هارون هاشم رشيد نموذج فريد للأديب والصحفي العربي
غزة- أنا اسمي فلسطيني...نقشتُ اسمي على كل الميادين... بهذه الكلمات استهلت الدكتورة عبير رشيد حديثها عن والدها شيخ الشعراء المرحوم هارون هاشم رشيد، الذي شكل نموذجاً فريدا للأديب والصحفي الفلسطيني والعربي.
عبير أخصائية العلاج الطبيعي بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لديها سبعة أشقاء بينهم شقيقة واحدة، عبرت عن حزنها العميق لرحيله في الغربة، تاركاً خلفه وطنناً تنهش فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
تقول عبير: "كان أهم شيء لوالدي أن نكون متعلمين، الوالد كان دائماً في الغربة ومحروم منا أن نراه، وكنا نلتقيه بشكل متقطع لأنه كان ممنوع من دخول فلسطين، كنا نلتقيه بمصر ونراه بشكل غير منتظم".
وتضيف عبير، "والدي لم يعش في غزة فترة طويلة كنا نخرج ونشاهده في أكثر من بلد كمصر وتونس وأي بلد هو فيه، كانت الغربة صعبة لنا وله، لكن في فترة أيام الجامعة كان والدي المثل الأعلى لنا، والدي درسني المرحلة الجامعية في ألمانيا وهي فترة كانت من أفضل الفترات في حياتي مع والدي حيث كان متواصلا كثيرا معي".
لم تخف عبير: "الوجع والهموم وذكرياتها، مع أبيها"، وتتابع "والدي خرج من غزة هروباً من الاحتلال الإسرائيلي، إذ كان الاحتلال يضايق عليه كثيراً ويلاحقه، وبالتالي خرج تهريب مع ثوار فلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر ومنها إلى بلدان عدة".
ووصفت الإرث الذي تركه والدها بالمفخرة لفلسطين، قائلة: "بالنسبة للأشعار التي كتبها والدي وترك فيها أثرا للقضية والشعب الفلسطيني هذا فخر كبير لنا، أنه كان القلم المعبر عن قضيتنا وكان يحارب المحتل الغاصب بالقلم، في كل نكباتنا وثوراتنا كان يحارب بالقلم ويعبر بالقلم وهذا كان دافعا لنا ولكل الناس وللشعب وحتى للشعوب والدول العربية التي تدرس أشعاره ضمن المناهج المقررة، إذ أن شعر المرحوم هارون رشيد كان ممنوعا في الأرض المحتلة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، لكن أبناء شعبنا خاصةً من المغتربين يعرفون تاريخه وشعره الثوري والنضالي والوطني وهذا إرث ورثه لنا ولشعبنا".
وأردفت عبير: "اعبر عن احترامي لكل المواقف العربية والدولية التي أرثت وأشادت بمسيرة والدي الحافلة بالتاريخ المشرف للقضية الفلسطينية، أنا رأيت في الواقع محبي والدي يمجدونه من الدول العربية الذين ناصروا والدي وفي كل دواوينهم ومكاتبهم موجودة كتبه وفي معارض الكتاب، والحمد لله يشرفنا أنهم وقفوا معنا كثيرا".
وعبرت عن شكرها للرئيس محمود عباس الذي قدم التعازي بوفاة والدها، "اتقدم بالشكر كثيرا للسيد الرئيس أبو مازن الذي تقدم بالتعازي لنا في وفاة المرحوم والدي هارون هاشم رشيد".
وأوضحت عبير أن والدها "هو من أعلن عبر إذاعة صوت العرب عن إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية".
من جهته، قال وزير الثقافة، عاطف أبو سيف:"إن رحيل الشاعر الكبير هارون هاشم رشيد خسارة للثقافة الوطنية الفلسطينية والعربية، وبرحيله تخسر فلسطين رمزاً من رموزها الإبداعية وعلماً من أعلامها النضالية الكفاحية، الذي كرس حياته وعمره من أجل الحرية والخلاص والعودة".
وأضاف "عزاؤنا بالفقيد ما تركه من أثر وإرث كبير في الثقافة والشعر والوعي للأجيال التي تحفظ اسم المناضل والشاعر الذي رهن حياته من أجل قضايا شعبه ووطنه".
وتقدم أبو سيف إلى عائلته وإلى جميع المثقفين والكاتب والشعراء الفلسطينيين بالتعازي والمواساة برحيل شاعر العودة والحرية هارون هاشم رشيد.
وكانت وزارة الثقافة اختارت الراحل رشيد شخصية العام الثقافية عام 2014 تقديراً لدوره الفاعل والكبير في سبيل إعلاء قضية شعبنا الفلسطيني الثقافية والسياسية.
هارون هاشم رشيد (1927-27 تموز/تموز2020) هو شاعرٌ فلسطيني من مواليد حي الزيتون في مدينة غزة، وهو من شعراء الخمسينيات الذين أطلق عليهم اسم شعراء النكبة أو شعراء العودة، ويمتاز شعره بروح التمرد والثورة ويعد من أكثر الشعراء الفلسطينيين استعمالاً لمفردات العودة، فأطلق عليه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة لقب (شاعر القرار 194)، أصدر عشرين ديوانًا، وكان يشغل منصب مندوب فلسطين المناوب بجامعة الدول العربية.
درس هارون هاشم رشيد في مدارس غزة فأنهى دراسته الثانوية في العام 1947، وحصل على شهادة المعلمين العليا. بعد حصوله على الدبلوم العالي لتدريب المعلّمين من كليّة غزة عمل في سلك التعليم حتى عام 1954.
انتقل للعمل في المجال الإعلامي فتولّى رئاسة مكتب إذاعة "صوت العرب" المصرية في غزة عام 1954 لعدة سنوات، وعندما أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية كان مشرفا على إعلامها في قطاع غزة من عام 1965 إلى 1967.
بعد سقوط غزة في أيدي الإسرائيليين عام 1967 ضايقته قوات الاحتلال الإسرائيلية وأجبرته في النهاية على الرحيل من قطاع غزة. فانتقل إلى القاهرة وعُيّن رئيسا لمكتب منظمة التحرير فيها، ثم عمل لمدة ثلاثين عاما كمندوب دائم لفلسطين في اللجنة الدائمة للإعلام العربي واللجنة الدائمة للشؤون المالية والإدارية بالجامعة العربية. إضافة إلى ذلك واصل عمله الإبداعي في الكتابة والصحافة والتأليف والشعر.
عاصر الشاعر هارون هاشم رشيد الاحتلال ومعاناة الغربة وشاهد بأم عينيه عسكر الجيش البريطاني قبل الإسرائيلي يهدمون المنازل ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ حتى أصبحت تلك المشاهد هي الصورة اليومية لحياة المواطن الفلسطيني. من رحم هذه المحن أطلق هارون هاشم رشيد عهده في النضال حتى آخر بيت شعر، فتغنى بالشهداء وتفاخر بالمعتقلين الشرفاء، ووقف مع المقاتلين من أجل استرجاع الحقوق الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي.
شعره بسيط ومباشر وموزون وجله مبني على شكل الشطرين الموروث يعبّر فيه عن مأساة فلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم وبيوتهم، كما يصف عذابهم ومشاعر الفقدان والاغتراب العميقة التي عايشوها عبر السنين. أطلق عليه تسميات مختلفة مستوحاة من مراحل عذابات شعبه فهو: شاعر النكبة، شاعر العودة، شاعر الثورة وهي تسمية أطلقها عليه الشهيد خليل الوزير عام 1967 بعد قصيدة «الأرض والدم» وأطلق عليه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة لقب (شاعر القرار 194).
أصدر قرابة عشرين ديواناً شعرياً منها (الغرباء عام 1954، وعودة الغرباء 1956، وغزة في خط النار، وحتى يعود شعبنا 1965، وسفينة الغضب 1968 ورحله العاصفة 1969، وفدائيون 1970، ومفكرة عاشق 1980، ويوميات الصمود والحزن 1983، وثورة الحجارة 1991، وطيور الجنة 1998) وغيرها.
اختير ما يقارب 90 قصيدة من أشعاره قدمها إعلام الغناء العربي، وفي مقدمة من أشدوا أشعاره فيروز، وفايدة كامل، ومحمد فوزي، وكارم محمود، ومحمد قنديل، ومحمد عبده، وطلال مداح، وآخرون.
كتب أيضا أربع مسرحيات شعرية، مُثِل منها على المسرح في القاهرة مسرحية "السؤال" من بطولة كرم مطاوع وسهير المرشدي. وبعد حرب العبور 1973 كتب مسرحية "سقوط بارليف" وقٌدمت على المسرح القومي بالقاهرة عام 1974، ومسرحية "عصافير الشوك"، إضافة إلى العديد من المسلسلات والسباعيات التي كتبها لإذاعة "صوت العرب" المصرية وعدد من الإذاعات العربية.
قدم العديد من الدراسات منها:
الشعر المقاتل في الأرض المحتلة (المكتبة العصرية، صيدا، 1970م).
مدينة وشاعر: حيفا والبحيري (مطابع دار الحياة، دمشق، 1975م).
الكلمة المقاتلة في فلسطين (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973م).
نال عدة جوائز تقديرية منها:
وسام القدس عام 1990.
الجائزة الأولى للمسرح الشعري من الألكسو 1977.
الجائزة الأولى للقصيدة العربية من إذاعة لندن 1988.
من أعماله: مع الغرباء - الديوان الأول (القاهرة 1954م). وقد اختار منها الأخوان رحباني عندما زارا القاهرة بدعوة من إذاعة صوت العرب عام 1955 قصيدة جميلة هي حوارية بين فتاة فلسطينية من اللاجئين واسمها ليلى وبين والدها بالإضافة لقصيدة سنرجع يوما وجسر العودة فغنتهما فيروز وتم تسجيلها بالقاهرة ضمن باقة من 48 عملا تم إنتاجها في تلك الرحلة.
عودة الغرباء (بيروت، 1956م).
غزة في خط النار (بيروت، 1957م).
أرض الثورات ملحمة شعرية (بيروت، 1958م).
حتى يعود شعبنا (بيروت، 1965م).
سفينة الغضب (الكويت، 1968م).
رسالتان (القاهرة، 1969م).
رحلة العاصفة (القاهرة، 1969م).
فدائيون (عمّان، 1970م).
مزامير الأرض والدم (بيروت، 1970م).
السؤال-مسرحية شعرية (القاهرة، 1971م).
الرجوع (بيروت، 1977م).
مفكرة عاشق (تونس، 1980م).
المجموعة الشعرية الكاملة (بيروت، 1981م).
يوميات الصمود والحزن (تونس، 1983م).
النقش في الظلام (عمان، 1984م).
المزّة-غزة (1988م).
عصافير الشوك/مسرحية شعرية (القاهرة، 1990م).
ثورة الحجارة (تونس، 1991م).
طيور الجنة (عمان، 1998م).
وردة على جبين القدس (القاهرة، 1998م).
جذور أعماله الروائية: سنوات العذاب (القاهرة، 1970م).
*عن: وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"