الوطن.. ورغيف الخبز
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
ليست ثمة مفاضلات في هذه المعادلة، ونعرف شعبنا الفلسطيني جيدا، نعرف عزته وكرامته ووطنيته، التي لا تقبل أي نوع من أنواع المساومة، وشعبنا لم يشتر يوما من أحد سمكا في البحر، ولا نام يوما على حرير وعود التحرير، ولا سواها من وعود، وقد تعددت وتنوعت في طروحاتها المخادعة، كما في أحدثها التي طرحتها صفقة العصر الصهيونية في مؤتمر البحرين الذي وصف بأنه للسلام الاقتصادي (...!!) وباختصار مفيد فإن شعبنا الفلسطيني لا يعرف ولن يعرف المقايضات أيا كانت أثمانها، وتاليا فإن معادلة (إما الوطن أو رغيف الخبز) ليست من حساباته، ولن تكون كذلك أبدا، فليس من أبنائه من يأخذ أمه بسهمه، ولا من يخون حليبها الذي لم يكن غير حليب النجيبات الماجدات، الذي سرى دما عزيزا في قلوب أبنائهن، وثقافة وطنية وإنسانية، في وعيهم ومذاقاتهم وسلوكهم وتطلعاتهم.
ونعرف ونؤمن أن شعبنا لايسعى ولن يسعى خلف لقمة الخبز المغمسة بالذل، وإنما سعى وسيظل يسعى لانتزاع لقمة الخبز المغمسة بالحرية والاستقلال والكرامة، ولأجل هذا الأمر في بعده الاستراتيجي تحديدا، جاءت قرارات القيادة الفلسطينية بالتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، والتي يكرس الرئيس أبو مازن حضورها في الساحة الدولية، وفي المحيطين العربي والإقليمي على نحو حاسم، كموقف وطني لا يقبل المساومة ولا بأي حال من الاحوال، فلا ينبغي لأحد اذن أن يطرح على شعبنا مقايضات السلعة، حتى مع حسن النوايا..!!!
ولانتحدث عن الوطن الذي ليس بوسع أحد بيعه، ناهيك عن استحالة طرحه في سوق المقايضات التجارية، الوطن حاضر بأرضه وشعبه، بماضيه وحاضره ومستقبله، الوطن واقع حتى بجغرافيته المثلمة بالاحتلال، والوطن بلاد شهدت غزاة كثرا لكن لطالما رحلوا عنها، وظلت هي كما هي، لم تصب بأي سوء في معناها، ولا في تاريخها، ولا في اسمها" كانت تسمى فلسطين وصارت تسمى فلسطين" بواقعية نضالات شعبها البطولية، وواقعية حضورها التاريخي والحضاري، ولهذا لا ينبغي أن يحشر الوطن في تلك المعادلة، ونحن لا نتحدث لتوضيح أكثر عن الوطن هنا، وإنما نتحدث عن الغاية والتطلع الوطني الفلسطيني، نتحدث عن الدولة التي نريد، وعن ضرورة تكريس وعيها الذي يؤمن الطريق إلى قيامتها، وهذا الوعي لا يقبل ولن يقبل المقايضات ولا المساومات أيضا، فبقدر ما نريد الدولة الحرة المستقلة، بقدر ما نريد رغيف الخبز، وسنقبل بنصفه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
نريد الدولة والخبز معا، ولأن مشروع الضم الاستعماري لا يريد لنا دولة، فإنه لايريد لنا سوى خبز العبيد، بكسراته التي لا تطعم الروح، ولا تؤلف أية عزة ولا أية كرامة..!! ثم لنا الحكمة فيما نعرف عن الصبر وضرورته، لأن النصر كما نؤمن "صبر ساعة" ولطالما كنا نرى ونصدق أن أضيق الأمر إذا ما فكرنا أوسعه، وأضيق الأمر اليوم هو الذي مع تفكيرنا الإيجابي، الضيق الذي بعده الفرج، ونحن نعيد تشكيل علاقتنا مع إسرائيل اليمين العنصري المتطرف، على قاعدة علاقة الند للند، الذي لا يقبل بإملاءات الأمر الواقع، والذي لا يرضى باتفاقات لا تؤمن السلام العادل، ودائما هو سلام فلسطين الدولة بعاصمتها القدس الشرقية وبالحل العادل لقضية اللاجئين. فإما الدولة إذن والخبز معا، وإما الصراع جيلا بعد جيل.