غازي حمد و "نقطته" التي سقطت
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة
للحياء نقطة إن سقطت سقطت معها كل القيم والمعايير الأخلاقية، ومن هنا بين حين وآخر يصحو القيادي الحمساوي، غازي حمد، على حال الأوضاع المأساوية المتردية، في قطاع غزة المكلوم، ويرى الأزمة تأكل في حركته وفي القطاع، لكنه وفي مثل كل مرة، بدل أن يواجه الواقع المرير صنيعة السياسات الحمساوية، ولأنه يخشى على موقعه وامتيازات موقعه ولأن "نقطته" قد سقطت، يذهب كما في كل مرة، إلى تشخيص مغالط للواقع والحقيقة، ويحيل الأزمة إلى خارج القطاع، ليحمل القيادة الفلسطينية المسؤولية(...!!) وهي التي مطلوب اليوم التهجم عليها، والتحريض ضدها، لأن "صفقة القرن" الفاسدة، والتفاهمات التي تواصلها حماس مع الاحتلال، ما زالت تعد بالإمارة السنغافورية...!!
ويقول حمد في مقالة مطولة له، إنه بات يتيماً سياسياً (...!!) وإن السبب في ذلك "ضعف القيادة الفلسطينية" وإن هذا الضعف هو الذي دفع دولا عربية للتطبيع مع إسرائيل "جهاراً نهاراً" وبصراحة ليس ثمة تدليس أقبح من هذا التدليس، وليس ثمة مغالطة للحقيقة، أوضح من هذه المغالطة الفجة، لأن من جعل واقع التطبيع المجاني ممكناً، هو الانقسام البغيض أولا، وارتهان قيادته الحمساوية للقرار الإخونجي، وكذلك ارتهانها بمساومات رخيصة للصراف الآلي، ما جعلها قيادة ليست ضعيفة فحسب وإنما قيادة متهالكة لا رؤية لها ولا قرار، وهذا ما سبب حال التراجع والعجز والفشل، التي يتحدث عنها حمد، ولكن ليس في القضية الفلسطينية، كما يكتب، وإنما في حال الحكم الحمساوي، الذي ثبت أنه من بقايا القرون الوسطى، وعصور الظلام التي أباحت فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن فتاوى حماس اليوم أشد تخلفا وظلاما، وهي ترى أن الإسلام مثلا لم يدخل غزة إلا بعد تأسيس الجامعة الإسلامية فيها، وحتى أنه لم يعد إسلاما صحيحا (..!!) إلا بعد تسلط حماس على كرسي الحكم في القطاع المكلوم.
غزة التي أنجبت الإمام الشافعي قبل ألف وثلاثمائة عام، والذي بات هو ثالث الأئمة الأربعة، والذي قال عنه الإمام أحمد بن حنبل إنه "كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس" غزة الشافعية هذه لم يدخلها الإسلام ألا بعد أربعة عشر قرنا من شروق شمس الإسلام.. ولا يقول حمد إن أحد أسباب تردي الوضع الراهن فتاوى من هذا النوع الأحمق، والتي علق عليها الكاتب والأديب خضر محجز، بأنها لاتلزم إلا قائلها، ووفق هذا الالتزام على قائلها أن يعتبر أبويه مرتدين، ويعتبر نفسه " نتاج نكاح ردة" كما كتب محجز بالنص..!!
وعلى ما يبدو أن لهذا القيادي الحمساوي مخيلة انتقائية فلا تقرب من أي شيء فعلته حركته ضد المصالحة الوطنية وأنها بقرارها الإخونجي أبقت الانقسام مستمرا لخمس عشرة سنة وما زالت تبقيه بكامل الإصرار والتعمد، لغرض تمزيق الحالة الوطنية، بتمزيق حركة فتح، وهو ما لم ولن تستطيعه حماس، وما يقوله حمد إن الانقسام قسم حركة فتح إلى قسمين (...!!) ليس إلا نتاج هذه المخيلة الانتقائية..!!
ويزعم غازي حمد أن مقالته نقدية وأن لوعته على الحال الوطنية هي التي جعلته يكتب ما كتب غير أن أية قراءة بسيطة لهذه المقالة ستكتشف أنها ليست أكثر من رسالة سياسية لتلك الجهات والدول التي تريد شطب منظمة التحرير الفلسطينية بقيادتها الشرعية الوطنية لأنها ما انفكت ولا تزال تسد الطرق أمام ما يسمى "صفقة القرن" وهي اليوم بعد أن أعلنت التحلل من الاتفاقيات والتفاهمات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، للتصدي لمشروع الضم الاستعماري، فان رأسها بات هو المطلوب الآن أميركيا وإسرائيليا، والذين يدعون إلى تشكيل قيادة بديلة عن قيادة منظمة التحرير، كغازي حمد الحمساوي، وآخرين من أتباع المال الحرام، إنما يقدمون أنفسهم كذباحين بسكاكين مساوماتهم الرخيصة..!!
ويكفر غازي حمد كفرا بينا، حين لا يرى، وحماس لا تريد أن ترى، أن الرئيس أبو مازن الذي بات "مالئ الدنيا وشاغل الناس" إثر موقفه الوطني الحاسم ضد ما يسمى "صفقة القرن" إنما هو الصلابة الوطنية ذاتها، وأنه رغم الضغوط التي يتعرض لها، والتي وصفها اللواء جبريل الرجوب بأنها ضغوط تنهار تحتها الجبال، إلا أنه يظل صامدا في موقفه وسياساته ورؤيته الصائبة، التي ترى في الصمود سلاحا لا يمكن قهره، وهو الذي يستمد قوته من صمود أبناء شعبه الذي لا جدال فيه، ويكفر حمد أيضا كفرا بينا، حين يفبرك أن التمدد الاستيطاني الإسرائيلي إنما هو صنيعة غياب القرار الفلسطيني (...!!) ولا يقول حمد في هذا الإطار ما الذي فعلته حماس ضد هذا التمدد، وهي التي تزعم المقاومة ليل نهار...!!
ويتحدث حمد عن ضعف الحال الفلسطينية، وكأنها حال أخرى لا علاقة لها بواقع غزة، فلا يسمي الأشياء بأسمائها، ولا يضع النقاط على حروفها، لا يقرب ولا يجرؤ أن يقرب من قيادته الحمساوية ليحملها قدرا من المسؤولية عن ضعف هذه الحال، فلا يرى غير منظمة التحرير باجتماعاتها التي يقول بلا أدنى درجة من الخجل، أنها مليئة بالوجوه العاجزة (...!!) على اعتبار أنه وقادته من شيوخ الشباب...!! فيما يظن حمد بكفره أن منظمة التحرير الفلسطينية، تحولت إلى "عجل مقدس " وأن صفتها وواقعها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، مجرد شعار وأن هذه المنظمة لم تعد تمثل العنوان الوطني (...!!) فهنيئا لترامب وكوشنير وغرينبلات ونتنياهو هذا الصوت الذي سيحك لهم على جرب...!! شيء واحد ووحيد في مقالة غازي حمد يمكن وصفه بأنه صحيح تماما وهو ما اعترف به بأنه لم يخجل حين كتب ما كتب، إذ لاجدال أن من كان يملك حياء وطنيا وأخلاقيا، لايكتب ما كتبه هذا القيادي الحمساوي، واللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.