على الباغي تدور الدوائر
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
سيعطينا "سفير" الإدارة الأميركية في إسرائيل، "ديفيد فريدمان" من أراضي اقطاعية تابعيته الصهيونية، وبكرم (...!!) خطة رئيسه دونالد ترامب، التي لا يزال يصفها بأنها (خطة سلام .!) سيعطينا من الارض التي هي ارضنا منذ فجر التاريخ، مساحة توازي ضعف منطقتي ألف وباء التي نحن عليها اليوم..!! ولأن إسرائيل "لا تستطيع ان تمنح المواطنة الإسرائيلية لجميع الفلسطينيين في الضفة الغربية" فإنها لن تفرض السيادة الإسرائيلية على جميع مناطق الضفة، وكانه بهذا الايحاء لايريد للفلسطينيين ان يفقدوا ما يتبقى لهم من المواطنة الفلسطينية، وهذا كرم اخر من خطة ترامب التصفوية ..!!
ليس ذلك فحسب، بل إن "فريدمان" الذي لم يعد سفيرا بقدر ما بات ناطقا رسميا باسم حكومة اليمين الإسرائيلي العنصري المتطرف، لا يرى أن هناك شعبا فلسطينيا موحدا؛ لمنحه ما ينبغي أن يمنح للشعوب، وإذا ما أصبح موحدا في يوم من الأيام (...!!) يمكن حينها البحث في سياق آخر، وخاصة عندما يتحول الفلسطينيون إلى كنديين حينها لن تكون هناك أية مشاكل..!! هذه باختصار أحدث تقليعات الدراما الأميركية الإسرائيلية التي جاء بها ديفيد فريدمان في تصريحات لصحيفة "إسرائيل هيوم" الصهيونية قبل يومين..!!
والواقع، من المفهوم تماما، أن يصرح فريدمان بكل هذا الكلام، طالما أنه بات الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية، ومن المفهوم أيضا، أن يواصل محاولة تسويق خطة رئيسه ترامب، كخطة سلام، على الرغم أن العالم بأسره لا يراها كذلك، وهو يعرف ذلك، لكن ليس من المفهوم، ولا من المعقول، ولا من المقبول تماما، أن يحاول هذا التسويق بالافتراء على شعبنا الفلسطيني، بأنه شعب غير موحد أولا، والأسوأ، هذا الإيحاء بأنه متخلف و"صاحب مشاكل" في محاولة قياسه مع الشعب الكندي..!!! ومع خالص احترامنا للشعب الكندي الذي لا يعاني من اي احتلال، والذي لا نشك بأنه شعب صديق، فإن فلسطينيتنا لا تقل حضارة ولا إنسانية ولا تفهما، عن أي شعب آخر على هذا الكوكب، بل إنها الأكثر تطورا في هذا العصر، بحكم دفاعها البطولي عن الحق والعدل والحرية والسلام، وعلى نحو أسطوري، خاصة عندما واجه حجر الأرض المحتلة، بيد فتاها، دبابة الاحتلال بجنودها المحصنين بفولاذها، وما زال على هذه الحال وهو يواصل مسيرته الصعبة دون تردد في دروب النضال الوطني، من أجل انتصار تلك القيم، قيم الحق والعدل والحرية والسلام، وإذا كان فريدمان يريد أن يلعب على وتر الانقسام الراهن في الساحة الفلسطينية، الذي حققته حماس، وما زالت تكرسه لخدمة مخططات تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، التي تمثلها اليوم خطة ترامب التصفوية، فعلى فريدمان أن يقرأ جيدا في علم الاجتماع ليعرف أن وحدة الشعوب لا تتأتى عادة من وحدة قواها واحزابها السياسية، وإنما من وحدة منظوماتها القيمية، الأخلاقية والعقائدية والتاريخية، بتطلعاتها المشروعة، وبفعالياتها التي تؤمن لها حاجاتها الأساسية في الأمن والغذاء والدواء، وحتى لو اختلفت قواها وأحزابها فيما بينها، ولأن الناس في النهاية، أينما كانوا إنما هم حلفاء وحدتهم، لا حلفاء خلافاتهم، هذه التي تظل حكرا على تلك القوى والأحزاب.
على أن الناطق الرسمي باسم حكومة اليمين الإسرائيلي غير معني بالمعرفة، ولا هو في وارد التعقل والرزانة والموضوعية، في خطابه الصحفي، وهذا شأنه، وسيظل لنا شأننا في التصدي لهكذا خطاب، لا لفضح عنصريته وجهالته، وإنما لمواجهة ما يستهدف تحقيقه من تمرير لمخططات مشروعه الصهيوني في الضم والتدمير لأسس المشروع الوطني الفلسطيني، وأنه الصراع وقد بات مفتوحا على مختلف احتمالاته وأشكاله، وعلى الباغي حتما ستدور الدوائر.