الرئيس التاجر.. حركته الخسائر
لطالما حرص الرئيس الأميركي دونالد ترمب على التقليل من تبعات انتشار فيروس كورونا، متوقعا "انتهاء انتشار الفيروس في نيسان/ ابريل المقبل، مع زيادة درجة حرارة الجو" وهو ما تشير بعض التقارير الطبية الى عدم صوابيته.
ترمب عاد ودعا الأميركيين إلى ضرورة عدم الهلع، وهو ما دفع رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، إلى وصف استجابة إدارة الرئيس الأميركي في مواجهة فيروس كورونا بـ"الفوضوية"، معلنة عن "تحفظها" لترؤس نائب الرئيس مايك بنس، فريق عمل مواجهة الفيروس، وذلك بعد تعيينه من قبل ترمب مسؤولاً عن ملف مكافحة "كورونا".
عقب ذلك لم تمض سوى بضع ساعات على تغريدة ترمب، التي تفاخر فيها بإجراءاته في مكافحة فيروس كورونا، حتى أعلن عن تشخيص حالة جديدة من فيروس كورونا في ولاية كاليفورنيا، وكانت الولاية سجلت قبل أيام حالة مماثلة لم تعرف فيه سبب الإصابة بالفيروس، إذ لم تسافر خارج الولايات المتحدة ولم تخالط مصابا بكورونا، الأمر الذي يثير مخاوف من تفشي الفيروس، علما بأن البيت الأبيض ذاته نفى، أن يكون قد طلب من شركات الطيران الأميركية تعليق الرحلات من الصين إلى الولايات المتحدة، على خلفية انتشار فيروس كورونا، وهي خطوة قال ترمب إنه دعا اليها في مواجهة تفشي المرض.
إلا أن ترمب ومنذ أيام قليلة فقط، بدأ يخصص وقتا للحديث عن الفيروس، بعد أن كان يكتفي بدور الناصح والواعظ حول المرض، فما الذي دفع به إلى الانخراط أكثر؟
حسب مراقبين فإن الجواب يكمن في خسائر مليارات الدولارات، وسط ذعر أصاب البورصات العالمية، وفي مقدّمتها بورصة "وول ستريت" التي خسرت مؤشراتها الرئيسة، و"داو جونز" و"ناسداك" و"ستاندرد أند بورز 500"، خسرت ما يزيد على 3% في خمس جلسات متتالية، على خلفية قلق المستثمرين مِن تبعات "كورونا" المُحتمَل إعلانه "وباء عالميا".
بلومبرغ: أغنى أثرياء العالم وعلى رأسهم الأميركيون فقدوا 444 مليار دولار في أسبوع
حذرت وكالة "بلومبرج" الأميركية من أن تفشي الفيروس الجديد داخل الولايات المتحدة قد يهدد استقرار الاقتصاد الأميركي، الأول على مستوى العالم، ومستقبل الرئيس ترمب.
وتصدر قائمة مليارديرات العالم الخاسرين، الملياردير الأميركي جيف بيزوس، وذلك مع تراجع ثروته بنحو 11.9 مليار دولار لتسجل نحو 116 مليار دولار بنهاية تعاملات يوم الجمعة.
كما فقد الملياردير بيل غيتس، الذي يحتل المركز الثاني في قائمة أثرياء العالم نحو 10 مليارات دولار. كذلك الملياردير إيلون ماسك الذي يحتل الترتيب الخامس بقائمة أثرياء العالم نحو 9 مليارات دولار، فيما خسر الملياردير وارن بافيت نحو 8.8 مليار دولار من إجمالي ثروته.
كما خسر مؤسس شركة "فيسبوك" مارك زوكربيرغ، نحو 3.48 مليار دولار، وخسر مؤسس ومالك علامة "زارا" أمناسيو أوتريغا، نحو 4 مليارات دولار، فيما كان أقل رقم خسره أبرز 10 مليارديرات في التصنيف نحو 2.3 مليار دولار.
فيما أوضحت "بلومبرج" في تقرير لها نشرته مؤخرا أنه رغم تعيين "بنس" مسؤولا من قبل الحكومة لمكافحة فيروس "كورونا"، إلا أن ذلك غير كاف لدرء المخاطر التي تواجه مستقبله السياسي مع استمرار تفشي الفيروس المميت وانعدام المؤشرات بشأن انحساره قريبا.
وقالت وكالة بلومبرج إن الأنظار الآن تتجه إلى الولايات المتحدة في أعقاب رسائل متباينة من الإدارة الأميركية والمركز الأميركي، للوقاية من الأمراض، بشأن حجم ومدى انتشار فيروس كورونا داخل البلاد.
الأميركان وسوقهم المالية في خطر شديد
إلى ذلك حذر تقرير من أن بورصة وول ستريت معرضة لأن تكون أكبر ضحايا "كورونا" مقارنة بمثيلاتها من أسواق الأسهم العالمية، وذلك نظرا لعمق وتشابك الروابط التجارية بين كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية ونظيرتها الصينية بحسب صحيفة الواشنطن بوست.
وسيؤدي انخفاض أعمال Apple وIBM وMicrosoft وAMD بسبب فيروس كورونا وضعف التقارير المالية للربع الأول من عام 2020 إلى ضربة كبيرة لرسملة شركات التكنولوجيا وسوق الأوراق المالية ككل، ما سوف ينعكس على دخل المواطنين الأميركيين.
إضافة إلى أن 60% من الأميركيين لهم علاقة، بطريقة أو بأخرى، بعمليات الأسهم والسندات، بصورة مباشرة أو من خلال صناديق التقاعد والاستثمار وغيرها من الصناديق. وتذهب العائدات إلى الاستهلاك. تتجاوز حصة إنفاق المستهلك في هيكل الناتج المحلي الإجمالي الأميركي 70%. وإذا فقد الأميركيون جزءا من دخلهم في أسواق الأوراق المالية ومدخراتهم بسبب فيروس كورونا، فسوف ينخفض طلب المستهلكين، وقد يتجه الاقتصاد الأميركي إلى الركود. وهذا أمر جدي!
فيروس كورونا يهدد قطاع النفط الصخري الأميركي بالإفلاس
تحت العنوان أعلاه، كتب سيرغي مانوكوف، في "إكسبرت أونلاين"، حول الآثار المدمرة المرتقبة لفيروس كورونا على صناعة النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة.
وجاء في المقال: ما عجزت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في أوبك عن القيام به، قبل عدة سنوات، أي إفلاس النفط الصخري الأميركي، يبدو أن فيروس كورونا COVID-19 قادر تماما عليه.
وتسارعت وتائر تباطؤ استخراج النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة مع ظهور فيروس كورونا. ووفقا لمحللي فاينانشال تايمز، فإن شركات الطاقة تسجل الآن، وفق مؤشر S&P 500، أسوأ النتائج منذ 80 عاما.
وبدأ ضغط كورونا يؤثر ليس فقط في الإنتاج، إنما وفي معدلات حفر الآبار الجديدة. علما بأن الخبراء يرون أن تأثير فيروس كورونا لم ينعكس بعد على المؤشرات الإحصائية. فالتغييرات في حفر الآبار وفي عدد منصات الحفر تسجل، في أغلب الأحيان، بعد عدة أشهر من التغيرات الكبيرة في الأسعار. هذا يعني أن التراجع الكبير في قطاع النفط الصخري لم يسجل بعد، بل هو سيحدث خلال الأشهر القليلة المقبلة، أي في الربيع وربما الصيف. ومع انخفاض أسعار خام غرب تكساس الوسيط عن 50 دولارا للبرميل، تصبح معظم الشركات الصخرية خاسرة.
إلى ذلك، فمشكلة تحقيق توازن في سوق النفط، التي باتت مزمنة في السنوات الأخيرة، لا تزال تتنازع أوبك. وأما الآن، فكما جاء في مذكرة بنك الاستثمار يعدّ تراجع الطلب بسبب فيروس كورونا المحرك الرئيس لعدم التوازن. كما يشهد إنتاج النفط والغاز الأميركيين تباطؤا متصاعدا.
والأدهى من ذلك أن العاملين في مجال النفط الصخري يعدون أنفسهم محظوظين مقارنة بزملائهم في مجال الغاز الصخري. فبالنسبة للغاز الصخري، الوضع أسوأ بكثير من النفط. فقد انخفضت أسعار الغاز الطبيعي إلى أقل من دولارين لكل مليون وحدة حرارية. ومع مثل هذه الأسعار المنخفضة، فإن الغالبية العظمى من شركات الغاز مهددة بالإفلاس.
مستقبل ترمب في خطر بسبب الفيروس
ترمب يحاول التقليل من خطر الوباء مع التلويح بإمكانية اكتشاف الدواء المناسب "قريبا"، فيما يحذر الأطباء من مخاطره وضرورة الاحتياط لاجتناب عدواه "المحتوم" أن تعاني منه الساحة الأميركية، وإن كان غير معروف بعد مدى هذه المعاناة ومدى فعالية الاحتياطات الاحترازية.
"كورونا" جاء إلى واشنطن كتطور من خارج الحسبان، وفي توقيت حساس ومؤذٍ لرئاسة ترمب، خصوصا إذا استفحل كوباء وترك تداعيات تنسف أوراق قوة الرئيس الانتخابية. في هذه الحالة، قد تكون انعكاساته على معركة تجديد رئاسته مشابهة لتلك التي تسببت بها قضية رهائن السفارة الأميركية في طهران على معركة الرئيس كارتر. طارئ خارجي عنيد يطيح بإمكانية التجديد.
(وكالات)