"سجين الكورونا"
بسام أبو الرب
إنه اليوم الثالث الذي يمضيه أستاذ الإعلام الفلسطيني موسى عليان في منزله، حيث يقيم بمدينة اليكانتي بإقليم فالنسيا في إسبانيا.
عليان، نشر تجربته في التعامل مع أزمة فيروس كورونا، على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعنوان "سجين الكورونا"، بعد أن طلبت السلطات الإسبانية من مواطنيها والمقيمين فيها الالتزام في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة في محاولة للحد من انتشار الفيروس.
ومع ازدياد نسبة الوفيات في إسبانيا، قررت المستشفيات استقبال الحالات الحرجة فقط، حتى يتسنى مساعدة كبار السن.
يقول عليان: "خرجت في الصباح الباكر نحو أحد المراكز التجارية لفترة لا تزيد عن 45 دقيقة، فلا أريد أن يحدث معي كاليومين السابقين عندما وصلت إليها، وجدت أغلب المواد التموينية التي أأتناولها قد نفذت، كنت أعتقد أنني سأكون أول الواصلين، ولكن وجدت أمامي صفا من أربعين شخصا تقريبا".
ويصف المشهد بالقول: "جعلونا نصطف خارج المبنى على أن تكون المسافة بين الواحد والثاني متر ونصف المتر، ولبرودة الجو لم أتمالك نفسي من العطاس، وبسرعة بديهية قفزت خارج الصف بعيدا وغطيت فمي ووجهي بذراعي، الجميع أخذ يراقبني، خوفا من السعال أو ظهور أي من عوارض الفيروس".
ويضيف عليان: "غالبت بكل قوتي أن لا أعطس ثانية وأقفلت فمي ووضعت أصبعي الإبهام والسبابة لأغلق فتحتي أنفي، فعطسة أخرى قد تؤكد الشكوك، تنفست الصعداء عندما كبت العطسة الثانية، ولكن لم أجرؤ على العودة لمكاني، بل ذهبت لآخر الصف، يبدو الخوف في عيون الناس فالفيروس يتفشى بين الناس كالنار في الهشيم أنا الآخر أصابني عدوى الخوف".
ويتابع: "تتصل بي ابنتي يوميا لتذكرني أن أبدل كل ملابسي عندما أعود للبيت، وأضعها في الغسالة ثم أستحم، كنت اضطر للكذب عليها كالطفل الصغير وأقول لها لقد فعلت ما طلبت".
وتعد إسبانيا رابع أكثر الدول في عدد الإصابات بالفيروس في العالم، متجاوزة كوريا الجنوبية، ما دفعها لدراسة إغلاق حدودها، في حين تشهد أسواقها تهافتا على شراء المواد الاستهلاكية، في ظل حالة الطوارئ المعلنة للحد من انتشار الفيروس.
يضيف عليان "عندما جاء دوري كنت رقم 48، فلا يسمحون لأكثر من 50 زبونا داخل المحل حتى لا يكون هناك ازدحام، وعندما يخرج زبون يدخل آخر وهكذا".
ويقول: "بسرعة أخذت عيناي تبحثان عن المواد الغذائية كالسمك والدجاج واللحم، فهي أول ما ينفذ، أضعها في عربة المشتريات ثم أذهب للرف الثاني مسرعا وهكذا".
تذكر عليان انه نسي شراء الخبز فترك مشترياته في الصف للحفاظ على دوره، ويحمل كمية منه تكفي لاسبوعين، وخلال عودته لمحت عيناه علب الحمص الجبنة واللبنة، "كمش ما استطاعت يداه"، وعاد مسرعا خوفا من ضياع دوره.
ما يقلق عليان فكرة البقاء 24 ساعة دون الخروج من المنزل، وممارسة الرياضة في الهواء الطلق، كان لا بد له من البحث عن شيء يشغله، الا أنه يؤكد أن مغامرة الخروج قد تكون مكلفة وقد يصاب بالعدوى أو يحرر بحقه مخالفة تصل الى 70 يورو، فالقانون يسمح لك فقط بالخروج إما لتذهب للصيدلية أو المول أو لتنزه الكلب، واصبحت اكبر امنياته لو يقتني كلبا.
ويوضح أنه قضى جزءا من يومه في تنظيف البيت وتعقيم الحمام والأرضية، على أن يقوم في اليوم التالي بتنظيف رفوف المطبخ، وعندما انتهى من عمله قرر طهي المقلوبة، رغم أنها من المحظورات حسب تعليمات الطبيب، ولكنه اكتشف أن بعض مكوناتها غير متوفر لديه، واكتفى بأكل السمك.
ويقول عليان: "اهتديت الى فكرة أن أستقل سيارتي، واذهب الى أطراف المدينة وعندما أرى طريقا ترابيا اسير به حتى ابتعد عن أي تجمع سكاني وعمراني، وهناك أمارس رياضة المشي والركض، فجأة تذكرت ما قاله لي حارس العمارة بأن الشرطة تطلق دوريات لتراقب الضواحي خوفا من تجمهر الناس وانتقال العدوى".
ويتابع: "بقيت أفكر في قرية مناسبة وصغيرة، بحثت عبر شبكة الانترنت، ووقعت عيناي على إحدى القرى كنت قد مررت بها بشكل عابر، ولكن قلت في نفسي هل أجرؤ على المغامرة؟".
يشار إلى أن دول الاتحاد الأوروبي، أعلنت عن إغلاق الحدود الخارجية، في محاولة لاحتواء وباء "كورونا" المستجد الذي صارت أوروبا بؤرته، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الاستثناءات للإغلاق، أبرزها دخول المواطنين الأوروبيين وعائلاتهم، والمقيمين لمدة طويلة والبريطانيين والدبلوماسيين والطواقم الطبية والباحثين.