بدنا نعيش ...ولكن
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
ثمة حساب على "الفيسبوك" سطا على شعار "بدنا نعيش" الذي كان للحراك الشبابي في غزة في مواجهة سلطة حماس، العام الماضي، والذي لا نظن ان هذا الحراك قد انتهى تماما، ولا يخطئ من يطلع على هذا الحساب إنما لغته لغة ذاك "المنسق" الاسرائيلي، بما يؤكد أن هذا الحساب حسابه ليس إلا، يحركه بأدواته العميلة.
ويزعم "المنسق" في هذا الحساب "الفيسبوكي" أن أصواتا فلسطينية، تقول بتحريضات مكشوفة ضد السلطة الوطنية "بدنا نعيش" والواقع، لسنا، ولن نكون ضد هذا المشتهى الانساني، لأننا فعلا وحقا نريد العيش، لكن أي عيش نريد ..؟؟ وأي عيش يليق بشعب قدم في مسيرته النضالية من أجل حريته واستقلاله، عشرات الآلاف، من الشهداء، والجرحى، والأسرى، وما زال في مسيرته واثق الخطى، وتماما نحو العيش الذي يريد، عيش الحرية والكرامة والاستقلال.
لم يقرأ "المنسق" وأدواته العميلة، ولا نظنه سيقرأ ما قاله شاعرنا محمود درويش "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا"، ولو قرأ المنسق هذه الآية الفلسطينية، فإنه لن يفهم مغزاها، الذي يشير بمصداقية القصيدة، وبغاياتها الجمالية، إلى طبيعة وحقيقة شعبنا الفلسطيني، أننا شعب محب للحياة، وللعيش الحر الكريم، برغم جراحه التي خلفها وما زال يخلفها له الاحتلال، والتي لا تزال تنزف، ولطالما زغردت الأمهات في أعراس الشهداء، وما زلن يحصن صمود الأسرى، بتحويجات القهوة المنزلية لتعبق رائحة الاهل بين جدران المعتقلات الاسرائيلية.
نعم "بدنا نعيش" ولكن بلا احتلال وعساكر الاحتلال وحواجزه ومستوطناته ومنسقه الذي يريدنا محض "سكان" لا حدود لهم سوى عتبات بيوتهم التي ستظل تحت سطوة الأمن الاحتلالي ..!! "بدنا نعيش" حتى نفتح أبواب حدائقنا "كي يخرج الياسمين الى الطرقات نهارا جميلا" وكي يمرح اطفالنا بهذا النهار، مثلما تريد الطفولة، و"بدنا نعيش" لأن على هذه الأرض أرضنا ما يستحق الحياة، فلسطين "سيدة الارض، أم البدايات وأم النهايات" والتي لن تكون سواها، بدولتها الحرة المستقلة وبعاصمتها القدس الشرقية.
و"بدنا نعيش" وقطعا لا كما تريد صفقة ترامب الصهيونية، هذه التي لا تنظر إلينا كشعب واحد موحد، له كمثل شعوب العالم قاطبة، حقوق وطنية وسياسية وإنسانية، وإنما ترانا مثلما رآنا وعد بلفور المشؤوم، محض طوائف غير يهودية، لا حقوق لها غير المدنية والدينية، وهكذا تريدنا هذه الصفقة، بل وأدنى من ذلك بكثير، إذ ستحيلنا عبر مشروع الضم الاستعماري، وحسب تصريحات رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لصحيفته "اسرائيل هيوم" ستحيلنا إلى محض جيوب سكانية معزولة، وبقانون يهودية الدولة، لن تكون لهذه الجيوب أية هوية، ولا حياة لها غير حياة العمالة الرخيصة، لتنظيف مخلفات المستوطنين، وتلميع أحذيتهم، وبساطير جنودهم المحتلين..!!
لا شيء في صفقة ترامب ومشروعها للضم الاستعماري، غير هذا تماما، وهذا هو العيش الذي يريدنا "المنسق" أن نقبل به، بل ويدعونا لأن نكون بيادق من الحمقى تصفق لهذا العيش على صفحات الفيسبوك ..!! حياة الحرية والكرامة والاستقلال، هي حياة فلسطين الدولة والعودة، وفلسطين كما اكد ويؤكد قائدنا الرئيس أبو مازن، ليست للبيع، ودماء شهدائنا لن تكون عرضة ابدا للخيانة، وثوابتنا التي هي ثوابت الحق والعدل والسلام، لن تكون مطلقا عرضة للمساومة، والايام بيننا.