المنع المستحيل
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
لفلسطين عبر شاشتها الفضائية في تلفزيونها الوطني، صورة الواقع وحقيقته، وكلمة الحق وصوتها، بالموضوعية والنزاهة المهنية والمعرفية والحضارية، التي لم تعد اسرائيل اليمين العنصري المتطرف، تحتمل لا هذه الصورة، ولا هذه الكلمة، لأنها وببساطة، وبحكم بقانون يهودية الدولة العنصري، لم تعد دولة من هذا العصر، ولأنها باتت كذلك، فإنها لم تعد تحتمل لغة هذا العصر، خاصة الفلسطينية منها، فتطارد كلمة هذه اللغة وصورتها، بقراراتها العنصرية، دون أي مسوغ حضاري أو أخلاقي، وقبل ذلك، والأهم من ذلك، دون أي مسوغ قانوني لأن اسرائيل تريد منع تلفزيون فلسطين من العمل في عاصمة دولته المحتلة، خلافا لكل قرارات الشرعية الدولية، التي لا تجيز لها ذلك، فالقدس مدينة محتلة، ولا يحق للمحتل ان يمارس أية سياسات تعارض هذا الواقع، وكذلك وخلافا لكل القيم الانسانية والديمقراطية، لا تريد اسرائيل لتلفزيون فلسطين، العمل بين أوساط أهله داخل الخط الأخضر، لقطع التواصل الطبيعي بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، وحتى يصبح الخط الأخضر، خطا أحمر مثلما يريد قانون يهودية الدولة العنصري...!! المنع والاقصاء لم يعد ممكنا في هذا العصر، وعالم الاتصالات بات يتخطى كل الحدود والموانع، غير ان اسرائيل اليمين العنصري المتطرف، ولأنها باتت دولة خارج العصر، ما زالت ترى المنع في هذا الاطار ممكنا ، وبكونها دولة احتلال، وتسعى لمزيد من الاحتلال، في مشروع الضم الاستيطاني، فإنها لا تحتمل ولن تحتمل صورة واقعها الاحتلالي، التي تفضح ممارساتها التعسفية ضد شعبنا، وانتهاكاتها للقانون الدولي، ولابسط حقوق الانسان، كما انها لا تحتمل ولن تحتمل، كلمة الحق الفلسطينية، التي لا تحدث بغير العدل، ولا تدعو لغير السلام. وما لا يعرفه وزير "الأمن" الاسرائيلي جلعاد أردان صاحب قرار المنع، ان تلفزيون فلسطين ليس محطة تسلوية ولا تجارية، وانما هو منصة للمعرفة والحقيقة، بخطابها الوطني والانساني بتطلعاته المشروعة والعادلة، وهو في هذه الحال، وبهذا السبب، في مهمة وطنية ومعرفية، وبقدر ما يتصدى لهذه المهمة، بقدر ما يعرف جيدا تحدياتها، ويستجيب لها على نحو مهني وابداعي، ولهذا فان قرار المنع لا يمكن له ان يوقف مهمته هذه، وما ينبغي أن يعرفه أردان ايضا، ان الطبيعة لا تعرف التكلس، والقانون الوحيد الذي يظل عاملا فيها هو قانون التطور، والتاريخ لا يعرف التوقف، وان دولة فلسطين اليوم هي دلالة هذا القانون، وحتمية التاريخ في مسيرته، وهذا يعني ان المستقبل لها، ولا مستقبل للعنصرية وقراراتها، ولان اسرائيل اليمين العنصري المتطرف تتوهم امكانية معاندة قانون التطور وحتمية التاريخ فانها لا تريد لدولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية وجودا، ولان تلفزيون فلسطين هو تلفزيون الدولة، فانها لا تريد ايضا لهذا التلفزيون اي وجود، كي لا يواصل مهمته الوطنية والمعرفية، التي تعمل على تخليق وعي الدولة الذي يعجل من قيامتها، بحكم ان وعي الدولة، هو وعي الضرورة، الذي هو وعي الحرية والحياة الحرة، ولأن الحقيقة هي هذه بلا اي جدال، فانه لا يمكن لاي قرار ان يوقف مهمة كهذه طالما، انها مهمة قانون التطور الذي لا مناص من الهروب منه، ولا بأي حال من الأحوال.