فتح.. الضرورة الوطنية
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
كان لا بد لفلسطين من حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" لتخرج من جائحة النكبة، ومقترحاتها العدمية، الى مقامات الحضور النضالي والسياسي العربية والاقليمية والدولية، بمقترحاتها الواقعية، ومن أجل ان تعيد لقضيتها هويتها الوطنية، بحقوقها المشروعة، وأهدافها العادلة، وتطلعاتها الحضارية والانسانية النبيلة.
بشعلة الثورة التي أوقدتها فتح في الأول من كانون أول، عام خمسة وستين من القرن الماضي، ابتدأت فلسطين مسيرتها في الخروج من جائحة النكبة، وجاءت الى مقامات حضورها النضالي والسياسي، بهويتها الوطنية، وبقرارها المستقل، فصعدت من قواعد الثورة المسلحة، الى منصات الأمم المتحدة، ومقاعدها بعد ذلك، بعد ان أقامت أول سلطة وطنية لها على أرضها، إثر انتفاضة شعبها العظيمة التي جعلتها فتح منعطفا تاريخيا، في طريق النضال الوطني الفلسطيني، لتحملها اعلانا للاستقلال في الجزائر عام ثمانية وثمانين.
على هذا النحو تكونت "فتح" الضرورة الوطنية ومثلتها، بمفهومها الفلسفي والواقعي والتاريخي في المحصلة، وعلى نحو ما كرست من حقيقتها في القرار الوطني المستقل، وقد تصدت لكامل مهامها، وما زالت كذلك، ولأنها كذلك، ظلت فتح تتعرض منذ يومها الأول، وحتى اللحظة الراهنة، لشتى أنواع المؤمرات، والمعارك التي تحاول تصفيتها، تارة بالانشقاق، وأخرى بمحاولة اغتيالها باتهامات وتوصيفات خالفت دائمًا واقع "فتح" وطبيعتها، قذفها الخطاب القومجي بمثلبة القطرية، ووصفها أصحاب البيان الماركسي باليمين الرجعي، وجاءت بعد هزيمة كل هذه المؤامرات والمعارك، وبعد سقوط كل تلك التهم والتوصيفات التآمرية المحمومة، جاءت حماس لتنضم الى جوقة المتآمرين على حركة "فتح" لتقذفها باتهامات التكفير التي ما أنزل الله بها من سلطان، وبالتخوين الذي باتت هي عليه اليوم، وهي تنزلق وبالخطوات المتسارعة، الى مهاوي صفقة ترامب الصهيونية، من خلال تفاهمات التهدئة، بشروطها الاسرائيلية، التي لا تستهدف سوى تدمير المشروع الوطني الفلسطيني..!!!
خمسة وخمسون عاما من "فتح "الضرورة الوطنية، حيث هي البديهة التي لا تحتاج الى ما يثبتها ويعرفها، بقدر ما هي لزوم ما يلزم، وتحقيق ما ليس منه بد، بحكم الحتمية التاريخية، وخمسة وخمسون عامًا بمقياس هذه الحتمية، هي عمر اليافعة، بقدر ما هو عمر الحكمة، وقد تمكن من دروبه، التي لا تمضي الى غير فلسطين ولن تمضي لسواها، حين هي الدولة المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، وحيث الحل العادل لقضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية.
خمسة وخمسون عامًا من خيمة فتحاوية جامعة للكل الوطني، بقناعاتها وسياساتها الديموقراطية التي ابتدأتها في غابة البنادق ودائما تحت راية القرار الوطني المستقل.
خمسة وخمسون عاما فتحاوية، من أبو عمار الى أبو مازن السيرة والمسيرة ذاتها، فتح تجسيد للآمال، لا بيع للأوهام، وهذه هي الضرورة الوطنية، وهذا ما أعلنه التسونامي البشري الذي شهدته غزة يوم امس.
في احتفاله بذكرى الانطلاقة، المجد والخلود لشهداء شعبنا وحركتنا الوطنية جميعا، قادة وكوادر ومقاتلين، والحرية لأسرى الحرية، والعهد هو العهد والوعد هو الوعد حتى يوم النصر العظيم.