عنصرية أميركية ممنهجة.. هل سينصف مؤتمر اصدقاء الولايات المتحدة المضطهدين؟
رام الله- "الوضع اشبه بفيلم رعب عن بلد ينهار، هكذا يبدو الوضع في أميركا التي تبدو كبرميل بارود"، هكذا وصفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية الأحداث الدامية في الولايات المتحدة الأميركية، والاضطهاد الذي تعانيه الاقليات هناك.
وتنقل الصحيفة عن المؤرخة في جامعة ميشغين هيذر، آن تومبسون قولها: "إن ترامب لا يبالي كثيرا بدرء الفوضى حتى لو انحدرت البلاد الى حرب اهلية كاملة".
اما مجلة ذا اتلانتك فقد وصفت ترامب "بالسارق الذي نهب الكثير من اميركا، حتى انه سرق ضمير الأميركيين الأخلاقي الجماعي"، مشيرة الى ضرورة اعادة تنشيط هذا الضمير الإرث الدائم والوحيد لهذه الرئاسة البشعة والوحشية.
وتضيف المجلة "خلال السنوات المخزية اظهرت الرئاسة جوانب من اميركا لم يرغب الكثيرون منا في رؤيتها حتى بعد أن اجبرنا على مراقبتها عن كثب خلال سنوات الفساد الرئاسي، كما انه لا يزال علينا من الصعب قبولها".
الولايات المتحدة كانت على الدوام، منذ نشأة انتشار الرقّ في مستعمراتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، دولةَ الأكثرية البيضاء النافذة، ورغم كل نضالات السود لاحقا لانتزاع حقوقهم، الا أن الذهنية العنصرية هي من قتلت جورج فلويد، أثناء اعتقاله على يد شرطي طرحه أرضاً وثبّته وهو يضغط بركبته على رقبته حتّى لفظ أنفاسه، في مدينة مينيابوليس في مينيسوتا.
الإحصاءات الرسميّة تُفيد أنّ عُمر الأمريكيّ الأسود أقل من نظيره الأبيض بسِت سنوات، وأنّ نسبة السّود في السّجون الأمريكيّة أكثر بـ 43 بالمِئة رغم أنّهم يُشكِّلون 13 بالمِئة من مجموع السكّان، ولا يُوجَد منهم إلا سيناتوران من مجموعِ مئةٍ من مجلس الشّيوخ و44 نائبًا في مجلس النوّاب الذي يزيد تِعداده عن 435 نائبًا.
"الحلم الاميركي" لا يشمل السود وباقي ابناء الأقليات الأخرى في "بلد الأحرار او الشجعان" كما يصف البيض أميركا، حيث ما تزال موجة حامية من المواجهات مندلعة، الأمر الذي تطلب إعلان حالة الطوارئ في 25 مدينة في 16 ولاية، اضافة الى اعتقال المئات او ربما اكثر مع استمرار الاحتجاجات، واستدعاء آلاف الجنود وعناصر الأمن لقمع المحتجين.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين، "لدينا قوات عسكرية إضافية يمكن إرسالها... إذا كان حكام الولايات ورؤساء البلديات بحاجة إليها وخرجت الأوضاع عن سيطرتهم".
ترامب يلقي باللائمة على "الارهاب"
وسط الدوامة التي تعصف في عدد من الولايات الأميركية، وجد ترامب ضالّته أو شمّاعته، وهي منظمة «أنتيفا» اليسارية التي اتّهمها بالوقوف وراء التحرّكات، من دون دليل على ذلك، وذهب إلى حدّ تصنيفها بـ"منظمة إرهابية".
إعلان ترامب يساعده في إيصال رسائل إلى قاعدته الانتخابية المؤلّفة من الأميركيين البيض واليمينيين المتطرّفين الذين يرون في المنظمة اليسارية عدواً لطالما خرّب جزءاً كبيراً من حياتهم وأنشطتهم، وهو ما دفع بعمدة العاصمة الأمريكية واشنطن، موريل باوسر، الى دعوة الرئيس دونالد ترامب، إلى الكف عن نشر تغريدات تثير الانقسام وتذكر العنصريين بماضي البلاد.
"اليساريون المتطرّفون" مسؤولون عن مقتل 2% من الأميركيين، خلال العقد الماضي، بينما ارتكب المتطرّفون اليمينيون 74% من جرائم القتل التي تدخل في إطار القتل لأسباب سياسية، وهي مستويات نمت فقط وسط موجة عالمية من النشاط اليميني المتطرّف.
تعاطف أممي ودولي مع الأقليات المضطهدة
احتج مئات الأشخاص في كل من عاصمتَي بريطانيا وألمانيا، تضامناً مع المتظاهرين في الولايات المتحدة. وفي وسط لندن، جثا المحتجون على ركبهم في وسط المدينة مرددين: «لا عدالة... لا سلام»، ثم مرّوا بجوار مقر البرلمان حتى وصلوا إلى السفارة الأميركية.
كذلك الأمر بالنسبة إلى برلين، حيث شارك عدة مئات من المحتجين في مسيرة خارج السفارة الأميركية في العاصمة، رافعين لافتات تطالب بـ«القصاص لجورج فلويد» و«أوقفوا قتلنا» و"من التالي الذي سيحطم عنقه".
كما تظاهر الآلاف من الكنديين وسط مدينة فانكوفر، رفضا للعنصرية وحادثة مقتل المواطن الأمريكي.
في حين اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، أن قتل الشرطة الأميركية لفلويد "يكشف العنصرية الممنهجة للإدارة الأميركية".
اما مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، فقد نددت بمقتل جورج فلويد بعد اعتقاله بوحشية من قبل الشرطة في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأميركية.
ودعت باشليه واشنطن إلى التحرك بعد مقتل الرجل من أصول أفريقية على يد أفراد الشرطة الأميركيين.
وحثت منظمة العفو الدولية السلطات الأمريكية على الكف عن استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين في الاحتجاجات التي تعم الولايات المتحدة، معتبرة أن شرطة البلاد فشلت في تنفيذ التزاماتها.
وقالت مديرة الأبحاث للمنظمة في الولايات المتحدة، رايتشيل وورد، في بيان أصدرته: "في مدينة تلوى الأخرى نشاهد تصرفات يمكن اعتبارها عنفا غير ضروري ومفرطا. تجهيز الضباط بطريقة أكثر ملاءمة لساحة المعركة، قد يضعهم في حالة ذهنية وكأن المواجهة والصراع أمر لا مفر منه". وأضافت وورد: "تفشل الشرطة الأميركية في كل أنحاء البلاد في تنفيذ التزاماتها في إطار القانون الدولي الخاصة باحترام وتسهيل الحق في التظاهر سلميا، وتزيد من توتر الأوضاع وتعرض حياة المتظاهرين للخطر".
وشددت مسؤولة منظمة العفو الدولية على "ضرورة أن تعمل الشرطة على خفض التصعيد قبل أن يتم تدهور الأوضاع".
وتعليقا على مقتل المواطن الأمريكي من أصول أفريقية، جورج فلويد، الذي أشعل مقتله الاحتجاجات، اعتبرت وورد أن "العنصرية وهيمنة البيض، بالإضافة إلى رد الشرطة على الاحتجاجات، تغذي مثل أعمال القتل هذه".
وتابعت أن على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، "إنهاء خطابته وسياساته المليئة بالعنف والتمييز"، مشددة على أنه "يجب على الحكومة الأمريكية، وعلى جميع المستويات، أن تضمن حق التظاهر وفقا للقانون الدولي"، داعية الشرطة إلى نزع السلاح وخوض الحوار مع المتظاهرين.
الأقليات الأخرى ليست أوفر حظا من السود
خطابات ترامب المليئة بالكراهية والعنصرية خلال حملته الانتخابية، هي التي ضمنت له المقعد الرئاسي، رغم سخريته من ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين، وعنصريته ضد النساء واستغلاله لهن، عدا عن تحريضه المستمر والدائم ضد الاقليات الاخرى في الولايات المتحدة كالآسيويين بسبب كراهيته المستمرة للصين.
ترامب عن المهاجرين المكسيكيين: "مجرمون ومغتصبون"
التحريض ضد المكسيكيين هي القضية التي لم يمل منها ترامب خلال حملته الانتخابية، إذ لم يتوقف عن سب المكسيكيين والأمريكيين من أصل مكسيكي إذ قال عام 2015: "المكسيك ترسل لنا أفضل أشخاصا يسببون الكثير من المشاكل، يجلبون المخدرات والجريمة. إنهم مغتصبون".
حرب ترامب على الاسلام داخل المجتمع الاميركي
وفي حوار مع محطة "سي إن إن" في آذار/ مارس 2016، قال مرشح الرئاسة ترامب: "أعتقد أن الإسلام يكرهنا". وأتبع هذا التصريح لاحقا بقوله: "لدينا مشاكل مع المسلمين ولدينا مشاكل مع المسلمين الذين يدخلون بلادنا". وبعد دخوله للبيت الأبيض خرج ترامب بقراره المثير للجدل حول منع رعايا ستة من الدول ذات الأغلبية المسلمة من دخول الولايات المتحدة.
وكان دونالد ترامب قد دعا في تغريدات، أثارت لغطا كبيرا داخل وخارج الولايات المتحدة، النائبات - ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وإلهان عمر، ورشيدة طليب، وأيانا بريسلي، وجميعهن مواطنات أمريكيات - إلى "العودة" من حيث أتين. وتساءل بلهجة تهكمية: "لماذا لا يعدن ويساعدن في إصلاح الأماكن الفاشلة التي أتين منها حيث تتفشى الجريمة؟".
وفي العام الماضي وجه 148 من الأميركيين الأفارقة البارزين الذين خدموا في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، رسالة للأميركيين والعالم ترفض ما أسموها "لغة الكراهية والعنصرية التي بدأت تتفشى في الولايات المتحدة".
ووردت الرسالة في مقال نشر بصحيفة واشنطن بوست، جاء فيه "لقد سمعنا هذه العبارات من قبل: عودوا من حيث أتيتم، عودوا إلى أفريقيا. والآن.. أعيدوها من حيث أتت (هتاف ضد النائبة الأميركية من أصول صومالية إلهان عمر). فهذه الهتافات نسمعها طوال الوقت يُصرخ بها في وجوهنا ويُهمس بها من وراء ظهورنا ونُرمى بها عبر الإنترنت. فهي جزء من نمط في بلدنا مصمم لتشويه سمعتنا وإبقائنا متفرقين وخائفين".
رئيس الوزراء الفرنسي انذاك مانويل فالس، اعتبر في تغريدة على موقع "تويتر"، أن "السيد ترامب، مثل آخرين، ينمّي الكراهية والخلط بين الأمور"، فيما صرح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون انذاك ايضا، بأنه "يعارض تماماً" مقترح ترامب، الذي اعتبر أنه "ببساطة سيئ وغير مجد ومن شأنه أن يزرع الشقاق". واستنكرت دار الإفتاء المصرية بشدة تصريحات دونالد ترامب، واصفة إياها بـ"المتطرفة والعنصرية".
وبالعودة الى الاعلام الغربي والأميركي تحديدا، فقد طرحت صحيفة واشنطن بوست تساؤلا مهما، وهو كيف كان للاعلام الغربي ان يغطي جرائم وانتهاكات حكم البيض والعنصرين في النظام الأميركي لو كانت هذه الجرائم في بلد آخر.
وتجيب الصحيفة في نص متخيل: "انه وفي السنوات الأخيرة، دق المجتمع الدولي ناقوس الخطر بشأن تدهور الوضع السياسي وحقوق الانسان في الولايات المتحدة في ظل نظام ترامب الآن، بينما البلاد 100 الف حالة وفاة كورونا، فان المستعمرة البريطانية السابقة تجد نفسها في دوامة من العنف العرقي، ويقول خبراء اميركيون ان تعب المجتمع الدولي وشلله واضحان في صمته، بعد ان هزت البلاد العديد من مقاطع الفيديو التي تصور عمليات الاعدام خارج نطاق القضاء للأقليات العرقية السوداء من قبل القوات الأمنية".
ووفق النص المتخيل ايضا، فإن الانتفاضة في مدينة مينيابولس الشمالية، اندلعت بعد نشر مقطع فيديو على الانترنت حول مقتل رجل من اصول افريقية بعد تعرضه لهجوم من قبل احد افراد قوات الأمن، في حين وصف ترامب المتظاهرين السود بالبلطجية وهدد بارسال القوة العسكرية، قائلا: عندما يبدأ النهب يبدأ اطلاق النار".
ومع انتشار مقاطع فيديو لقوى الأمن الأميركي وهي تدوس المحتجين السلميين في الشوارع، ومقاطع اخرى لـ"شبيحة النظام" وهم يرمون السهام المعدة لقتل الحيوانات واصطيادها، على المحتجين الأبرياء لثنيهم عن التعبير عن ارائهم في بلد يضطهد الاقليات، يبقى السؤال عالقا: متى سيصار الى عقد مؤتمر اصدقاء اميركا، في محاولة لانقاذ الشعب الأميركي من براثن الدكتاتورية؟.