على الأرض التي يمتلك اصحابها "كواشين وأوراق "طابو" توارثوها أبا عن جد، تثبت ملكيتهم لها.
"إنها واحدة من سياسات الاحتلال وشكل آخر للسيطرة على الأغوار". قال الناشط الحقوقي عارف دراغمة.
وتشير الأرقام التقديرية لدى مهتمين بتوثيق اعتداءات الاحتلال والمستوطنين ضد السكان والأراضي في الأغوار الشمالية، إلى أن المستوطنين حرثوا هذا العام ما يقارب 1000 دونم من الأراضي الزراعية.
وتوزعت هذه المساحات في مناطق السويدة، ومكحول، وأبو الفيران، وموفييه، وخلة حمد، ووادي الفاو. وهو ما يعني، حسب محللين، أن المستوطنين باتوا يتمددون استيطانيا عبر الزراعة البعلية في أراضي الأغوار الشمالية.
ويقيم المستوطنون حاليا في 3 بؤر استيطانية جديدة أقاموها على قمم الجبال في الأغوار الشمالية.. ومن هناك، يمارسون عمليات العنف والعربدة ضد المزارعين وأصحاب الأراضي ويحاربوهم في أرزاقهم.
يقول يوسف أبو محسن: "هذا العام حرث المستوطنون لنا 8 دونمات مسجلة بالأوراق الثبوتية "الطابو" في منطقة وادي الفاو".
وخلال السنوات الماضية كانت هذه المساحات الزراعية من تلك الأراضي، تزرع بنظام "الضمان" المتناقل بين الأجيال الفلسطينية، بحيث يدفع الضامن مبلغا من المال متفق عليه مسبقا مقابل كل دونم لمالك الأرض الحقيقي بشكل سنوي".
عندما قرر أحد المواطنين فلاحة أرضه، كان مستوطن من مستوطني "مسكيوت" المقامة على قمة أحد الجبال في عين الحلوة، قد سبقه بحراثتها، قال "أبو محسن" أحد سكان الأغوار.
هذه الأيام أمكن من خلال مقاطع فيديو، وصور بثها ناشطون حقوقيون، مشاهدة عدد من المستوطنين وهم يحرثون بعض الأراضي المسجلة بأوراق "الطابو".
أمين عبد الرازق، وهو يشغل منصبي رئيس قسم التخطيط، وقسم خدمات المزارعين في مديرية زراعة طوباس أخبر مراسل "وفا" أن المساحة الكلية للأراضي التي يمكن زراعتها بمحاصيل بعلية في الأغوار الشمالية تقدر بعشرة آلاف دونم.
عبر السنين المتواترة، كانت مهنة الزراعة البعلية واحدة من مهنتين أساسيتين امتهنهما الفلسطينيون في الشريط الشرقي للضفة الغربية، وهي منطقة يمكن ملاحظة سهولها المتلاقية في كثير من الأماكن، بل فعليا لا يمكن الفصل بينهما.
ويؤكد مواطنون من منطقة أم الجمال، أن المستوطنين المقيمين على رؤوس التلال في الأغوار الشمالية، والذين استوطنوا في المنطقة داخل خيام بادىء الأمر، باتوا يمتلكون مئات رؤوس المواشي التي أخذت تعتاش على محاصيل الفلسطينيين هناك، قبل أن يبدأ المستوطنون بالاستيلاء والسيطرة على اراضي وحقول المواطنين ويفلحونها بالزراعات اللازمة لمواشيهم.
تاريخيا ظل الفلسطينيون ينتجون مئات الأطنان من الحبوب، ومئات "بالات القش" بعد موسم حصاد مزروعاتهم، لكن منذ سنوات قليلة ماضية، صار الفلسطينيون غير قادرين على زراعة أراضيهم بفعل ممارسات المستوطنين واعتداءاتهم.
فعليا لا أرقام دقيقة عن مساحة الأراضي التي يحرثها المستوطنون سنويا، ففي العام الماضي، استولى أحد المستوطنين في خربة "السويدة" على عشرات الدونمات وشرع بحراثتها وزراعتها.. وشبه يومي الرقم آخذ بالتزايد. يقول دراغمة: "منذ أيام والمستوطنون يجلبون جراراتهم الزراعية ويحرثون الأراضي"، وهذا العام بدأ مستوطنون بحراثة عشرات الدونمات أيضا بالقرب من خلة "مكحول" بالأغوار الشمالية.
يقول عبد القادر أبو عواد، وهو واحد من سليل عائلة فلسطينية تسكن بالقرب من السويدة: "لقد حرث مستوطن مسلح مقيم في السويدة عشرات الدونمات(..)، لم يكتف بالأرض الرعوية بل صار يزرع الأراضي السهلية أيضا".
وأضاف: "هذه الأعمال بدأت منذ العام الماضي حيث تم زراعة ما يقارب 200 دونم في السويدة فقط ".
حاليا لا وجود فلسطيني في السويدة، وإنما يُكتفى بسماع شهادات من أناس يعيشون بالقرب منها، تحدثوا عن أن المستوطن بنى في الفترة الأخيرة بناء خرسانيا وسقفه بألواح خاصة تلائم طبيعة المنطقة، وأقام حظائر لأبقاره.
خلال الأسبوع الماضي، بث حقوقيون مقاطع فيديو مصورة لمستوطنين وهم يحرثون بعض الأراضي في منطقة مكحول. وقال أبو عواد: "أخبرني أحد معارفي بالقرب من مكحول أن المستوطنين حرثوا عشرات الدونمات هناك، وبدأوا فعليا بزراعة القمح في الأراضي التي حرثوها.
مركز المعلومات الإسرائيلي في الأراضي المحتلة "بتسيلم" نشر على موقعه الإلكتروني أن من أشكال العنف لدى المستوطنين في الأغوار هو سلب الأراضي الفلسطينية.
المستوى الرسمي في محافظة طوباس، اعتبر أن هذه الأعمال هي "لفرش طريق ضم إسرائيل للأغوار بالورود"، وهي كلها خطوات عملية تأتي تحت سقف واحد يرمي لفرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الأغوار الشمالية.
بجانب الشريط الحدودي الفاصل بين الضفتين الشرقية والغربية، وهو شريط تربته جيدة للزراعة، علم أبو محسن أن مستوطنا من مستوطنة "شيدموت ميخولا"، حرث قبل شهرين تقريبا أرضا لجده مساحتها 25 دونما.
وتشكل الأغوار الفلسطينية 28% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية، ويعيش فيها أكثر من 65 ألف فلسطيني، وتضم 27 تجمعا سكانيا ثابتا على مساحة 10 آلاف دونم، وعشرات التجمعات الرعوية والبدوية، وتتبع إداريا لثلاث محافظات، هي: طوباس (الأغوار الشمالية) بواقع 11 تجمعا، ونابلس (الأغوار الوسطى) وتشمل 4 تجمعات، وأريحا (الأغوار الجنوبية) وتضم 12 تجمعا.